من حكايات التراث الشعبي الفلسطيني
حكاية : بنت الملك
على لسان الآباء والأجداد
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل –
tahsen-aboase@hotmail.com
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
تزوج
رجل تقي نقي وإن دوَّرت ( بحثت ) فيه العيب لا تلتقي (لا تجد ) – جملة
تُردد كثيرا في تراثنا – من امرأة صالحة وأنجب منها طفلا ، واعتنى الأبوان
بالطفل اعتناءً كبيراً حتى صار شاباً يافعاً فتياً ، بدأ الشاب بالانحراف
تدريجيا ، وفي ليلة من الليالي دخل على أهله ثملاً من كثرة شُرب الخمر ،
غضب والده منه غضباً شديداً من بعد أن يئس من تربيته وإصلاحه فطرده من
البيت ، وطلب منه ألا يعود إليه ثانية ، ولكن الشاب رفض أن يخرج من البيت
، فكيف يخرج وقد أرخت الدنيا بظلامها الدامس وهو لا يملك من المال شيئاً
!! .
تشاجر
الأب مع ابنه شجاراً حاداً ، ولم يرحم الشاب والده ، فقام بلطمه على عينة
لطمة قوية فقأت عينه ، فأقسم والده على أن يقطع يد ابنه التي امتدت عليه
في الصباح أو أن يغادر البيت فوراً .
بكت الأم بكاءً شديداً واحتارت بين زوجها وابنها ، فأعطت ابنها ( 100 جنيه ) وطلبت منه الخروج من البيت حتى تهدأ الأمور .
سافر
الشاب إلى بلد بعيد ، وفي أول المدينة رأى متجراً كبيراً ممتلئاً بالبضاعة
و بداخله كثير من العمال ، وكانت تبدو على المتجر حركة البيع والشراء
واضحة كل الوضوح .
طلب
الشاب من صاحب المتجر أن يعمل عنده ، ورأي صاحب المصنع الشاب غريباً
وقلقاً حزيناً ، من بعد أن كتب الهم والحزن على وجهه سطورا ... فوافق صاحب
المتجر على العمل عنده رحمة به ، وعندما علم بقصته عطف عليه واتخذ منه
ولداً له .
طلب
الشاب من صاحب المتجر أن يدَّخر له ما بقي معه من مال ( 50 جنيهاً ) ، فهو
لا يحتاج إلى المال عند هذا التاجر الصالح ، فكان يأكل ويشرب وينام عنده ،
كما كان يدخر له أجره .
كان
في المدينة ملك له هيبة وقوة وسلطان ، وفي يوم من الأيام غضب على ابنته
غضباً شديداً وأمر وزيره بأن يبيعها جارية في سوق العبيد عقاباً لها ، وأوصاه بعدم يبيعها إلاّ بموافقتها هي وليس رغماً عنها ، وألاّ يعود إلى القصر إلا بعد بيعها .
خرج
الوزير متخفياً ووقف بسوق الجواري والعبيد لكي يبيع بنت الملك ، ولم يعرف
أحد أن البنت هي بنت ملك البلاد ، فجاءه الأعرج والأعمى والأطرش والفقير
والمريض والطويل والقصير ، والنحيف والبدين لعل أحدهم يشتريها ، لكنها
كانت ترفض كل من يحاول شرائها .
اقترب
الليل ولم يتمكن الوزير من بيعها ، فرأت بنت الملك من بعيد ذلك الشاب
جالساً على باب متجره الكبير، وطلبت منه أن يذهب إليه ويعرضها عليه لعله
يشتريها ، سار الوزير وبرفقته بنت الملك إلى الشاب وقال له : ما رأيك أن
تشتري هذه الجارية بثلاثمائة جنيه ؟ .
قال
الشاب أنا غريب بلاد ولا أملك من المال إلا القليل ( 50 جنيهاً ) ادخرتهم
مع صاحب المتجر ، واستمر الوزير بحث الشاب على شراء الجارية حتى أقنعه ،
كما تمكنت بنت الملك من إقناعه ، ذهب الشاب إلى التاجر الذي علّمه الأمانة
والاستقامة وحسن الخلق ، حتى صار محط أنظار سكان المدينة ومضرباً للمثل في
تقوى الله والعمل الصالح ، وطلب من التاجر ثلاثمائة جنيهاً ثمن الجارية ،
حاول التاجر أن يثنيه عن رغبته لكنه لم يفلح ؛ فدفع التاجر المبلغ للشاب ،
واشترى الشاب الجارية ( بنت الملك ) ، وكان في نية الشاب أن يستمتع بها
كجارية مدة من الزمن ، ثم يبيعها فيربح ضعف المال الذي دفعه ثمناً لشرائها
.
ترك
الشاب المتجر مودعاً صاحبه الذي كان له الفضل بعد الله عز وجل في استقامته
وتربيته ، وذهب بالجارية إلى مكان آخر ، وهناك حكت الجارية قصتها للشاب
وأخبرته أنها بنت ملك البلاد وصاحبة العز والمال والنفوذ في قصر والدها ،
وعندما سمع حكايتها تفاجأ بالموقف الذي لم يخطر على باله مطلقاً ، كما حكى
هو أيضاً حكايته لها كاملة ، وعزم الشاب والجارية أن يشقا حياتهما بجد
واجتهاد من نقطة الصفر ، وتزوجا على سنة الله ورسوله ، لعله ينجب منها
الذرية الصالحة .
لم يملك الشاب من المال شيئا لكي يعينه على أمور الحياة ، وكانت بنت الملك لا تملك أكثر من ثلاثين جنيهاً .
أعطت
بنت الملك المبلغ كاملا للشاب وقالت له : ( 10 جنيهات ) طعام ، و ( 10
جنيهات ) آنية لطهي الطعام وللأثاث المنزلي ، و ( 10 جنيهات ) لشراء
الحرير ، وأوصته بأن يذهب إلى السوق ويشتري من الحرير سبعة ألوان .
أحضر
الشاب الحرير إلى زوجته بألوانه السبع ، وصنعت زوجته من الحرير زُناراً ،
وطلبت من زوجها أن يبيعه بثلاثين جنيهاً ، واستمرت على هذا الحال شهورا
حتى ادّخرت وزوجها مبلغا جيدا من المال .
في يوم من الأيام قالت له : لقد رأيت رؤية في نومي أن أبي يبحث عني ، وأوصته أن يأخذ حذره .
بعد
أيام قلائل ، حضر الوزير إلى المدينة باحثاً عن بنت الملك بأمر من الملك
نفسه ومعه حاشية كبيرة ، وعندما شاهد الزنانير المصنوعة من الحرير عرف
أنها من صنعها وحياكتها فقد كانت تصنع مثلها من قبل ( في قصر والدها الملك
) ، فاستمر في البحث عنها حتى اهتدى إليها ، تخفى الوزير بلباس تاجر بسيط
وذهب إلى الشاب عارضاً عليه مبلغاً كبيرا مغرياً من أجل شراء زوجته ، لكن
الشاب رفض وأصرّ على رفضه ، فأرسل إليه من يخطفها بالقوة ولو من بين يديه
، وكان للوزير ما أراد .
بدأ
الشاب البحث عن زوجته في كل مكان حتى اهتدى إلى مكانها ، وعزم على خطفها
والهروب بها ، وعندما دخل المدينة ، علم السكان أنه شاب غريب حضر إلى
المملكة لأمر مُريب ؛ فأخبروا الملك بقدومه وأمر الملك بسجنه
، وفي السجن أحبه السجانون والسجناء وبدأ يتقرب إلى السجانين حتى أطلقوا
صراحه بأمر من الملك الذي علم فيما بعد بأن الشاب جاء ليبحث عن عمل ليس
إلا .
بعد أن خرج الشاب من السجن ، تظاهر بأنه يدين بديانة تلك البلاد ، فعمل في معبد لهم
، و استطاع يوماً بعد يوم أن يتقن دور التمويه بذكاء منقطع النظير، حتى
صار كاهناً يعلم الناس أمور عبادتهم ودينهم ، وأحبه الناس وصار مكان ثقة
عند الجميع ....ونتيجة لاحترام ومحبة الناس له ؛ طلب من زوار المعبد أن
يوصلوا لبنت الملك رسالة سرية بأمر من الإله يطلب فيها الحضور إلى المعبد
....
تمكن زوار المعبد من توصيل الرسالة ، ولكن بنت الملك لم تر من قبل هذا الكاهن الذي سمعت كثيراً عن حسن أخلاقه وسرته العطرة ، وعندما
حضرت إلى المعبد ونظرت إليه عرفته وعرفها ، وأسرّ لها بضرورة الهروب ،
وطلبت منه التريث قليلاً حتى تضع الخطة المناسبة التي تمكنها من الهروب
معه بأمان .
وبعد أيام تمكنت من تهريب زوجها ، وارتديا لباس الوزراء ، وأمرت بتجهيز سفينة كبيرة محملة ببضاعة نفيسة بالإضافة إلى عدد كبير من الخيول والجمال .... وهربت مع زوجها الشاب سراً عن طريق البحر فجراً
، وبمجرد أن رست السفينة على الميناء ، امتطيا حصانين وأسرعا في الهروب
إلى بلد الشاب التي تركها منذ أن أغضب والده ، وهناك وجد والديه بانتظاره
وقد طال زمن البحث عنه ؛ فانكَبّ على أقدامهما تائبا راجعاً إلى الله
طالباً رضاهما ، وتمكن الشاب من أن يجمع حوله كل سكان المدينة وحكامها
ووزرائها ،وأغدق عليهم المال الوفير والخير الكثير ، وأصبح ملكا على تلك
البلاد.
أحب
الناس الشاب وقدموا له الطاعة والولاء .... وعرف الملك ( أبو زوجته ) بأن
الشاب خطف ابنته وهرب بها ، وانه أقام مملكة قوية لا قِبَل له بها ؛ فمد
إلى الشاب يده طالباً الصلح وحسن الجوار وكان له ذلك ، وعاش الشاب في
بلاده يعلم الناس الخير ويحثهم على طاعة الله وبر الوالدين ، وكان في كل
يوم لا يهدأ له بال حتى يدخل غرفة القصر صباحاً ومساءً فيُقبل رأس والده
ووالدته ويطلب منهما المغفرة والرضى .
ويسلم لي القارئ يارب . وعاش تراثنا الشعبي الفلسطيني .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/