بعد اختفاء الجميع..حمام السمرة يبقى شاهد عيان على حقبة من الزمان..!!
غزة-
تعد مدينة غزة من أعرق وأقدم مدن العالم لاحتضانها لآثار هامة تم اكتشافها
بعد ألفي عام إلا أن هذه الآثار تحتاج إلى رعاية خاصة من الأخطار المحدقة
بها كعدم الوعي بأهميتها إضافة إلى دور الاحتلال في طمس مثل هذه المعالم
من خلال الحروب التي خاضتها مع الفلسطينين .
تحتضن مدينة غزة معالم كثيرة كالمسجد العمري ومسجد السيد هاشم وقصر الباشا وكنيسة الروم الارثذوكس وقلعة برقوق عدا عن تل الرقيش .
حمام السمرة
حمام السمرة في قطاع غزة أحد تلك المعالم الذي مازال يقاوم من أجل البقاء
كشاهد على تلك المدينة ففي حي الزيتون حيث البلدة القديمة يتربع هذا
الحمام المقام على مساحة 500 م ليترك بصمة سنجر بن عبد الله الذي قام
بتجديده في أوائل العهد المملوكي عام 685 ﮬ .
أما عن سبب تسميته بهذا الاسم فقد قال المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض في حديث للمراسلة
إيناس أبو الجبين والذي
كان أيضا أحد الزبائن الدائمين للحمام قبل خمسة عشر عاما أن " السمرة "
بضم السين امتلكوا هذا الحمام لفترة زمنية ثم باعوا أملاكهم في غزة ونزحوا
إلى نابلس، في الوقت الذي كان يرفض فيه المسلمون العرب الإقدام على تنظيف
الناس، ومن هنا جاء اسمه .
وزودنا المبيض بموسوعة " البنايات الأثرية الإسلامية في غزة وقطاعها "
أوضحت فيها أن حمام السمرة هو الحمام الوحيد الذي بقي في غزة بعد أن كانت
تزدان بالعديد من الحمامات كحمام الباشا و حمام القلعة والسوق وأخيرا حمام
السويحي وجميعها اندثرت وحل بدلا عنها أماكن أخرى .
و أشار المؤرخ إلى أن إنشاء هذه الحمامات في الفترة العربية والإسلامية
كان مصدرا لثراء العديد من القادرين والأغنياء إذ تباروا جميعا في بنائها
لما تدره من دخل وأموال عليهم .
وقال " أن السمرة كان مكملا للكتلة العمرانية التي تتألف من الجامع العمري
الكبير تليه السوق القيسارية ثم خان الزيت حيث كان الشخص يزور هذه الأماكن
بالتتابع الأمر الذي يسهل عليه زيارتها معا نظرا لقربها من بعضها البعض،
وهو ما يلخصه بعبارة " للمسافر أرفق وللتاجر أنفق" .
فوائد جمة
لاستخدام البخار الساخن أو ما يعرف بالساونا فوائد كثيرة منها استعماله
كعلاج للروماتيزم وآلام المفاصل وتليين العضلات وتنشيط الدورة الدموية
وكذلك يستخدمه البعض بهدف التخفيف من أوزانهم .
وقال نبيل الجبلي البالغ من العمر واحد وخمسون سنة أنه يرتاد حمام السمرة
مرتين في الاسبوع دون أن يشعر بالملل وأضاف "أذهب للحمام للتخفيف من آلام
الروماتيزم التي أعاني منها فالبخار يمنحني شعورا بالراحة .
أما عن الاعتقاد السائد والذي تحمله فئة كبيرة من الناس باستخدام الساونا
كعلاج للعقم واقبال البعض منهم عليه فهو ما نفاه طبيب النساء والولادة في
مستشفى الحلو الدولي الدكتوربكر قاعود والذي أوضح أن إستعمال الماء الحار
بصورة متواصلة يعمل على إعاقة حركة الحيوانات المنوية عند الرجل الأمر
الذي يسبب له العقم مضيفا أن الانجاب أسبابه هرمونية بحته ولا علاقة له
بالعلاج ببخار الماء.
ونصح قاعود الرجال بعدم ارتياد الحمام بشكل مستمر بل بأن يكون ذلك مرة كل شهر.
دور اجتماعي
لا تتوقف أهمية حمام السمرة عند استخدامه للاستحمام وكمزار طبي فقط بل
يتعدى ذلك إلى أنه يمثل عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني حيث كان العريس
وعروسه يغتسلان في السمرة قبل يوم من موعد زفافهما وسط أجواء القرع على ما
يعرف بالفدعوس .
أما مريم عبد ربه والتي جاءت إلى الحمام برفقة قريباتها التي لاحظنا عليهن
علامات البهجة والفرحة وهن منتظرات الوقت المحدد للنساء من أجل الاستحمام .
قالت " نجمع بعضنا البعض ونتجه إلى السمرة ونقضي طوال الوقت داخله فهو يذكرنا بآبائنا وأجدادنا .
باب الحارة
"نعيم الدنيا الحمام" مثل ابتكره الدمشقيون الذين كانوا يعشقون الاستحمام
بما يعرف بالحمامات الشامية التي اشتهرت فيها دمشق منذ مئات السنين حيث
كانوا يذهبون إليها بشكل دوري لتنظيف أجسادهم والحصول على الراحة .
هنا في غزة كان لمسلسل باب الحارة والذي عرض على جميع شاشات التلفزة
العربية تأثيرا ملحوظا على زيادة الوعي عند الأفراد على أهمية الحمامات
الشامية وامتد تأثير ذلك على الغزيين مما دفعهم لزيارته والاستحمام فيه .
وقال سليم الوزير مدير وصاحب حمام السمرة منذ أربعين سنة " لاحظنا اقبالا
كبيرا على هذا الحمام بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة لما تركته من آثار
سلبية على نفسية المواطنين حيث يعمل بخار الماء على تهدئة أعصابهم وشعورهم
بالاسترخاء .
وبين وليد دربيه أحد محبي الساونا أنه يرتاد هذا الحمام منذ خمسين سنة
بشكل مستمر نظرا لقرب منزله منه، موضحا أن عدد مرات زيارته له تتقلص في
فصل الصيف لارتفاع درجات الحرارة .
تراثنا في خطر
أكد سليم المبيض على ضرورة بث روح الوعي لدى جميع فئات المجتمع بأهمية
المعالم والآثار التي تحتضنها أية مدينة في العالم، كما شدد على ضرورة
تقدير قيمة التراث الذي يعد بمثابة شهادة الميلاد التي تؤكد على وجوده
الثقافي والحضاري .
أما عن السمرة فقد قامت وحدة الترميم المعماري بكلية الهندسة في
الجامعةالإسلامية بترميمه وبتمويل من مؤسسة كويكرز في سنة 2001 م ضمن
فلسفة الحفاظ الكامل للمعالم المعمارية الأصلية التي بقيت حتى عصرنا هذا .
وأشار صاحب الحمام إلى أنه تم إبراز مواد البناء الأصلية باستخدام مواد
ملائمة للخواص الفيزيائية والبيئية للمبنى مماثلة للمواد التي استخدمت
بالأصل .