من حكايات التراث الشعبي الفلسطيني
حكاية : أسد بين الكلاب والفئران
( 14 – 3 – 2010 م )
على لسان الآباء والأجداد
بحث وجمع وكتابة : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل –
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
مات
زعيم الكلاب وقائدهم الذي كان يدير أمورهم وينظم حياتهم ، ويجمعهم حول
كلمة واحدة ، وطلب كل كلب من بعده أن يدير القطيع ويكون سيده وقائده
وزعيمه ، وأن يكون له الأمر والمشورة والحكم والنهي ، و اختلفت الكلاب
فيما بينها على صفات قائدهم وزعيمهم ، ورفضت تعيين قائدا من بعده ، وتعمق
بينهم الانقسام ، وساد بينهم العداء ، وتفرقوا وتخاصموا فلم تجتمع لهم
كلمة من بعده .
في
يوم من الأيام طلب أكبرهم الاجتماع بهم جميعاً وقال لهم مخاطباً : إن حمل
الأمانة ثقيل وعبئها كبير ، وتحتاج إلى رجل حكيم قوي ذكي ، فمن يرغب منكم
بحمل أمانة المسئولية ، وأن يكون قائدنا وكبيرنا ومعلمنا وملهمنا فعليه
تنفيذ الشروط الآتية :
1- أن يُحضر لنا من الغابة أسداً .
2- أن يأتي إلينا راكباً على ظهره .
3- أن يربطه في الشجرة .
قال
أحد الكلاب الصغار ( جرو ) : أنا أوافق على هذه الشروط ، وانطلق مسرعا إلى
الغابة يبحث عن عرين الأسد ، وبعد رحلة طويلة شاقة ، كابد بها الكلب
الصغير (الجرو ) جميع أنواع الأخطار من جوع وعطش وخوف وتعب ، وأخيراً
اهتدى إلى العرين فدخله خلسة ليجد الأسد وزوجته اللبوة وصغارهم نائمين .
وضع
الجرو الصغير ( الكلب ) نفسه بين صغار الأسد وتظاهر بالنوم ، انتبهت الأم
فجأة إلى الجرو ، واندهشت من وجوده نائماً بين أبنائها ، ولكنها كانت
حليمة هادئة فلم تغضب ، إلا أنها رفضت عندما رأته أن يعيش عنصر غريب بين
أبنائها ، سألت اللبوة الكلب الصغير : ماذا تفعل هنا ؟ وما الذي جاء بك
بيننا ؟ .
قال
الجرو متمسكناُ وقد تظاهر بالعناء والضعف والجوع : أنا صغير وضعيف وجائع
ولا مكان لي لكي آوي إليه ، وبدأ يستجدي الأم بأن يعيش مع صغارها ، يلعب
ويلهو ويأكل ويشرب ، فوافقت الأم على ذلك ولم تكترث لوجود الجرو بين
أبنائها ؛ لأنها اقتنعت أنه لا يشكل خطراُ على أحد منهم .
بعد
ساعة انتبه الأسد الذي كان نائماً من قبل ، وحملق بالجرو غاضباً ، وفتح
فاه المرعب وبدأ بالغضب ، لكن زوجته اللبوة قالت له : اهدأ وتمهل قليلاً ،
إنه جرو صغير ولن يضيرنا وجوده بيننا في شيء ، فنحن ملوك الغابة والغابة
لنا ، اتركه يلعب مع صغارنا .
وافق الأسد ملك الغابة على ما قالته اللبوة ، ولم يكترث أيضاً بوجود الجرو بينهم وفي عرينه .
بعد
مدة من الزمن أصبح الكلب جزءا من أسرة الأسد وأحد أفراد حاشيته ، ونال
احترام وتقدير الأسد واللبوة والحيوانات كلها في الغابة ، وفي يوم من
الأيام قال الجرو للأسد : يا ملك الغابة ، إن لي قصة مأساوية محزنة وأريد
منك مساعدتي ، فقد خرجت من موطني مطروداً من الكلاب التي كانت تنهش جسدي ،
واعتدوا عليّ ، واغتصبوا حقوقي ، وإنني أرغب بأن أعود إلى موطني مؤيدا
مُعزّزا مُكرّما برفقتك وتحت حمايتك .
وافق
ملك الغابة على مساعدة الجرو وحمايته وقال له : اطمئن وستعود إلى موطنك
مؤيداً معززاً بكرامتك واحترامك بين أقربائك ... وإنني مستعد لخدمتك
وحمايتك .
انطلق
الجرو والأسد إلى موطن الجرو ، وفي الطريق كان الجرو يتلذذ بجميع أنواع
اللحوم التي كان يأكلها مع الأسد ، من بقر وغزلان وأرانب وغير ذلك .
وعندما
اقترب الجرو من موطنه وبدأ يشاهد أقرباءه من قطيع الكلاب قال للأسد : يا
ملك الغابة وزعيمها وقائدها ، لقد تعبت كثيرا من طول الطريق ، وانت صاحب
الجود والكرم والشهامة والنخوة ، أريد أن أستريح قليلا من المشي فأركب فوق
ظهرك لعلي أحظى بقسط من الراحة ، عطف الأسد على الجرو وجعله يصعد فوق ظهره
ليستريح من عناء المشي ومشقة الطريق ، وعندما اقتربا كثيراً من موطن قطيع
الكلاب أراد الأسد أن يودعه وينصرف عائداً ، فقال له الجرو وهو جالساً على
ظهر الأسد : يا ملك الغابة إنني لا زلت في خطر ، وإنني أخشى من عقاب قطيع
الكلاب لي ، فلا تتركني وحيدا وتنصرف إلا بعد أن أشعر بالأمان والاطمئنان
، فقد صنعت معي صنيعا لن أنساه لك أبدا ولم يبق إلا القليل ، لقد آويتني
وأكرمتني وجعلتني أعيش بين زوجتك وأبنائك وفي مملكتك وداخل عرينك ،
وخدمتني أجل وأعظم خدمة حيث جئت بي إلى هنا مؤيدا مكرما ، وإنني أخشى إن
دخلت الآن إلى أقربائي الكلاب أن يفتكوا بي ويقتلوني بعد أن تعود إلى
عرينك فلا أجد لي حامياً ولا نصيرا ، أرجو منك يا ملك الغابة أن تكمل
معروفك وإحسانك لي بأن أربطك في هذه الشجرة لكي أطمئن أنك لن تتركني
وحيداً .
قال له الأسد : افعل ما يروق لك ولا تقلق ، وسأبذل كل جهدي من أجل راحتك ، وأرجو ألا تمكث كثيراً فتتركني مقيداً وانت بعيداً عني .
اقترب
الأسد من الشجرة ، ومنح ثقته للكلب الصغير لكي يُجسّد الإخلاص بأسمى
معانيه ، وتمكن الجرو من ربطه وشد وثاقه ، وذهب إلى أقربائه الكلاب الذين
كانوا يشاهدون الموقف كاملاً بدهشة كبيرة وكأن أعينهم لا تصدق ما يجري
أمامهم .
،
فقد نجح هذا الجرو الصغير من تحقيق الشروط الثلاثة ، فأحضر الأسد ، وركب
على ظهره ، وربطه في الشجرة ، وصار الجرو كبير الكلاب يحكم ويأمر وينهى ،
وله الأمر والمشورة في كل هاربة وواردة .
وبينما
كان الأسد مربوطاً في الشجرة ، أقبل إليه فأر صغير ضعيف لا قيمة ولا وزن
له ، فحياه بالسلام وقال له : يا ملك الغابة : ما رأيك بأن أنقذك من هذه
المصيبة التي ألمَّت بك مقابل أن تعطيني نصف مملكتك ( الغابة ) ؟
وافق
الأسد على هذا الشرط وقال للفأر : بل أعطيك كل مملكتي ، وبدأ الفأر بقرض
الحبل وعاد الأسد إلى عرينه ، وسألته زوجته اللبوة عما أصابه فقد ألم به
الضعف والإعياء وبلغ منه الإرهاق مبلغه ، ورفض أن يخبر زوجته وأولاده
حقيقة ما حدث به من ويلات الزمان ، فقال لها : لقد أصابني المرض والإسهال
من كثرة ما أكلت من اللحوم ، حتى صرت هكذا كما تشاهدين .
بعد
أيام هجم ألوف الفئران على الغابة التي أصبحت ملكا لهم ، فطلب الأسد من
زوجته وأبنائه الرحيل قائلا لهم : لا مكان لي في بلد الكلاب فيه تربط
والفئران تحل ...
ويسلم لي القارئ يارب . وعاش تراثنا الشعبي الفلسطيني .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/