غداً .. سأتوب !!! "كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"، ولكن أي توبة تلك
التي تستوجب صفة التوابون؟!.
يعتقد بعض الشباب أنهم طالما اقترفوا الذنب فلا مانع من أن يستمتعوا حتى
يستكفوا منه قبل أن يتوبوا، فطالما أن التوبة تجب الذنوب فلا مانع من أن
يشبع الشاب من الذنب قبل أن يتوجه إلى الله بالتوبة.
وفي ذلك يقول الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء
المسلمين: إذا كانت التوبة واجبة على المؤمنين جميعًا فإن الإتيان بها على
الفور واجب آخر، فلا يجوز تأخيرها ولا التسويف بها، فإن ذلك خطر على قلب
المتدين، إذا لم يسارع بالتطهر أولا بأول، فيخشى أن تتراكم آثار الذنوب،
واحدًا بعد الآخر، حتى تحدث سوادًا في القلب أو زيفًا فيه كما جاء في
الحديث الذي رَواهُ أبو هُريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن
العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد
زيد فيها حتى تعلو قلبه فذاك الران الذي ذكر الله تعالى: (كَلا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (رَواهُ التّرمذيُّ ) .
ذنب بذنبين
وقال ابن القيم رحمه الله: المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور
ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقى عليه
توبة أخرى وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب بل عنده
أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقى عليه التوبة من تأخير
التوبة.
ويضيف القرضاوي - في محاضرة له - أن أخطر شيء على من وقع في المعصية هو:
التسويف بمعنى أن يقول: سوف أرجع وسوف أتوب ولا يفعل ولهذا قيل: (سوف) جند
من جنود إبليس وقيل: أكثر أهل النار المسوفون .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا
رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ
رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ
مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ
أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .
ويوضح القرضاوي فضائل المبادرة فيقول: فهي تعين المكلف على اقتلاع الذنب
قبل أن يستفحل، ويرسخ في أرض القلب أصله وتنتشر في الأعمال فروعه ويزداد
كل يوم تشبثًا بالجذور، وتشعبًا في الفروع.
وما مثل المسوف إلا كمثل من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا
بمشقة شديدة جلية فقال: أدخرها سنة ثم أعود لأقتلعها وهذا من حماقته
وغبائه فهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال عمره ازداد
ضعفه، فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته، إذ عجز - مع قوته - عن مقاومة
ضعيف، فكيف ينتظر الغلبة عليه، إذا ضعف هو في نفسه، وقوى الضعيف وذلك حسب
كلام القرضاوي .
يتابع قائلا: وكثيرًا ما يسوف المسوفون حتى يأتي الوقت الذي ترفض فيه
التوبة، ولا يقبلها الله تعالى وذلك حين يفقد الإنسان الاختيار وتكون توبته
توبة اضطرار، مثل توبة فرعون حينما أدركه الغرق فقال: آمنت أنه لا إله إلا
الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، فكان الرد الإلهي: (الآنَ
وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:91).
كيف ترى ذنبك؟
فبقدر ما يعظم الذنب عند فاعله يصغر عند الله عز وجل وبقدر ما يصغر عنده
يعظم عند الله، فلابد للعبد أن يستشعر من هذا العظيم الكبير الذي يتجرأ
عليه ويقتحم حماه ويبارزه بالذنوب والخطايا، فلا ينبغي أن نستصغر الذنب
لأننا به نجرم في حق الكبير تبارك في علاه.
وفي ذلك يقول الشيخ عبد اللطيف الغامدي: فهناك فرق بين من يذنب الذنب
وتراه بعده خائفاً وجلاً وبين من يذنب الذنب ولا يبالي فتراه يذكرونه بالله
ولكنه يجعل الله أهون الناظرين إليه، وفي ذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه
"إن المؤمن يرى ذنبه جبل يخاف أن يطبق عليه، وإن المنافق يرى ذنبه ذباب
وقع على أنفه فقال به هكذا".