أنا مش كافر
بقلم:
حازم بعلوشة
يروى في
قديم الزمان أن جحا خرج ذات يوم إلى السوق فوجد السوق مزدحماً بالناس
فتضايق من الزحمة، فأراد أن يتخلص منها، وبعد تفكير لم يدم طويلا، أخذ
ينادي "أيها الناس، الوالي يقيم مأدبة غداء، والجميع مدعوون لها، فلا
تفوتكم"، فترك الناس ما في أيديهم وذهبوا إلى منزل الوالي لكي يتناولوا
الغداء المزعوم فضحك جحا من تصديق الناس لكذبته. لكن بعد دقائق حدّث جحا
نفسه قائلاً: هل يعقل أن يُصدق كل هؤلاء الناس ما قلته، فلعل هناك وليمة في
بيت الوالي فعلاً، ثم أسرع جحا إلى منزل الوالي لكي يتناول الغداء
المزعوم.
وينطبق
حال جحا هنا على ما تمارسه وسائل الإعلام الفلسطينية من كذبات كبيرة، في كل
المجالات، وتكذب الكذبة وبعد فترة وجيزة تصدقها، وتتمادى في غيها، وتبدأ
في كتابة التقارير والتحليلات والمقالات بناء على الكذبة الأولى دون مراعاة
لأي أصول مهنية أو موضوعية.
وبالرغم
من أن الصحافة بنيت على أساس أنها السلطة الرابعة التي تراقب السلطات
الثلاث الأخرى، من تنفيذية وتشريعية وقضائية، لتكون عين المواطن على كل
السلطات، دون إصدار أية أحكام مسبقة كون هناك سلطات مختصة في إصدار الأحكام
وبعدها يكون للصحافة في نشر ما تصدره السلطات الثلاث فقط.
ولكن ما
تمارسه الصحافة الفلسطينية في أيامنا هذه، لاسيما بعد الانقسام السياسي
الحاصل في الأراضي الفلسطينية، بات يفوق كل تصور، من تدليس وكذب وتلفيق،
وإصدار أحكام مسبقة، دون أي أساس مهني أو قانوني، وذلك فقط من اجل مكاسب
سياسية تجنيها وسائل الإعلام التابعة للأحزاب التي تمولها وتدعمها أو تنتمي
إليها.
ومن
عيوب الصحافة الحديثة – أحياناً- وفي الصحافة الفلسطينية على وجه الخصوص،
انتشار الصحافة الإلكترونية، التي لا يعرف أصولها الكثير من الصحفيين
الفلسطينيين، ويستغلها بقصد حيناً وغباء حيناً آخر، القائمون على تلك
المواقع الالكترونية من خلال نشر أخبار على وجه السرعة، لعلهم يحققون سبقاً
صحفياً، ولم يترامى لمسامعهم يوماً المقولة الشهيرة في عالم الصحافة" to be second and right better than first and wrong".
تعامل
وسائل الإعلام الفلسطينية بمختلف أشكالها وألوانها بردود الأفعال يفقد
الكثير من وسائل الإعلام تلك ثقة الجمهور، والتي يفترض بالأساس أن يكون
المبتغى الأول لها كسب الثقة، لتحقيق أكبر عدد ممكن من القراء أو المستمعين
أو المشاهدين، ولا تدري بأن ما تمارسه من نشر لكل خبر من هنا أو هناك، دون
مراعاة الأصول المهنية فيه، يبعد الجمهور عنها يوماً بعد يوم، وأنها لا
تعكس في أخبارها وما تنشره سوى رؤيتها القاصرة.
ما يفسر
هذا الكم الكبير من وسائل الإعلام المختلفة في الأراضي الفلسطينية، ليس له
علاقة بالوضع الصحي للمجتمعات التي تتقبل التنوع والنمو الطبيعي للتغييرات
المجتمعية وتطورها، وإنما لإدراك الفصائل السياسية الفلسطينية بأنها بحاجه
لوسيلة مباشرة مع الجمهور تختلف عن الوسائل القديمة، لنشر أفكارها
وقناعتها، ولكن هناك فهم خاطئ، حيث أن الأخبار التي تحمل مضامين حزبية لا
يقرأها إلا من ينتمون إلى الحزب، وكأنها وسيلة إعلام خاصة بهذا الحزب أو
ذلك، ولم ترتق الأحزاب بأفكارها إلى مستوى الذكاء الكاف، في تعاطيها مع
وسائل الإعلام، بأن الطرق غير المباشرة أنجع من أجل نشر ثقافتها.
كل
متابع لحال الشارع الفلسطيني ويستمع لأحاديث الناس الجانبية سواء في سيارات
الأجرة أو في الأماكن العامة، يصل لمستوى اليقين بأن الناس قد سأمت كل
الأحزاب وكل الفصائل، وكل الشعارات التي تتقاذفها يوماً بعد يوم، بنفس
الطريقة ونفس الأسلوب، دون أي تجديد أو تغيير.
الشارع
الفلسطيني بات ناقماً على كل الشعارات، وكل الأقوال، وما يزال ينتظر
الأفعال، والتي تأثر على حياته اليومية، وأصبح يعاني الظلم والأمرين نتيجة
الممارسات والأفعال والسياسات التي تنبع من مصالح حزبية وليس وطنية، وقد
كفر بكل المبادئ التي تنادي بها فصائل الشعب الفلسطيني بألوانها المتعددة.
ويحضرني
بتصرف في هذا المقام ما قاله زياد الرحباني في إحدى أغانيه الشهيرة ،
والذي يعكس لسان حال الشارع الفلسطيني، أنا مش كافر، لكن الإعلام كافر،
والفصائل كافرة..والظلم كافر.. يلي بصلي الأحد ويلي بصلي الجمعة وقاعد يفلح
فينا على طول الجمعة.. أنا مش كافر.. بس البلد كافر، أنا مقبور ببيتي ومش
قادر هاجر..وإذا بكفر بتقول لي كافر.. عم بتحطها فيا، كونك أنت شيخ
الكافرين..أنا مش كافر..
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/