بعد تفشي الفقر والبطالة
باعة الشاي
والقهوة يجتاحون منتزهات ورمزونات القطاع ويطالبون بآدميتهم
غزة / تقرير علاء الحلو :
ما
إن تطأ قدماك حديقة الجندي المجهول أو أي منتزه من متنزهات مدينة غزة إلا
ويتهافت عليك العديد من باعة المشروبات الساخنة بكافة أشكالها
من قهوة وشاي ونسكفيه ,والعديد من الأطفال الذين يحملون أنصاف كراتين بها
تشكيلة من المكسرات والحلويات ,وآخرين يبيعون "المثلجات والترمس" ,وذلك بعد
أن تقطعت بهم السبل لعدم تمكن ذويهم من العمل بأي مهنة ,وبعد أن ساد الفقر
ووصلت البطالة إلى أعلى مستوياتها في قطاع غزة ,حيث أن نسبة البطالة داخل
القطاع زادت عن 85% بمعنى أنها من أعلى نسب البطالة في العالم وذلك نتيجة
للحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على القطاع منذ ما يزيد على الثلاث سنوات
والذي استهدف كافة نواحي الحياة داخل القطاع ,فتأثرت الحياة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والأمنية ,وقد انتشر مؤخرا وبشكل غير
مسبوق ظاهرة بيع الشاي والقهوة في جميع المنتزهات والرمزونات حيث لو حظ بعض
الأطفال يبيعون "القهوة السادة" على رمزونات القطاع تقسيا بزملاء مهنتهم
الشاقة الذين يبيعون أوراق الفاين والعلكة والبسكويت ,ويعتبر رمزون الأزهر
أحد أكبر رمزونات القطاع خير شاهدا على معاناة تلك الأطفال الذين حرموا من
طفولتهم ولم يحرموا من الألم والذل والموت البطئ.
"رمزونات لعينة"
الطفل
محمد جمعة لم يبلغ حتى هذه اللحظة العام العاشر من عمره لاحظت القدس
طوفانه حول السيارات المتوقف على رمزون الأزهر وإلحاحه على جميع سائقي تلك
السيارات كي يدعوه يسكب لهم "القهوة السادة" مقابل شيكل أو نصف شيكل "حسب
حجم الكاسة" ,ولم يكن الطفل محمد يكترث لخطر الموت تحت عجلات تلك السيارات
فحذره ولهفته على بيع أكبر قدر ممكن من "بكرج القهوة" كان
أكبر من خوفه خطر الموت ,كذلك انتظار والده لبعض الشواكل التي سوف يحضرها
كي يوفر "طبخة اليوم" كان يعطيه دافعا كبيرا ,تحديدا بعد أن توقف والده عن
العمل ,فوالده كان عاملا في إسرائيل ولم يكن بحاجة إلى تلك الشواكل ولكن
صعوبة العيش وعدم قدرة والده على العمل دفعته إلى تلك المهنة برفقة أخيه
أحمد الذي اعتاد عليها في حديقة الجندي المجهول منذ ما يزيد عن العام.
أما
حديقة الجندي المجهول فقد اجتاحها العديد من هواة تلك المهنة الذين يترصدون
قدوم أي مواطن كي ينهالوا عليه بما ينوون بيعه ,فما أن يصل أي زائر لذلك
المكان يلتف حوله أكثر من بائع ,هذا المشهد لا يكاد يخفى على أحد فجميع
سكان قطاع غزة تعرضوا له ,ومن الغريب أن البائع لا يقتنع من الوهلة الأولى
عندما تقول له "شكرا لا أريد" بل يلح عليك إلى أن تقبل الشراء منه أو
تنحيته عنك بعنادك وقدرتك على إقناعه بأنك لا تريد "إن تمكنت من ذلك".
بائع حذر
لاحظنا
شابا كثير الإلحاح على الزوار فعندما يرى أي زائر يهب مسرعا نحوه ,ولم
يسلم مراسل القدس من ذلك المشهد ,فما إن وصلنا إلى ذلك المكان التف حولنا
العديد من هؤلاء الباعة ,تمكنا بقدرتنا على الإقناع من إقناعهم بأننا لا
نريد وأننا قد احتسينا القهوة لتونا في المكتب ,إلا ذلك الشاب العنيد لم
يقتنع وأصر على أن يذيقنا "الشاي بالنعناع " بقوله أنه "نظيف وحلو ومتقن في
الصنع" ,بعد فشلنا هذه المرة من إقناعه جعلناه يسكب لنا من ذلك الشاي
الغريب كي نتمكن من إجراء مقابلة معه فنحن جئنا لهذا السبب وليس للسبب الذي
سبقه.
بعد
أن انتهى من سكب الشاي قال أمين الشيخ والألم بدأ يكسو وجهه بشكل تدريجي
:"أنا شاب وعندي الكثير من الطموحات والأهداف التي أرغب بتحقيقها ولكن
الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدا لم تمكنني من تحقيقها في تلك الفترة ,خصوصا
بعد أن أصبحت مصاريف البيت مطلوبة مني شخصيا ,فوالدي ارتقى شهيدا نتيجة
للحصار الإسرائيلي فهو لم يتمكن من مغادرة قطاع غزة للعلاج من مرض السرطان
الذي أم به مؤخرا ,فأحاول تجميع أكبر قدر ممكن من النقود ووضعها في يد
والدتي في آخر كل يوم ,حتى تذهب بها في اليوم الثاني للسوق لشراء كافة
احتياجات البيت ,وشراء طعام لسد رمق إخوتي وأخواتي التسعة".
يتحدث وعينه على الزوار!
كان
محمد يتحدث الينا وهو يتلفت لمراقبة أي زائر جديد وبالفعل قطع حديثه معنا
وذهب ليلح على عائلة جديدة جاءت لزيارة الحديقة ,وعاد
لمتابعة حديثه بعد أن نجح في ذلك وقال وهو ما زال يلتفت :"أشعر بالحرج
الكبير وأنا أقوم بتلك المهنة خصوصا عندما يأتي أحد من أقاربي أو أقارب
والدتي إلى المكان ولكني لا أحاول إظهار ذلك الإحراج كي أتمكن من بيع أكبر
قدر ممكن من الشاي "الزاكي" ,وعندما أتذكر أننا بحاجة ماسة إلى ذلك الدخل
البسيط الذي يعود علينا من ورائها".
وطالب
الشاب محمد برفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وفتح المعابر وإدخال البضائع
ومواد البناء كي يتوفر العمل وتقل البطالة التي وصلت إلى أعلى مستوياتها
,وكي تنتعش الحياة الاقتصادية داخل قطاع غزة بعد الشلل الذي ألم بها نتيجة
للحصار ,حتى يتخلص من تلك المهنة التي يشعر فيها بالإحراج ويمتهن أي مهنة
أخرى تدخل عليه نقودا أكثر حتى وان كانت أكثر مشقة فهو يتقن "البناء
والقصارة".
عمل بدل الدراسة
أما
الطفل خالد رشيد 12 عام لم يختلف حديثه عن سابقيه فقد أكد على أن أوضاع
أسرته الصعبة هي التي جعلته يترك المدرسة ويذهب ليبيع "أكياس المكسرات" على
الرمزونات وعلى مفترقات الطرقات ,وعندما سألناه عن مطالبه قال:" أتمنى أن
أعيش طفولتي كباقي الأطفال الذين يذهبون برفقة ذويهم إلى المنتزهات والى
المطاعم ,وأتمنى أن أرتدي ملابس جديدة وأنام دون أن ييقظني أحد حتى أذهب
للبيع ,وأتمنى أن أتمتع بحقوقي وأشعر بأنني طفل كأطفال العالم ولو للحظة
,بالتأكيد سوف تكون لحظة سعيدة أحلم بها منذ أن أصبحت أذهب لبيع المكسرات".
مفترقات
الطرقات والرمزونات ومداخل الشوارع وأبواب الأسواق شاهدة على مقتل البراءة
والطفولة وشاهدة على الظلم الذي يقع بحق أطفال وشباب قطاع غزة ,فأطفال
القطاع لا يطالبون سوى بأن يعيشوا لحظات طفولية هي من حقهم ,فكافة الشرائع
السماوية وقوانين حقوق الإنسان كفلت لهم حق التمتع بطفولتهم البريئة ,وعدم
قتلها منذ اللحظات الأولى لمهدها ,أما شباب القطاع فقد تمثلت مطالبهم في
فتح المعابر وتوفير فرص عمل تمكنهم من تحقيق أحلامهم والعيش بكرامة كما نص
القانون العالمي لحقوق الإنسان ,وأن يتمكنوا من تكوين مستقبلهم والزواج
وتكوين أسرة فلسطينية تعيش بسعادة كباقي أسر العالم ,بدلا من دفن شبابهم
على الرمزونات اللعينة.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/