كيف نجعل الثقافة قوة تدفع أمتنا
نحو التقدم؟
عادل محمود
كابي لطيف
بهدف تعزيز التواصل والحوار، وإيماناً من «أوان» بدور الصحافة التفاعلية
بتكامل أطرافها، طرحت الصحيفة عبر موقعها على شبكة الإنترنت قضية جديدة
للنقاش «برأيك كيف نجعل الثقافة هي القوة التي تدفع أمتنا نحو التقدم؟».
ويذكر ان باب «قضية للنقاش»، يعرض من خلاله قضية متجددة أسبوعياً
على شكل تساؤل يتولى القراء الإجابة عنه، من خلال إرسال آرائهم وتعليقاتهم
عن القضية المطروحة، والتي سيتم نشرها على الموقع. وحظيت الحلقة من باب
«قضية للنقاش» بمشاركة 250 قارئا من جنسيات مختلفة حول العالم، ينتمون إلى
شرائح سياسية وثقافية واجتماعية متنوعة.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق د.عدنان بدران قال: «إن الثقافة في
اعتقادي الوعاء الحضاري للامة. الامة دائما عبر مسيرتها تتميز بالدرجة
الاولى بما وصلت اليه ثقافتها. والثقافة هي امر تراكمي، أي بعبارة اخرى، إن
حضارة الامة ما يتراكم من تغييرات ثقافية نتيجة مساحات دينية عاشتها في
الماضي والحاضر. والامة تتميز ايضا بما لديها من مفاهيم ومن قيم ومن عادات
ومن تقاليد، مما نما لديها من اسلوب حياة. كل هذا يشكل العمل التراكمي عبر
الاجيال وسنوات طويلة تشكل ثقافة الامة الوعاء»..
ونوه بدران إلى «اهمية ثقافة التغيير الان التي بموجبها ربح الرئيس
الاميركي اوباما والذي كان شعاره الانتخابي التغيير وكان شعاره التذكرة
التي انتخب عليها الرئيس اوباما.. لذلك الثقافة في اعتقادي امر هام وعلينا
أن نجعل من الثقافة قوة تدفع بالامة نحو التقدم، وايضا هناك في المقابل
ثقافة عدم التغيير وثقافة الجمود لانه ليس لدينا ثقافة تصل بعد».
وحذر بدارن من «الصعوبات التي تواجهنا في الولوج الى الحداثة، في
حين هناك دول تتغلب على الحداثة اسهل منا وذلك نتيجة الثقافة التي تميزهم.
لذلك لا بد ان نجعل من الثقافة قوة وايضا لنعود مرة اخرى الى تأصيل الثقافة
والانفتاح على التغيير من خلال التعليم والسلوك والتربية والاعلام..
والاعلام تربية موازية، وايضا من خلال مجتمع الرفاق.. كل هذه البيئة تدفع
بنا الى نمو ثقافة الانسان، اذ واجه صعوبات ضم اطار متوازٍ وايجابي واخلاقي
عندها نستطيع ان تنمو الامة.. وايضا هناك ثقافة الابداع والابتكار وثقافة
القراءة وثقافة الاطلاع على عادات الآخرين وثقافة احترام الآخرين وثقافة
الاختلاف في الرأي، في المقابل هناك ثقافة اللجوء الى العنف وهذا دمار
للامة ولا تقود الى النمو والتقدم».
ولفت بدران إلى «اننا لا نولي الثقافة الاهتمام لاننا لا نميز
اهمية الثقافة ولا بالنسبة لدفع الامة نحو النمو ونحو مدارات حضارية جديدة،
لذلك نحن دائما في مواجهة مع الحداثة وما بعد الحداثة».
تراجع المثقف الجماهيري
من جانبه عرّف رئيس اتحاد الكتاب العرب د.حسين جمعة الثقافة بأنها
«مجموع المثقفين الفاعلين في المجتمع، واذا كان المثقفون قادرين على الفعل
الحقيقي في احداث تغيير جوهري في جملة الحياة الثقافية اولا والسياسية
ثانيا والاجتماعية، يمكن عند ذلك أن يحدث مثل هذا التغيير».
وتأسف جمعة على حال المثقفين «لما نراه للاسف ان عددا كبيرا من
المثقفين تراجعوا عن اداء رسالتهم بوصفهم ممثلين ما يسمى المثقف العضوي
الجماهيري، اذ لم يعودوا قادرين على امتلاك زمام المبادرة لقيادة الجماهير
الا من رحم ربي».
وأنحى جمعة باللوم في الامر الاساسي على هؤلاء المثقفين الذين يبدو
أنهم يتراجعون لحسابتهم الشخصية او حسابات نفعية عامة».
اما عن المثقف الايديولوجي فقال جمعة «ينبغي ان يوازن بين ما يؤمن
به من نظريات وانتماءات سياسية وبين قضايا الامة، وثم عليه ان يضع قضايا
الامة على رأس الأولويات، ولو كان احيانا على حساب ما يسمى الانتماء الخاص.
لان الانتماء العام اولى من الانتماء الخاص، لكن للاسف الكثير من المثقفين
المنتمين لهئيات فكرية او سياسية غلّبوا الانتماء الخاص على العام».
ثم ألقى جمعة باللوم على «الحالة الدينية التي بدأت تشيع اليوم
القلق، وانجر الكثير من المثقفين وراء اطروحات الطائفية، بمعنى اخر غلّبوا
الطائفية على حساب الوطن وخلقوا اوضاعا مقلقة، وثم تراجع اثرهم ودورهم لبعض
الشخصيات والطموحات والاطماع الدينية. اظن هناك عدة اسباب لتراجع دور
المثقف، اللهم ذلك المثقف الذي يقف في وجه السياسي المستبد ويقول له أنت
ظالم، وذلك من أجل الجماهير».
شعوب غير قارئة
بدورها قالت الممثلة السورية منى واصف «إن لكل أمة ثقافة معينة
تعتمدها في سبيل التقدم.. برأيي انها قضية واقعية وهذا شيء بديهي لانه
عنوان حضاري وعنوان التقدم. أتصور أن كل فرد مسؤول عنه.. نتقدم ثقافيا وليس
الاعلام وحده. كل انسان مسؤول عن تطوير اسلوبه بأي شكل من الاشكال، ويطور
غيره ايضا عبر تثقيفه، ان كان رب اسرة أو سيدة الاسرة عليهما دور في سبيل
التقدم.. لا يجوز ان نقول نحن شعب غير قارئ، ولهذا -للاسف- نحن متهمون
بأننا غير قارئين.. الثقافة تأتي من العلم والتربية».
مكانة الإعلام الثقافي
في الاتجاه نفسه، طالبت الاعلامية اللبنانية في اذاعة مونت كارلو
كابي لطيف بتطوير العمل الاعلامي في العالم كله، وذلك «عبر تعزيز مكانة
الاعلام الثقافي. لان الثقافة في مفهومها الواسع هي السياسة والاقتصاد
والمجتمع، ولان في عملية التعزيز هذه اسثماراً في القيم والمبادئ
الانسانية، واسثماراً في الحوار بين الافراد والمجموعات والشعوب والامم
والثقافات والحضارات. منذ البداية، اخترتُ الطريق الصعب، أي ذاك الذي يراهن
فيه الإعلامي على الثقافة والإبداع. وكذلك على الحوار بالمعنى الأشمل لهذه
الكلمة والانفتاح على الثقافات الأخرى ومدّ الجسور، أيضاً، بين المشرق
والمغرب. هذا الجانب الإعلامي، بخلاف الجانب السياسي، يفرض تحدياً من نوع
آخر. وإذا كنتُ اخترتُ هذا النوع من الإعلام فلأنّه يتلاءم مع توجّهاتي
والمثُل التي أتسلّح بها، ولأنّ هذا الجانب أيضاً يركّز على اللقاء لا على
التنابذ، ويحرّض على الاجتماع لا على التفرقة. صحيح أنّ الحيّز المخصص
للثقافة يضيق أكثر فأكثر في المساحات الإعلامية، ليس في العالم العربي وحده
بل في العالم أجمع، لكن رُقْعَة الثقافة هذه يمكن أن نجعلها أوسع وأكثر
رحابة، وفقاً للأسلوب الذي نعتمده وللمنهج الذي ننتهجه. وهذا ما تأكّد لي
ولاحظته طوال سنوات من البرامج التي حققتها في باريس، في إذاعة مونت كارلو
الدولية التي تعتبر جسراً من التواصل بين الشرق والغرب، والبرنامج الذي
قدمته من «معهد العالم العربي الثقافي»، هذا المعهد الذي يهدف، هو الآخر،
إلى أن يكون نقطة لقاء بين ضفتي المتوسط ومساحة للحوار والتعارف تتجاوز
حدود هذا البلد أو ذاك لتوسّع وطن الثقافة الذي ينتمي إليه الإنسان أينما
وُجِد».
إشكالية الازدواجية في ثقافة الفرد
ولفت رئيس الجمعية النفسية العراقية أ.د.قاسم حسين صالح إلى «وجود
ثقافتين في الفرد الواحد، هما الثقافة الخاصة به والثقافة الخاصة بالدور
الذي يؤديه. والثانية: ان ازدواج هاتين الثقافتين في الفرد الواحد (المثقف
تحديدا) يفضي الى اشكالية سلوكية. وعلى قدر علمي فان المثقفين العرب لم
ينتبهوا لهذه الاشكالية ويفحصوها بجهد علمي ومنهجية موضوعية تحدد أبعادها
بصيغة تشخيصية وتقترح طرائق عملية «لعلاجها»