انقسام
وحصار ونقص في الدينار والدولار
بنوك غزة
:إن لم تفتح المعابر وتقوم المشاريع سيكون مصيرنا ...الانكسار
غزة / تقرير علاء الحلو :
شهد اقتصاد قطاع غزة
مزيداً من التردي بعد الهجوم الإسرائيلي الواسع عليه مطلع العام الماضي في
ظل الحصار المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات ،وأصبحت فرص تحقيق انتعاشة
اقتصادية معلقة بإنجاز مصالحة وطنية فلسطينية ,ورفع الحصار المتواصل على
غزة , ويتفق خبراء في الاقتصاد الفلسطيني على أن الحرب الإسرائيلية على غزة
التي بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 واستمرت 22 يوماً وأدت إلى مقتل
1400 فلسطيني وجرح آلاف آخرين بالإضافة إلى تدمير 20 آلف وحدة سكنية ،وخراب
واسع في المنشآت الصناعية والبنى التحتية، شكلت ضربة قاصمة لبقايا
الاقتصاد الهش في غزة الذي دمرته سنوات الحصار الإسرائيلي عليها .
كذلك تأثرت بنوك قطاع
غزة بشكل مباشر من الحصار الإسرائيلي ,نتيجة عدم دخول الدولار الأمريكي
والدينار الأردني ,إضافة إلى عدم دخول الأجهزة الالكترونية التي تساعد في
تطوير العمل البنكي في غزة ,وللوقوف على أوضاع البنوك داخل قطاع غزة ,ورؤية
مدى تأثرها بالحصار الإسرائيلي المستمر كان للقدس العديد من اللقاءات
الخاصة ببعض مدراء ونواب مدراء البنوك في غزة .
بنك
القدس
وفي مقابلة مع مدير بنك
القدس في قطاع غزة غالب صقر أشار إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني منذ ثلاث
سنوات من حصار خانق أثر على جميع القطاعات الاقتصادية ,مما أثر بالسلب على
البنوك العاملة في غزة ,وأدى إلى نقص شديد في السيولة بعملتي الدينار
الأردني ,والدولار الأمريكي ,في ظل وجود فائض كبير في الشيكل الإسرائيلي
,وذلك لأن بنوك غزة لا تتمكن من شحن السيولة الفائضة بالشيكل إلى فروعها
وإدارتها العاملة في الضفة الغربية ,علما بأن حركة تنقل الأموال بالضفة
أسهل من تنقلها بغزة .
وأكد صقر على أن الحصار
الإسرائيلي لقطاع غزة ألحق العديد من الأضرار ببنوك القطاع , حيث أدى إلى
عدم دخول المواد الإنتاجية اللازمة لإعادة اعمار قطاع غزة ,مما أثر على
جميع شركات المقاولات التي كانت تقترض من البنوك لتمويل مشاريعها ,وكانت
البنوك تستفيد من فوائد تلك القروض ,ولكن توقف تلك المشاريع أدى إلى توقف
عملية الإقراض "بمعنى أن البنوك خسرت بشكل غير مباشر".
وتطرق صقر إلى الخسائر
التي لحقت بعمل البنوك والعملية الاقتصادية نتيجة الحرب الإسرائيلية على
قطاع غزة حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدمير عدد كبير من المشاريع
الإنشائية ,مما أدى إلى انخفاض ملموس في تعاملات الشركات ,والمؤسسات مع
البنوك ,مضيفا أن الدمار الذي لحق بمعظم المنشآت الاقتصادية أدى إلى تعثر
الشركات والمؤسسات لالتزاماتها لدى البنوك .
وتحدث صقر عن الصعوبات
التي واجهت عمل البنوك في الفترة الحالية والتي تتمثل بالحصار الإسرائيلي
,وعدم توفر المواد الخام ,وعدم سهولة نقل السلع والبضائع من الضفة الغربية
,ومن داخل الخط الأخضر ,أو من الخارج عبر معبر رفح إلى قطاع غزة ,إضافة إلى
تحمل البنوك للخسائر نتيجة عدم تمكنها من تحصيل أموالها التي منحتها
للشركات "التي دمرت معظم مشاريعها خلال الحرب" ,مؤكدا على أن البنوك لا
تستطيع حاليا تشغيل أموال المودعين لديها بأمان لعدم وجود مشاريع تجارية
يستطيع البنك تمويلها ,وضمان استرداد تلك الأموال.
وتابع صقر قائلا :"جميع
القطاعات الاقتصادية في قطاع غزة تأثرت من الحصار الإسرائيلي والحرب على
غزة ,فالقطاع السياحي تم تدميره بالكامل نظرا لإغلاق المعابر ,وعدم السماح
للسياح بدخول غزة ,وقطاع المقاولات تضرر لعدم توفر المواد الخام ,والمواد
الإنشائية من اسمنت وحديد ,كذلك تضررت كافة القطاعات الاقتصادية وأثرت بشكل
سلبي على عمل البنوك .
وتحدث صقر عن بعض
الانجازات التي تمكن البنك من تحقيقها على الرغم من الحصار والصعوبات التي
تواجهه ,حيث قام بنك القدس بإدخال نظام القروض الميسرة ,وقروض علم أولادك
,وقروض تمكن عملاء البنك من امتلاك سيارة أو منزل ,كذلك قام البنك بانجاز
نظام الآي بنكنج "البنك الالكتروني" ,والبنك الناطق ,ويتم دراسة إرسال
رسائل قصيرة إلى أرقام هواتف العملاء ,ويتم حاليا اختبار مدى نجاح تلك
البرامج على الموظفين داخل البنك لكي يتم تعميمها على المتعاملين مع بنك
القدس.
وفي نهاية اللقاء أكد
على أن رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة يعتبر من أهم النقاط التي تساهم في
النهوض بالاقتصاد الفلسطيني ,متمنيا أن تعم المصالحة الفلسطينية وأن تعود
اللحمة لأبناء الشعب الفلسطيني لكي يستطيعوا مواجهة الصعوبات.
خبير مصرفي
أما
الخبير الاقتصادي والمصرفي شكري كراز فقد نوه إلى أن طبيعة الضرر
الاقتصادي الناتج عن الحصار على غزة تنقسم إلى شقين الأول هو تأثر مالي
مباشر نتيجة عدم السماح بدخول الدينار والدولار ,أما الثاني فهو تأثير
اقتصادي غير مباشر ,حيث تتأثر البنوك من خلال الدورة الاقتصادية ,فالمواطن
يتجه إلى تخزين الأموال في البيت نظرا لنقص السيولة لديه ,ولعدم شعوره
بالأمن ,وفي نفس الوقت وعلى الرغم من الواقع الصعب الذي تشهده البنوك من
خلال عدم إيداع العملاء لديهم ,إلا أن هناك مودعين يأخذوا من البنوك ومن
الأموال التي يودعونها مما يزيد من نقص السيولة لدى البنوك .
وأشار كراز إلى أن
القرار الإسرائيلي الذي اعتبر غزة كيانا معاديا جعل المودعين يشعروا بالخوف
من إيداع نقودهم داخل بنوك قطاع غزة ,ودفعها بأموالها إلى بنوك مصر
والأردن ,لوجود الأمن المادي لدى تلك الدولتين ,واستعان كراز ضاحكا بمثل
شعبي "رأس المال جبان" .
وتابع قائلا "بعض البنوك
أوقفت برامج الإقراض للقطاع الحكومي مما أثر على ربحية البنوك لأنها كانت
تعتمد على الفوائد من الودائع والقروض والتسهيلات الممنوحة للتجار ,كذلك
كانت تستفيد من التجارة الخارجية من حيث الاعتمادات المستندية ,ومن خطابات
الضمان للمشاريع .
وأشار إلى توقف معظم
المشاريع نتيجة الظروف الصعبة التي تمر بها غزة من حصار وانقسام سياسي بين
الفلسطينيين كان له نصيبا كبيرا في التأثير السلبي على كافة الأمور ,لافتا
إلى بعض الصعوبات التي تواجه عمل البنوك ,ومنها "نقص في بعض الأجهزة لم
تتمكن البنوك من إدخالها ,وعدم قدرة البنوك على تطوير أنظمتها ,وعدم تمكنها
من إرسال موظفيها للخارج للتدريب ,وأصبح موظفي البنوك اعتياديين لا يوجد
لديهم تجديد في عملهم نظرا لنقص الدورات في هذا المجال ".
وأضاف أن البنوك كانت
تفكر في افتتاح فروع جديدة ,وتوسيع دائرة عملها في غزة ,ولكن الحصار
الإسرائيلي ,وعدم وضوح رؤية سياسية أدى إلى إيقاف قرار افتتاح الفروع
,وتطوير أنظمة البنوك داخل القطاع ,لافتا إلى أن البنوك لا تتقدم أي خطوة
في غزة وأن توفير عمل لموظفي البنك وتحقيق نقطة التعادل "بمعنى عدم الربح
وعدم الخسارة" وبقاء البنك في نفس المعدل يعتبر انجازا في ظل الظروف الصعبة
الراهنة ,مع العلم أن الوضع الطبيعي يحتم على البنك التطوير من أدائه في
ظل المنافسة القائمة.
وأكد كراز على أن الوضع
الاقتصادي صعب للغاية تماما كالوضع السياسي ,وأن تغير الأوضاع الأمنية
والسياسية وفتح المعابر يتيح الفرصة أمام الاقتصاد لكي يزهو ,وأمام البنوك
لتطور في أدائها ,وفي خدماتها وبرامجها .
البنك
الإسلامي الفلسطيني
بينما أشار نائب المدير
العام للبنك الإسلامي الفلسطيني في قطاع غزة صائب سمور في مقابلة معه إلى
أن الجهاز المصرفي لا ينفصل عن الوضع الاقتصادي السيئ ,لافتا إلى أن الوضع
الاقتصادي "مشلول" في بنوك غزة نتيجة للحصار الإسرائيلي الذي ينعكس سلبا
على البنوك وعملائها , وما خلفته الحرب الإسرائيلية من دمار للبنية التحتية
الاقتصادية ومن خوف لدي المواطنين من إيداع أموالها في البنوك أو التعامل
معها .
ونوه إلى أن تسكير
المعابر وعدم دخول المواد الخام وعدم قيام الشركات والمؤسسات بالمشاريع أدى
إلى وجود فائض في الأموال بالشيكل لدى البنك الإسلامي ,وتعتبر تلك الأموال
"مجمدة وغير فاعلة" وذلك لعدم طلب تلك الشركات للقرض التي تستفيد البنوك
بدورها منها .
وأكد على أن حركة
التجارة الغير رسمية وبما فيها الأنفاق أثرت وبشكل كبير على النشاط
الاقتصادي الرسمي وعلى عمل البنوك ,مشيرا إلى أن تدمير المصانع والمواقع
الاقتصادية أثر على حركة التجارة ,وعلى شركات الاستثمار ,والمصانع
,وبالتالي على البنوك لأنها كانت تأخذ تمويلات تعود بالنفع على الجهاز
المصرفي .
وأشار إلى إشكالية واجهت
البنوك عبر استهداف قوات الاحتلال لشركات ومصانع وأماكن كانت قد أخذت
تمويلاتها من البنوك ,وفي هذه الحالة لم تستطع البنوك مطالبة المتضررين
بتسديد تلك التمويلات لأن المتضررين لا يملكون المال لتسديد تلك التمويلات
والقروض ,مضيفا أن البنوك وضعها سيئ وتعاني من الانكماش الاقتصادي ,وأنها
تتغذى حاليا على التمويلات القديمة التي حصلت عليها البنوك في فترة الرخاء
"البسيط" بعد خروج الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة سنة 2004 _ 2005 ,حيث
شهدت تلك الفترة انتعاش للاقتصاد الفلسطيني بسبب توفر المواد الخام ,وقيام
العديد من المشاريع التي عادت بالفائدة على معظم البنوك ,وبدأ ذلك الانتعاش
يتراجع تدريجيا نتيجة للأحداث المؤسفة والانقسام الفلسطيني والحصار
الإسرائيلي الخانق.
وأكد سمور على أن كافة
البنوك لم تتقدم منذ عام 2005 لعدم استثمارها ,مشددا على أن الاقتصاد
الفلسطيني والبنوك الفلسطينية في غزة لن تشهد أي برامج تطور من عملها دون
فتح المعابر ,ورفع الحصار ,وأن أي مشروع سيبقى حبر على ورق ما دامت الأوضاع
على ما هو عليه .
وفي ظل تلك الأوضاع
الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بنوك قطاع غزة ,وكافة النواحي الانسانية
فيها يجب تذكير دولة إسرائيل بالالتزامات الواجبة عليها، باعتبارها القوة
المحتلة لقطاع غزة، حيال السكان فيه، وفقا للمادة 55 من اتفاقية جنيف
الرابعة للعام 1949، والتي تنص على أن " من واجب دولة الاحتلال أن تعمل
بأقصى ما تسمح به وسائلها لخدمة القطاع , وعليها أن تراعي احتياجات السكان
المدنيين ,كذلك أن تقف الأطراف السامية المتعاقدة لاتفاقية جنيف الرابعة
أمام واجباتها كما نصت عليها المادة الأولى من الاتفاقية والقاضي بضمان
تطبيق هذه الاتفاقية من قبل دولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي لحماية
المدنيين الفلسطينيين ,وأن تمارس كافة الدول والحكومات والمنظمات الدولية،
بما فيها وكالات الأمم المتحدة، وخاصة الأونروا، الضغط على السلطات
الإسرائيلية لفتح المعابر ورفع الحصار الخانق عن غزة.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/