اليوم الـ15 للحرب- وفاء المصري خرجت لتضع مولودها فكان القصف
يوم السبت 10 كانون الثاني (يناير) 2009 شعرت وفاء الرضيع (المصري)،
البالغة من العمر (37 عاماً)، بآلام المخاض، وهي من سكان شارع الحطبية في
بلدة بيت لاهيا. استغلت وفاء فترة التهدئة الإسرائيلية المعلنة وذهبت مع
أختها غادة، البالغة من العمر (31 عاماً)، إلى المستشفى سيراً على الأقدام
وذلك عند حوالي الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم.
وبعد دقائق
قليلة استسلمت الأختان وقررتا العودة إلى المنزل وذلك نتيجة للقصف الشديد
وإطلاق النار الكثيف. وبمجرد استدارتهم للخلف قامت طائرات الاستطلاع
الإسرائيلية بقصفهم بصورة مباشرة.
طائرات الاستطلاع (طائرات بدون
طيار) وهي مزودة بجهاز مراقبة وتعطي صور واضحة للأشخاص الذين على الأرض
وقت التصوير والمراقبة. ولديها القدرة على التمييز بين الأطفال والشبان
والكبار وتكون هجماتها الجوية دقيقة جداً. أصيبت غادة بجراح خطيرة أما
وفاء فقدت ساقها من فوق الركبة.
أجرى الميزان مقابلة مع وفاء
وابنها إيهاب، البالغ من العمر (18 عاماً) وأختها غادة. أجريت المقابلة
بعد مرور حوالي عام على الاعتداء وذلك لمعرفة كيف تتغلب الأسرة على
معاناتها.
الشعور بآلام المخاض
"كنت أشعر بتقلصات الرحم
وعرفت بأنني سألد عما قريب" تقول وفاء "فأنا لدي سبعة أبناء. لم يكن هناك
سيارات لذلك ذهبت أنا وغادة إلى المستشفى سيراً على الأقدام. نحن عادة ما
نرتدي عبايات سوداء وغطاء اسود للرأس ولكنا في ذلك اليوم ارتدينا غطاء
ابيض للرأس لكي يتم تمييزنا. كانت الشوارع فارغة والطائرات والدبابات في
كل مكان. كان الوضع مخيفاً جداً. بعد دقائق قليلة عرفنا أننا لن نستطيع
الوصول إلى المستشفى لذلك قررنا العودة إلى البيت.".
توضح لنا
غادة ما حدث بعد ذلك " سمعنا صوت طائرة استطلاع (طائرة بدون طيار) وسمعنا
صوت إطلاق صاروخ. أصبت بالذعر وبدأت أجري ولكن وفاء لم تستطع الجري بسبب
الحمل. سقطت على الأرض ورأيت شيئا يطير فوق راسي ويهبط أمامي على الأرض.
ثم سمعت صوتا يقول " غطوني غطوني" عندها أدركت أنها أختي وفاء. أصبت في
الجزء الأيمن من جسدي ولم استطع تحريك قدمي اليمنى. زحفت كالأطفال باتجاه
أختي. كان جسدها أسود محروق وشبه عاري. حاولت أن أكلمها ولكنها لم تستطع
الرد. ثم رأيت مجموعة من الشباب يقفون بعيدا عنا. أشرت إليهم لكي يأتوا
ويساعدونا ولكنهم كانوا خائفين في البداية. وبعد مرور خمس دقائق اقترب
أحدهم منا وساعدني وأخذني للمستشفى. تركنا وفاء على الأرض لأننا اعتقدنا
أنها ماتت." تنهي غادة حديثها معنا قبل أن تذهب لجلسة علاج طبيعي.
الحياة أقوى
في
النهاية وصلت سيارة الإسعاف وأخذت وفاء إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
عرف الأطباء بأنها حامل وقاموا بإجراء عملية قيصيرة ناجحة لها. يوضح إيهاب
ابن وفاء بأن الأطباء لم يكن لديهم أمل في إنقاذ حياة والدته وفاء. "عرف
والدي بما حدث وذهب على الفور إلى مستشفى الشفاء. وعندما وصل هنالك أخبره
الأطباء بأن والدتي وفاء لن تنجو من الحادث وان طفلها قد نجا. جاء خالي
الدكتور رائد وتوسل الأطباء لكي يعطوا تحويلة لامي لكي تتابع علاجها في
مصر. في البداية رفض الأطباء وقالوا بأنهم قاموا بعمل تحويلات لمرضى لديهم
فرصة للنجاة. انزعج خالي رائد لرفض الأطباء ولكنهم بعد ذلك قرروا إرسال
والدتي للعلاج في مصر برفقة خالي وليد.".
بقيت وفاء في غيبوبة
قرابة الشهر واستيقظت في آخر شباط فبراير." أول شي اخبرني به أخي وليد بان
ابنك إياد يسلم عليكي" تتذكر وفاء. "قلت له لا يوجد لدي ابن اسمه إياد. ثم
شرح لي أخي وليد بأنني وضعت ابني وأنا في غيبوبة وأنني الآن في مصر وان
ابني إياد في غزة. لم أصدق ذلك حتى سمعت أصوات الأشخاص الذين يتحدثون حولي
وسمعت لهجتهم المصرية".
بقيت وفاء في مصر للعلاج مدة ستة أشهر
وعلمت هناك بأنها فقدت ساقها اليمنى. "سمعت من الأطباء بأن شخصا ما قد فقد
ساقه. في البداية لم أكن اعرف أنهم يتحدثون عني. كنت أشعر بألم شديد ولا
أستطيع التحرك لمدة أربعة أشهر. فبدأت اسأل الأطباء فيما إذا كنت قد فقدت
ساقي. كنت أشعر بألم شديد ولم أكن مهتمة في معرفة الإجابة. كنت مريضة جداً
ولا استطيع الاهتمام بأي شيء.".
عندما عادت وفاء إلى قطاع غزة
شعرت باكتئاب شديد وذلك في يونيو 2009. "عندما رأيت ابني إياد أول مرة لم
أكن اصدق انه كبر. كنت حزينة وسعيدة في الوقت نفسه. ولكني لم أستطع أن
احمله واضعه في حضني. وبدأت أتساءل ما فائدة الحياة. كنت أشعر بألم شديد
وكنت أعتقد بأن الألم لن يفارقني. كنت أعتقد بأنني سأفقد عقلي. ولكن في
نهاية الأمر بدأت أتقبل الوضع الذي أعيشه الآن. كانت عائلتي تدعمني بشكل
كبير وأبنائي يساعدوني في أعمال البيت. اشعر بأن ذلك اثر على دراستهم هذا
ما يشعرني بالاكتئاب والإحباط ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟ زوجي يساعدني بشكل
كبير ولكنه غاضب جدا. فهو يريد أن يشعر الإسرائيليون بالألم الذي نعيشه
لكي يفهموا ما فعلوه بنا.".
لا تزال وفاء بحاجة إلى المزيد من
العمليات الجراحية لساقها التي مزقت بفعل الانفجار " كان لدي عملية جراحية
قبل عدة أسابيع لأني لا زلت أعاني من مشاكل في الجهاز العصبي. أجريت لي ست
أو سبع عمليات جراحية ولا زلت بحاجة إلى المزيد من العمليات. تغيرت حياتي
في اللحظة التي قصفونا فيها. فجأة كنت في حرب... وفجأة أنا في مصر والآن
أنا هنا في غزة ولا أقوى على عمل أي شيء بنفسي. حتى أنني لا استطيع أن
احمل طفلي إياد. الحياة في غزة دائما صعبة ولكنا في السابق كنا سعداء.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/