المشهد يعيد نفسه .. عائلة فلسطينية تعيش وسط حظيرة حيوانات وتشاركها الحياة
ربما يشعر الإنسان بالسعادة والبهجة حين يتوجه في رحلة إلى حديقة الحيوان
، ليستمتع بمشاهدة أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور، لكن الأمر لا يبدو
كذلك حين يكتب عليك أن تعيش مكرهاً بين الحيوانات، تشم روائحها، وتسمع
أصواتها، وربما ينالك قسطا من أمراضها.
هكذا كانت حياة عائلة المواطن سليمان جربوع من مدينة غزة الذي اضطر وأسرته
إلى العيش بين الحيوانات، بعد أن أعجزه فقره ومرضه على إيجاد بديل تقيم
فيه عائلته، لا يمكن لنا أن نسميه بيت، ولا حتى شبه بيت، بل هو حظيرة
حيوانات يقطنها بشر، هنا بقرة وهناك حمار أو حصان ، وفي هذا الجانب خراف،
والفناء ملكا للبط والدجاج تسرح فيه وتملؤه بالروث والقاذورات.
لا مكان لوضع الملابس، ولا متسع لمجلس صحي ، والنوم غالبا ما يكون على ارض
لا تخلو من روث الحيوانات، أما الأطفال فإن أرادوا اللعب فليس أمامهم متسع
سوى بين الحيوانات.
مراسلة "
وكالة قدس نت للأنباء " فلسطين
عبد الكريم تعمقت في معاناة هذه الأسرة التي تضاف إلى سجل العائلات الغزية
التي تعاني شظف العيش ، حيث لابيت ولا مكان يؤويهم سوى تلك الحظيرة برفقة
الحيوانات ".
الزوجة أم محمد جربوع قالت وهي تشير بيدها إلى المكان التي تعيش به :" نحن
نعيش ظروف لايعلم بها إلا الله ، ولكن رغم ذلك نقول الستر من عنك يارب "،
مؤكدة أن عائلتها مكونة من 9 أفراد ولا يحصلون جميعهم على الاهتمام الكافي
بسبب قلة الحيلة وصعوبة المعيشة .
كنت استمع إلى أم محمد فيما كان أطفالها يدورون حولي واجتمع شملهم مع
أطفال الجيران ، كانوا يحيطون بي وكأنها زفة ، ورغم ذلك استكملنا الحديث ،
وأضافت أم محمد:" إن زوجي لايعمل من حوالي 14 عاما أي منذ تزوجت به ، كونه
مريض وعاجز عن العمل وغير قادر على حمل أشياء ثقيلة وفوق طاقته ".
وأشارت إلى أنها أحيانا تضطر إلى مساعدة إحدى معارفها أو جاراتها في شئون
المنزل كي تحصل بعد مجهود كبير وإرهاق جسدي على 30 شيكل أو في الأحيان تصل
إلى ماهو أقل من ذلك .
كنت أتابع حديث أم محمد فيما كانت عيناي في ذات الوقت تراقب كل زاوية من
زوايا المكان ...لا مدخل مناسب للمكان ولا خزانة للملابس تحميها من التلوث
، حتى الفراش الذي ينام عليه الأطفال كان منثورا في كل ركن ، كانت ثياب
الأطفال رثة وكأنها لم تتغير منذ عام مضى ، إلا أن والدتهم أكدت أنها يوم
بعد يوم تقوم بتغسيل ملابسهم بسبب ظروف المكان المحيط بهم كونه إسطبل
حيوانات تخلف روائح وقاذورات وفضلات .
وبشأن دخل الأسرة وكيف تعيش حياتها اليومية ومصروفات الأطفال واحتياجاتهم
، أضافت أم محمد:" إنهم يحصلون على مساعدات وكوبونات من وكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين في غزة ، إلا أنها لا تكفى لبيت مفتوح وأطفال يأكلون
الزلط "، على حد قولها .
كان زوج أم محمد غائبا عن المنزل ، إلا أنها أكدت أنه من الصعب إيجاده
بالبيت أو الحديث معه كونه لا يتذكر أطفاله أو حتى مايسمى " البيت " أي
حظيرة الحيوانات إلا في حالة الطوارئ أو إذا قامت بإرسال أحد أطفالها إلى
والدهم ليناديه ، مؤكدة انه لايحتمل رائحة المكان وشغب الأطفال والفوضى
التي يقومون بها .
في الصيف حريق وفي الشتاء غريق هكذا أكملت أم محمد حديثها ، وقالت:"
لانتحمل أنفسنا في فصل الصيف وأولادي يضطرون إلى الاستحمام أكثر من مرة
باليوم الواحد ، حتى أن غسالة البيت تتعطل في الأسبوع عدة مرات فيما ترك
الصدأ عليها آثاره ".
وتابعت:" في الشتاء نضع أكياس من النايلون الأبيض على منافذ مفتوحة في
الغرفة التي نعيش بها ، ولكن رغم ذلك يتسرب البرد القارس إلى أجسادنا حتى
نشعر بأنه يكاد يكسر عظامنا "، مضيفة:" ربنا كبير ومابينسى حد ، ومن توكل
على الله فهو حسبه ".
وأكدت أنها لاتريد من هذه الحياة إلا الستر لها ولأطفالها الصغار بالرغم
من أن لا أحد يتفقد أحوالهم إلا الجيران الذين يدركون تماما حقيقة ظروفهم
المادية والمعيشية الصعبة .
وأشارت إلى أن المكان الذين يعيشون فيها يقوم صاحبه على يوم الثاني
ويهددهم بالطرد بسبب خناقات الأطفال المتكررة ، بالرغم من انه مكان مخصص
للحيوانات لا أكثر .
ولنقل معاناة الأسرة بشكل أفضل حاولت مراسلة قدس نت الاستماع إلى الأطفال
، وحاولت التقاط بعض الصور للأطفال وهم يداعبون حصانا وبقرة فيما كان
أحدهم يلاحق الدجاجات ومجموعة من البط والإوز ، ولكن حدث مالم يكن
بالحسبان ، حيث كشر الحصان عن أنيابه وثارت ثورته بعد أن غمزه المشاكسون
الأطفال ، وبات يلاحقهم ، كانت تنطلق صرخات من الأطفال ممزوجة مابين الهلع
والضحك ، ولم نكن نحن ببعيد عن تلك الملاحقة .
غريب أن هؤلاء يضحكون بالرغم من عدم شعورهم بالمسئولية وشظف الحياة
المؤلمة التي يعيشونها ، لكن مع ذلك كانت ملامح وجوهه تقول :" الحمد على
كل شيء نحن أفضل من غيرنا، لانريد من هذه الدنيا إلا أن نعيش كبقية الناس
، والله أنى اشعر بالغيرة عندما تفتقد بناتي إلى أدنى احتياجاتهم الأساسية
فيما يوجد عند غيرهن من البنات كل ماهو جديد ".
وقال محمد الابن الأكبر لأم محمد "10 أعوام" :" لانريد الإثقال على
والدتنا بالطلبات والاحتياجات ، لأن والدي لايستطيع العمل وأتمنى أن تتغير
الظروف للأحسن ".
تركنا محمد ووالدته وإخوته على أمل أن تنتهي معاناتهم ، إلا أن محمد أمسك
بملابسي وقال :" هل ستساعدوننا في إيجاد بيت يؤوينا بدلا من هذه الحظيرة
؟؟ أم ستتركونا هكذا دون شيء ..قلت له :" لاتقلق ...ربنا موجود ".
للتواصل مع العائلة الاتصال على الرقم التالي /7746875