[b][font=Arial Black]بقلم: م.علي أبو شـهلا - رجل أعمال
بعد أن استطاعت الرأسمالية العالمية القضاء على النظام السوفييتي الاشتراكي في العام 1993 على يد الرئيس غورباتشوف صاحب نظرية البرسترويكا ...بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتفكير في النظام العالمي الجديد الذي تريد من خلاله أن تكون الإمبراطورية العظمى و المطلقة و تمنع قيام أي أقطاب دولية جديدة ...بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سواء كان هذا القطب أوروبا أو الصين .
في العام 1994 و بعد عام واحد من انهيار الاتحاد السوفييتي كانت هناك قمة مراكش التي أعلنت قيام منظمة التجارة الدولية و التي حضرها 76 دولة و قد تربعت على عرش هذه المنظمة الولايات المتحدة الأمريكية و ساهمت يشكل فعال و ربما أوحد في وضع القوانين و المحددات و شروط العضوية للمنظمة الجديدة التي حلت محل 'نظام الاتفاقية العامة للتعريفات و التجارة ' الجات ' .. التي تأسست 1947 و التي تم منحها شهادة الوفاة بعد الإعلان عن المنظمة الجديدة .
مع تأسيس منظمة التجارة العالمية ًWTO فتحت العولمة أبوابها و أذرعها لمن أراد أن يحذو حذو الرأسمالية العالمية المفتوحة و المشرعة الأبواب ..و هكذا تهافت الجميع و بدأ ينصاع لزعيم العالم الجديد ...و ينضم لهذه المنظمة ضمن الشروط التي حددها هذا الزعيم حماية لمصالحه ...و إمبراطوريته الجديدة.
فتح الحدود و منع ازدواجية الضرائب و الجمارك ..كلها أهداف مزخرفة يرغب بها الجميع لتامين أسواق لمنتجاته و سلعه..بالرغم من أن نتائج هذا الانفتاح كان مدمرا للأنظمة المالية الصغيرة و الدول الفقيرة !
الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة و أوروبا بدأت تغزو أسواق العالم ..حتى المنتجات الزراعية المدعومة سرا في الدول الكبرى بدأت تنافس المنتجات الزراعية المحلية للدول الفقيرة .
استطاعت الولايات المتحدة أن تهيمن على التجارة العالمية منذ بدء إنشاء منظمة التجارة العالمية و حتى العام 2001 عندما بدأت حربها ضد القاعدة , التي قامت تدمير برجي منظمة التجارة العالمية ...و التي كانت فأل سيء على الولايات المتحدة ومنظمة التجارة العالمية معا.
بدأت أمريكا بعد ذلك حربا على أفغانستان ...تلتها حرب ضد العراق...كلفتها آلاف المليارات من الدولارات ... و بدأت أمريكا تحس بطعم العجز المالي لأول مرة في تاريخها المعاصر( حوالي 455 مليار دولار للعام الحالي وبزيادة حوالي 162 مليار دولار عن العام الماضي ( وول ستريت جورنال -15/10/2008) , ومن المتوقع أن يبلغ هذا العجز أكثر من 700 مليار دولار في العام القادم ) هذا بالرغم من استمرار مطابعها في طباعة الدولارات الجديدة بكميات كبيرة لا رقيب لأحد عليها مع ازدياد كلفة الحربين في أفغانستان و العراق , فعلى سبيل المثال تقوم امريكا بدفع فاتورة الحرب في العراق الآن بمعدل يبلغ 10 مليار دولار شهريا في حين أن هناك فائض مالي لدى الحكومة العراقية بلغ 80 مليار دولار في العام الماضي .
بدأ التآكل من داخل امريكا ..حيث بدأت انظمة الإقراض العقاري..و البنوك التي تمول العقارات والأعمال التجارية والصناعية والخدماتية وشركات التأمين الامريكية بالتهاوي .. و بدأت بالإعلان عن إفلاسها .. وكانت البداية مع بنك ليمان بروذرزLehman Brothers الذي تأسس قبل 158 عاما و الذي أعلن افلاسه ولحقت به كبرى شركات التأمين العالمية AIG (كانت الشركة تضمن قروض المواطنين لدى البنوك , كما أن الأعاصير التي ضربت أمريكا مؤخرا ساهمت في افلاسها ) وهذا هدد مئات الألوف من الأمريكيين والاوروبيين والعديد من مواطني العالم ممن يشاركون في النظام المالي الراسمالي الحر بالدمار التام.
بدأ موضوع الرهن العقاري يبرز بشكل واضح وخطير منذ يوليو الماضي , عندما بدأ يتأخر المقترضون عن السداد لقروض السكن الخاصة بهم نظرا لزيادة الفائدة على القروض التي أدت الى تصبح قيمة العقار بعد تسديد لأثمانه وفوائده أكبر من قيمته الحقيقية , وهكذا تكدست الأصول العقارية لدى البنك الذي حاول بيعها وتسويقها لبنوك وشركات أخرى , الا أن القيمة الحقيقية لتلك العقارات لم تتوافق مع القيمة الدفترية لها وفي بعض الحالات كانت القيمة الحقيقية للعقارات التي استولى عليها البنك تساوي 50% فقط من قيمتها في سجلات البنك . ولم يكن بنك ليمان بروذرز هو الوحيد ...بل كان هناك بنوك أخرى تورطت في هذه القضية ,وكانت ادارة البنك تحاول دحض الاشاعات حول قرب الاعلان عن افلاس البنك كما أن مدير البنك Mr. Richard S. Fuld حاول أن يقترض من الخزانة الامريكية التي رفضت طلبه , الى أن تفجرت الأزمة في أواسط سبتمبر الماضي باعلان بنك ليمان بروذرز افلاسه , وبيعه لبنك باركليز البريطاني , عندها بدأت أمريكا تشعر بهزة مالية لم تشهدها منذ الهزة الكبرى ما بين الأعوام 1929-1933 من القرن الماضي عندما خسر الاقتصاد الامريكي حينذاك ما يقارب 25% من الدخل القومي الامريكي .ولربما يخسر الاقتصاد الامريكي والعالمي نتيجة لهذه الهزة الكثير في حال استمرار الكساد والركود التجاري خلال العام القادم والأعوام الأخرى .
صناديق التقاعد الامريكية التي كانت تودع أموالها في البنوك على شكل أسهم وسندات لم تسلم من هذه الهزة وخسرت مايقارب 200 مليار دولار .
و نظرا لارتباط العالم الجديد و النظام الجديد بأمريكا و نظامها الرأسمالي الإمبراطوري بدا الجميع يتهاوى خلفها ..و كما حذا حذوها في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية والنظام الرأسمالي الحر ...بدا يحذو حذوها في الانهيار مما دفع ببعض الدول الأوروبية إلى العودة للنظام الاشتراكي من خلال تأميم البنوك و المصارف و شركات التأمين بعد انهيار مجموعة من البنوك الكبيرة و معها اكبر شركة تامين في العالم (AIG) والتي قامت الحكومة الامريكية بتحويل مبلغ أولي لها بقيمة 85 مليار دولار , أتبعها البنك المركزي الامريكي بمبلغ 37 مليار دولار أخرى ..حماية للمواطن الأمريكي ...كما أفلست شركات كبرى أخرى مثل : شركة وورلد كوم للاتصالات , وشركة Enron , وشركة زيروكس وغيرها من شركات الائتمان المالي وهذا يخالف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المالية الرأسمالية ذات وخاصة فيما يتعلق بعدم التدخل في نظام المصارف ضمن النظام المالي الحر الجديد المتبع في الولايات المتحدة والغرب , كما قامت برفع قيمة ضمانات القروض من 100ألف دولار الى 250 ألف دولار لطمأنة المقترضين الامريكيين .
ان عملية دعم البنوك الكبرى في الولايات المتحدة , وتأميم بعض البنوك في بعض الدول الأوروبية يتناقض مع سياسة السوق الحرة والنظام المالي والرأسمالي , علما بأن السويد كانت قد أقدمت على تأميم كافة البنوك الوطنية في العام 1992 عندما شهدت هزة مالية كادت أن تودي باقتصادها الى الهاوية .
فهل مايحدث حاليا من عمليات الدعم والتأميم يشكل بداية لنظام مالي عالمي جديد يتم فيه التزاوج بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي الذي تم محاربته بلا هوادة من قبل الأنظمة الرأسمالية العالمية , والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية !
لقد رصدت أمريكا مبلغ 700 مليار لدعم البنوك و المصارف و شركات التامين حيث قامت بشراء ديون المواطنين من البنوك التي أفلست ..و أخذت معها كل ودائع المواطنين الأمريكيين الذين فقدوا بيوتهم و مدخراتهم و مازالوا مدينين لهذه البنوك ..كما أن أوروبا قامت برصد 120 مليار يورو لدعم مصارفها المهددة بالانهيار ..و قامت بريطانيا برصد 250 مليار جنيه إسترليني لنفس الغرض بعد انهيار عدة بنوك بريطانية . كما أوعزت الحكومات الاوروبية لبنوكها برفع قيمة الضمان للودائع الى 500,000 يورو لطمأنة المواطنين ...حتى أن بعض حكومات الدول الأوروبية (ايرلندا و اليونان) أعلنت بشكل فردي ضمان حقوق المواطنين في البنوك العاملة على أراضيها وبدأت دول أوروبية أخرى تحذو حذوها و لدرجة أن الحكومة الاسترالية أعلنت عن ضمان الودائع في بنوكها الوطنية لمدة 3 سنوات ! كما قامت بوضع مبلغ 7 مليار دولار تحت تصرف البنوك الوطنية لاقراضها عند اللزوم خوفا من انهيارها !
بتاريخ 14/10/2008 أعلن الرئيس الامريكي عن الافراج عن 250مليار دولار من المبلغ الذي تم رصده لهذا الغرض , لدعم 9 بنوك امريكية مهددة بالافلاس عن طريق شراء أسهم هذه البنوك الوطنية ....نافيا أن تمثل هذه الخطوة عملية تأميم جزئي لهذه البنوك , الا أن هذه العملية جاءت من اجل اعادة ثقة المواطنين ببنوكهم الوطنية !, والتشجيع على عمليات البيع والشراء ومنح الشركات والمواطنين القروض والاعتمادات, ولكن على أسس وضوابط غير السابقة .
كانت اليابان وخلال الأزمة التي بدأت في منتصف شهر سبتمبر 2008 تضخ يوميا من 10-15 مليار دولار في البورصة والسوق اليابانية من أجل تأمين السيولة النقدية ومنع انهيار البورصة هناك .
وبدأت كافة الدول تضخ مليارات الدولارات يوميا لتأمين السيولة النقدية لتطمئن مواطنيها وتضمن ودائعهم ومدخراتهم وأعمالهم البنكية في البنوك الوطنية , كما جاء في قرار حكومة دولة الامارات العربية ومصر , علما بأن دولة الامارات العربية كانت قد ضخت مبلغ 19 بليون دولار في البنوك الوطنية لمساعدتها , واعادة ثقة المواطن في البنوك الوطنية .
في يوم واحد 8/10/2008 كان هناك انهيار في أغلبية أسواق المال العالمية بلا استثناء ،ولأول مرة منذ 21 عاما يشهد سوق المال الياباني هبوطا وصل إلى حوالي 10% يقابله انخفاض في الخليج العربي بمعدلات من 1,5 – 10 % (الكويت 1,5 %- السعودية 8% - دبي 10% - قطر 9% - مسقط 7%)و انخفاض في سوق المال المصري بنسبة 16,5% و في الصين حوالي 6% و استراليا 4% - هونج كونج 8% - سيئول 5% - سنغافورة 8%..في اسرائيل بعد افتتاح البورصة في 12/10/2008 تم تسجيل خسائر كبيرة أدت الى ايقاف التعامل لمدة 45 دقيقة وسجلت أسهم الشركات الكبرى وصناديق الائتمان والاستثمار والبنوك انخفاض تراوح بين 5-12% . بلغت خسائر البورصة الاسرائيلية حتى نهاية التعامل ليوم الأحد 12/10/2008 حوالي 100 مليار دولار, الا أنها شهدت بعض الارتفاع عند التعامل في اليوم التالي وأقفلت على ارتفاع قبل الاغلاق بمناسبة الاعياد اليهودية .
في روسيا أغلقت البورصتان العاملتان هناك تماما خوفا من النتائج المتوقعة , الا أنها شهدت انخفاضا عند بدء التعامل في 13/10/2008 ... كما أن النمسا قامت بتعليق العمل في البورصة بعد انخفاض 10%....... وهكذا بدأت عملية انهيار النظام الرأسمالي الجديد ...و استمر ذلك الانخفاض في أسعار الأسهم بالرغم من ظهور تحسن بسيط في بعضها تلاه هبوط وتذبذب بين الهبوط والصعود البسيط والحذر .
لقد كانت ايسلندة أكثر الدول الأوروبية تضررا في هذه الأزمة ..فقد بلغت خسائر البورصة بها حوالي 80% , مع الأخذ بعين الاعتبار أن قيمة عملتها انخفضت بنسبة 20% , حيث أن انتاجها القومي يقدر بحوالي 20 مليار دولار في حين بلغت ديونها الخارجية حوالي 100 مليار دولار , وهذا أدى الى عدم تجاوب البنك الدولي مع هذه الدولة لمنحها قروض اضافية تساعدها على الخروج من الأزمة,مما أدى الى توجهها الى الدولة المجاورة روسيا بطلب قرض بقيمة 4.5 مليار دولار .
لم تسلم أي دولة أو نظام مالي في العالم مما حدث و هذا ظهر واضحا لدينا بعد هبوط اسعار الأسهم في البورصة الفلسطينية بشكل واضح .. و انخفاض أسهم بعض الشركات و البنوك بنسب تراوحت بين 10 % و15% حتى الآن , وهذا ربما سيؤثر على مدخرات المواطنين الفلسطينيين و يهدد ودائعهم لدى البنوك العاملة في فلسطين و التي تتراوح بين 5-7 مليار دولار , غالبيتها أودعتها البنوك المحلية لدى البنوك العربية والامريكية والاوروبية في الخارج , كما أنه من المتوقع أن يتقلص الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية من الدول المانحة والولايات المتحدة الأمريكية .
لقد بلغت قيمة الخسارة العالمية من جراء تهاوي أسعار الأسهم والسندات لهذه الهزة حتى 10/10/2008 حوالي 25 تريليون دولار , وهو مايعادل حوالي 50% من اجمالي الناتج القومي للعالم بأسره والذي يبلغ حوالي 48 تريليون دولار .
كافة المحللين يرون أن الآتي هو الأسوأ من حيث الكساد التجاري والركود الذي سيعم العالم خلال الفترة القادمة وأول من سيتأثر به هي الدول الصناعية الكبرى , وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ..حيث بدأت الشركات العالمية الكبرى بالاندماج (مثل جنرال موتورز وكرايزلر الامريكيتين ) أو في تسريح عشرات الآلاف من العمال نظرا لقلة الطلب على منتجاتها التي بدأت بالتراجع بنسب وصلت الى 15% كما حدث مع شركة VOLVO السويدية وBMW الالمانية وتويوتا اليابانية ...و حتى البترول لم يسلم من الانخفاض ووصل إلى حد يهدد مصير ومستقبل المشاريع التطويرية للدول المنتجة له كنتيجة مباشرة لانخفاض السيولة النقدية الناتجة عن الأزمة المالية الحالية ولمحاولة معظم الدول المستهلكة تقنين الكميات المستوردة من البترول لضمان توجيه جزء كبير من السيولة النقدية لأسواقها !!
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/