فيلم آفاتار "قوة أصحاب الحق وإبداع
المقاومة"
هيفاء أسعد
على مدار ما يقارب الثلاث ساعات تسحبك حبكة
فيلم "آفاتار" لتكون مشاهداً وشاهداً لرزمة من إشارات ورسائل، لشعب يعيش في
كوكب وزمان لربما كانا أو لم يكونا، معبرة عن عمق الإبداع واصحابه ممن
ينتشرون بهذا العالم والذين شيئاً فشيئاً تضيق بهم الأرض بما يعبث بها
وبسكانها من قبل قوى الاستغلال والاحتلال بما لها من سيطرة على موارد القوة
والنفوذ والتكنولوجيا العالمية. "آفاتار" الذي جهد المخرج ليحملنا معه في
رحلة تهاب الخوض فيها بمدتها الزمنية، ولا تعرف كيف يرحل الوقت وانت تراقب
لحظات نهايتها مع اختتام الفيلم. رحلة تأخذك الى كوكب قد يكون خيالاً
ولكنه، اي ذلك "الآفاتار" يجسد، بالرمزية التي تكتظ فيه روعة الطبيعة
بتنوعها وجمالها وتوازنها وانتصارها لجمالها ولأصحاب الحق.
ينتشلك ابداع السينما، في "افاتار"، من
قسوة الواقع وحقيقته ويلقي بك في احضان الإبداع السينمائي لعمل يتكامل
بالنص والإخراج والتصوير والتمثيل وال.... وكل ما يمكن ان يلزم لتفتح فمك
منشدهاً مسحوراً وراضياً عن ما يمكن ان يقدم لذلك الـ "كاميرون" مخرج
الفيلم من جوائز اوسكارية او اية تقديرات من انواع اخرى. فبعيداً عما يمكن
ان يسمى خيال ورومانسية ومبالغة، وتجاوزا لكل التفسيرات والتحليلات التي قد
نختلف عليها بحكم ما نتفاوت فيه من احساس وتواصل مع الحياة بمكوناتها وعلى
اختلاف مكوناتنا الشخصية وخلفياتنا ومرجعياتنا. وتغاضياً عن اختلافاتنا
حول شؤون الثقافة والسياسة والاقتصاد، حول رؤيتنا لما يجب ان نتبنى من خط
لمقاومة المحتل او من يجب ان يقرر فيها ومن يقودها ومن هم وقودها. حول
موقفنا من اميركا ومن المفاوضات ومن قضايا المرأة ومن الكفاح المسلح ومن
الحل السلمي ومن اليمين واليسار ومن الرأسمالية والاشتراكية ومن صواريخ غزة
وانفاقها. تغاضياً وتجاوزاً وبعيداً عن كل ما نتفق عليه ونختلف فيه، فإن
فيلم "آفاتار" يقول شيئاً لنا نحن الفلسطينيين كأهل مقاومة وكأصحاب حق.
واحدة من تلك الرسائل هي تلك التي تشير
الى قناعاتنا الحقيقية والمترسخة بداخلنا وتدير توجهاتنا في الحياة، مدركين
لها أو غير مدركين لربما، وهي التي بالضرورة تحدد خطابنا افرادا وشعبا
وقيادة بمحتوياتها السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية منه. ان رؤيتنا
وتقديرنا لأنفسنا ولقوتنا ضمن صراع الحق الذي نعيش مع المحتل ورؤية حقيقة
ذلك المحتل ضمن مقاييس انتمائه لثقافة الغرب المنتصرة ورؤية انفسنا
بالمقابل كجزء من ثقافة مهزومة، تلك الرؤية التي لن تؤسس الا للهزيمة خطابا
ومعركة من جهة، ولإحساس بالدونية ليس فقط على الصعيد السياسي بل وعلى كل
الأصعدة من جهة اخرى. ان الإيمان بقوتنا لكوننا اصحاب حق وبزييف قوة
الاحتلال وخطاباته على انواعها بالضرورة سيؤسس لخطاب فلسطيني واثق وواضح
وقوي، على منابر السياسة والاقتصاد والثقافة كذلك.
ورسالة اخرى يرسلها لنا المخرج عبر فيلمه
المليء بالرسائل والمؤشرات، هي الإبداع الذي ما بعده ابداع في ما يمكن ان
ينتجه الإصرار على الانتصار من ابداعات في المقاومة ومحاربة المحتل، فلا
استثناءات في معارك الشعوب للتحرر ولا حدود لما يمكن ان يستحضر من قوة
وطاقات لتلك الشعوب اذا ما قررت التصدي وآمنت بالتحدي، قناعة وثقة بخطاب
للمقاومة يمجد رموزها ولا يقبل عدم اعطائها حقها في ذلك التمجيد والتخليد.
إن "آفاتار" واحد من الإنتاجات التي تتحدث
عن معايير ومقاييس "لثقافة تنتصر" لا علاقة لها بما يندرج في قواميس
السياسة والسوق من مقاييس، والتي تتحكم بوقتنا وبعالمنا. ثقافة تنتصر بما
ترتكز عليه من الثقة بالحق وبأصحابه وبقدرتهم على الانتصار حتى وهم لم
يملكوا لا السلاح ولا الحليف القوي ضمن توازن قوى ما كانت مؤشراته الا
لتروج لهزيمتهم كشعب ضعيف بدون اسلحة او تكنولوجيا. ثقافة تؤسس لأهمية
التكاتف والوحدة لشعب تتنوع عناصر وموارد قوته. تلك الثقافة التي تؤسس
لخطاب ثقة وقوة بالمطالبة وبالرواية، ليس فقط للعالم بل لأطفالنا الذين
نعدهم للمستقبل.
وفي نفس الفيلم، وفي ترويج لنفس الثقافة المنتصرة،
يتجلى الاستحضار لكل ما يمكن من ابداعات وطاقات وطنية او صديقة لتعطي
دروساً في المقاومة لا علاقة لها لا بالتكنولوجيا ولا حتى بأي من انواع
الأسلحة المتداولة.
ان ذلك الفيلم هو جزء من مساهمات عديدة هي
لصالحنا كفلسطينيين والتي تأتي، عن قصد او بغير قصد، ضمن اعمال عالمية
ابداعية تحاكي ثقافة تختلف في مقاييسها وعناوينها عن تلك التي اعتدناها في
وسائل الإعلام الغربية. تلك الثقافة التي يكون من المهم لنا كفلسطينيين ان
نتجاوب معها رسمياً او كحركات ثقافية ومجتمعية.
فعبر الإنترنت والفضائيات والرسائل التي
تصلنا وتصل العالم بنا، نشاهد العديد من الأعمال والمواقف والإنتاجات التي
قد تدعم قضيتنا الفلسطينية بالتحديد، او تدعم ثقافة لها مقاييسها وقيمها
الإنسانية والتي تدافع وتناصر المظلومين والحق واصحاب الحق من ناحية،
وتهاجم الاحتلال والاستغلال وتتصدى للظلم وللظالمين من ناحية اخرى. ان
ثقافة كتلك بقيمها ورموزها وعناصرها هي التي نجدها في الجامعات الأوروبية،
وفي وسائل الإعلام على انواعها، وفي صالات الفنون على انتشارها في العالم.
تلك الثقافة بما تحمل من قيم وتوجهات تشبهنا ونشبهها، هي الوجه الحقيقي
لثقافة انسانية عناوينها الإنسان ومصالحه، ولربما حقيقة هي ما يجب ان نقتنع
به "كثقافة منتصرة" على المدى البعيد، على الرغم من ان من يقف وراءها لا
يملك النفوذ او السلطة ضمن المقاييس السائدة هناك في دول العالم او هنا في
فلسطين.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/