إما أن تتفقوا في القاهرة وإلاَّ ...
د. أسامة محمد أبو نحل
منسق برنامج ماجستير دراسات الشرق الأوسط
جامعة الأزهر - غزة
osamabunahel@hotmail.com
من المفترض أن تجتمع الفصائل والقوى الفلسطينية في القاهرة، خلال النصف الأول من شهر تشرين ثانٍ (نوفمبر) المقبل، في محاولة أخيرة لرأب الصدع الفلسطيني؛ فإذا نجح حوارهم فسوف يعود جهدهم بالخير على شعبهم المظلوم والمكلوم؛ وإن فشل حوارهم فيا وليتنا مما هو قادم وآت؛ فالمجهول سيكون وقعه أشد وأنكى علينا وعلى قضيتنا المصيرية؛ أو بمعنى آخر فإن حوار القاهرة سينتج عنه أن نكون أو لا نكون؛ ووقتها لن نلوم إلاَّ أنفسنا.
ففي القاهرة أعطوا أنفسكم يا سادة متسعاً من الوقت، حاوروا فيه أنفسكم بتأني، وتخانقوا وليعلو صوتكم على بعضكم البعض؛ وليضرب بعضكم البعض ولو بالأحذية حتى تصلوا في نهاية المطاف إلى قناعة وحيدة لا ثاني لها، أنكم إخوة من أبٍ وأمٍ واحدة هما العروبة وفلسطين؛ كما إنه في نهاية المطاف ليس مقبولاً منكم أن تعودوا إلى رام الله وغزة بخفي حنين؛ فوقتذاك ستكون عودتكم مرفوضة من شعبكم الذي سئم سجالكم وخلافكم، وقرِف من وجودكم بينه؛ فإما أن تعودوا إخوة متحابين متصافين؛ وقد زالت الشحناء من قلوبكم، وتعودوا كما كان حالكم في الماضي على قلب رجلٍ واحد، أو فلتبقوا حيثما ذهبتم؛ فلا مكان لكم بين ظهراني شعبكم، ومن ثمَّ فلتتركوا لشعبكم خيار أن يختار غيركم جميعاً؛ فلا محبة لكم في قلوب الشرفاء من أهل فلسطين الذين ضحّوا بكل ثمين من أجل قضيتها المصيرية؛ ولتبحثوا عن مصدر رزق جديد بدلاً من المتاجرة بدماء أهالينا؛ فلم يعد من مزيد من الدماء لِتُقدم كقرابين على مذبح تجارتكم بالقضية الفلسطينية ؛ إن بقيت بالفعل قضية؛ ولتعلموا أنكم أمام مفترق طرق رهيب؛ وأن أي خطأ فيه سيؤدي إلى اغتيال تام لتلك للقضية برمتها؛ ووقتها سينطبق عليكم قول الشاعر قديماً:
لا تقطعنَّ ذنب الأفعى وتُرسلها إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنبا
عندما ذهب الفرقاء اللبنانيون للحوار في الدوحة، خرجت الجماهير اللبنانية البسيطة، رافعة رايات تقول لهم فيها: اتفقوا أو لا تعودوا، أو بمعنى آخر: لا يريدون من أطيافهم السياسية أن يعودوا للبنان لكي يختلفوا من جديد. وها نحن اليوم نتعلم الدروس من أشقائنا اللبنانيين، ونقول لفصائلنا وتنظيماتنا ومن سيمثلهم في القاهرة، إما أن تتفقوا على كلمةٍ سواء، أو فلا داعي لعودتكم اللا ميمونة إلى أرض الوطن؛ لأنه سيكون بذلك قد استغنى عن مهامكم، ولتبحثوا عن لجوءٍ سياسي في أيٍّ من البلدان غير فلسطين.
إن فلسطين لم تعد مكاناً للمتاجرين بقضيتها ومصيرها، ورحم الله الرئيس أنور السادات يوم أن قال؛ وكأنه قد تنبأ بمصير فصائلنا: هؤلاء تجار قضية. اليوم واليوم فقط تأكدنا من صدق ما قاله الرجل يوم أن اُتهم بالخيانة والعمالة بعد أن هرول شبراً، لكنه قُتل ولم ينبئنا بأن غيره سيهرول باعاً.
يا إخواننا من قادة الفصائل والتنظيمات، لا زالت الفرصة سانحة أمامكم للتوافق وإيلاف قلوبكم، لكن إن أصرَّ كلاً منكم على موقفه، وركب رأسه وأخذته العزة بالإثم؛ فإنكم سوف تأخذون البلاد والعباد إلى هاوية سحيقة، لا ندري كيف سيكون المخرج منها، ولا تنسوا أنكم أبناء دينٍ واحد وقوميةٍ واحدة ووطنٍ واحد؛ فلا تبيعوا دينكم بدنياكم، ولا تعرضوا قوميتكم في سوق النخاسة، فتضحون كالغجر بلا بلدٍ تأويكم، ولا ترهنوا وطنكم لقاء مصالحكم الذاتية؛ فقد يأتي يوماً لا تستطيعون فيه استراده. وتذكّروا جيداً قوله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم"؛ فنصر الله لكم مشروط هنا بأن تنصروه بوحدتكم ومودتكم لبعضكم البعض، ولا تنسوا إن غيركم لن يكون حريصاً عليكم وعلى وطنكم أكثر منكم؛ فلا تبيعوه بثمنٍ بخس، ولا تتاجروا فيه، ولا بدماء شهداءنا الزكية الذين رووا أرضه عن طيب خاطر، غير منتظرين أجر إلاَّ من الواحد القهار؛ فكونوا قدوة لشعبكم وللأجيال القادمة، ولا تجعلوهم يلعنوكم في كل ملة وكتاب، ووفقكم الله لِما فيه من خيرٍ لشعبكم الذي ينتظر عودتكم المظفرة وأنتم متشابكي الأيدي، أما غير ذلك فلن نقبل منكم، ولا تعودوا إلينا، ولتقتلوا بعضكم البعض خارج الأرض المقدسة عسى ربكم وشعبكم أن يغفر لكم خطاياكم.
نحن نعلم علم اليقين أن ثمة أطراف داخل فصائلكم وتنظيماتكم، تعمل بدون كلل لإنجاح مراميكم الخيرة؛ وهؤلاء يجب دعمهم لإنجاح حواركم، لكن في المقابل؛ فثمة أطراف متنفذة فيكم لا ترغب بذلك النجاح وتضع الشروط والعراقيل لإفشال حواركم؛ وهم على قلتهم إلاَّ أنهم متنفذون لا يراعون الله ولا مصلحة الشعب العليا؛ فهؤلاء يجب على كل غيور في تلك التنظيمات أن يستأصل شأفتهم وتعريتهم؛ لكي نتخلص من تلك النفايات التي أفسدت ودّنا، ودمرت كل الأوشاج الاجتماعية التي تربطنا. إن المطلوب شعبياً من كل فصيل أو تنظيم أن يُعلن على رؤوس الأشهاد الراغبين من داخله في تخريب مسيرتنا الوطنية، حتى نتمكن من تفاديهم وقطع الطريق على مآربهم.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/