السينما في فلسطين.. غائبة أم مغيبة..؟!
مهنا:"يجب أن نهتم بالفيلم الروائي لأنه الأهم في دعم قضايانا المصيرية"
عبيد:" الأعمال الدرامية لها وقع أكبر في ترسيخ المعلومة مقارنة بالوثائقية "
تقرير – أميمه العبادلة:
في
فلسطين عموما وفي قطاع غزة تحديدا أعوام مضت تحت وطأة الاحتلال.. أفقدت
المواطن الفلسطيني الكثير لكنها لم تنسيه يوما بأنه إنسان من حقه الكثير..غير أن هذا الكثير من وجهة نظره هامش وكماليات الأولى تأجيلها حتى يقدر أولا على تأمين الأساسيات كلقمة العيش وأمان المعيشة..
وكباقي
الكماليات المنسية إلى أجل غير معلوم كانت السينما.. فهي فن وثقافة فقدت
الاهتمام بها بسبب ضنك العيش ووطأة المحتل.. فلا إنتاج يذكر لأفلام درامية
سوى بعض أعمال بزغت بخجل وتوارى ذكرها بين الناس سريعا كفيلم "الجنة الآن"
على سبيل المثال.. وانشغل الكل عنها بتوثيق سريع لمجريات الأحداث بأفلام
وثائقية لا تعدو كونها سردا للأحداث كسرد نشرة الأخبار التي بات الأغلب
يعزف عن متابعتها.. ونسينا أو تناسينا.. وغاب عن خلدنا أن عدونا وظف هذه
الصناعة بقوة لخدمة أهداف معلنة ومخفية.. فماذا ينقصنا..؟! وأي شماعة تلك
التي سنعلق عليها اللوم..؟!
لن تنجح
لم
يعجب - محمد أبو جهل 25 عاما - سؤالنا حول مدى وعي فئة الشباب بضرورة وجود
دور عرض سينمائية في غزة منوها أن المجتمع أسير لعادات وتقاليد وصورة
نمطية سلبية متمثلة في أن السينما ليست سوى مكان للقاء العشاق، وأنه في
حال وجدت ستحدث مشاكل لا محاله، مدللا على ذلك بما كان يعرف بسينما السامر
والتي تم احراقها في الانتفاضة الأولى على ذات الخلفية. ويقول:" مشكلة
الشباب الآن أنهم رغم اطلاعهم على الثقافات الأخرى التي وفرتها ثورة
الاتصالات الحديثة، إلا أننا نعاني من تناقض حاد فيما ندعيه من ثقافة وسعة
إدراك وبين ما نمارسة حقيقة ".
ظروف صعبة
أما
أحمد الغازي 20 عاما فيرى أن شباب هذه الأيام لا يفكرون بأكثر من شهادة
ينتفعون من خلالها بكسب وظيفة تؤمن لهم العيش في ظل الظروف الاقتصادية
الخانقة.. ولا أحد هذه الأيام يتعلم ويقرأ من أجل الثقافة والاطلاع وهذا
هو سبب تأخرنا عن باقي الدول. ويضيف:" ما نعانيه من حصار واحتلال وظروف
غير مستقرة أبعدنا بتفكيرنا عن كثير من الأمور التي همشناها وأغفلنا
أهميتها".
هذا
تماما ما أيدته لبنى الخالدي 26 عاما والتي أضافت عليه أن عادات المجتمع
المحافظ تحتم على رب الأسرة أن يخاف على بناته وأولاده بسبب تصور سلبي
اجتاح عقول العامة.
ثقافة شعب
التقينا
- أبو عبد الرحمن 60 عاما – والذي أخبرنا بتأيده للسينما شرط أن تكون
هادفة وتعبر عن هموم الشعوب وآمالهم وتطلعاتهم في الحياة والحرية ونشر
الثقافة والوعي بين الناس.. فالسينما من وجهة نظره ثقافة وتراث.. ويقول:"
نتمنى أن تكون سينما فلسطينية نفتخر بها كباقي الشعوب.. فمجتمعنا
به مشاكل اجتماعية كثيرة تستحق أن يسلط الضوء عليها وأن تناقش بجرأة وأن
نوجد الحلول لها.. وحول سبب النظرة السلبية عن السينما والممثل عموما يوضح
بقوله:" نحن مجتمع محافظ تعود أن يسمع عن أفلام هابطه وكما تعلمون فالسيئة
تعم، فانطبعت هذه الصورة في عقول العامة وصارت صورة نمطية لازمت السينما
والممثلين عموما.. لكننا كنا فخورين جدا بفيلم قوس قزح للمخرج عبد السلام
شحادة على سبيل المثال الذي عرض في اليابان والذي تم اختياره من بين 2000
فيلم وكان هدفه رفع الوعي العام في العالم حول مشاكلنا ".
نحتاجها..!
كان
لا بد من توجيه سؤال حول دور السينما في حياة المواطن الفلسطيني، فالتقينا
بـ -المخرج سعود مهنا - والذي أجابنا بدوره :" إن السينما من أهم عوامل
رفع ثقافة الشعوب، وخصوصا بعد انتشار الثقافة المرئية.. وأرى أن لها دورا
مهما للغاية في حياة الإنسان الفلسطيني الذي يتطلع إلى الحرية، ولدية قضية
مهمة وعادلة.. وأعني بالسينما تلك الملتزمة التي
تحفز النضال، وتنادي بالحرية والاستقلال، وتقدم فنا جميلا. حيث لا يخفى
على الكثيرين دور الإعلام المرئي وأقصد السينمائي في تحرير الشعوب ونقل
ثقافة مهمة، فمن خلال السينما استطاعت أمريكا السيطرة على عقول البشر".
مضيفا:" نحتاج كفلسطينيين أن نعرف العالم على قضايانا وهمومنا من خلال
أفلام سينمائية خصوصا أن إسرائيل استغلت الإعلام السينمائي بطريقة متطورة
ضد الفلسطينيين.. بل شوهت الحقائق وشوهت سمعة الإنسان الفلسطيني ".
قلة وعي
وحول
سبب تأخرنا عن هذه الصناعة يوضح – مهنا - أن الإعلام الفلسطيني كانت تنقصه
التقنية والدعم الكافي كي ينافس الإعلام الغربي عموما والإسرائيلي خصوصا.
ويرجع السبب إلى تقصير من الحكومات، والمؤسسات الفلسطينية لدعم هذا الفن
الراقي الذي يلزمه رعاية ومتابعة. منوها بوجود محاولات لصنع سينما
فلسطينية كان منها ما حصل جوائز في مهرجانات عالمية وعربية ولكنها كانت
بجهود فردية أو بدعم مؤسسات عربية وعالمية. لذلك صرنا نرى شغف المخرجين
الفلسطينيين بالأفلام الوثائقية وبعدهم عن الروائية لأنها أقل تكلفه،
إضافة لكثرة الأحداث التي ألمت بنا في فلسطين فبتنا بحاجة إلى تسجيلها
وتوثيقها. أما الأعمال الروائية فهي تحتاج إلى صناعة ومعدات غير موجودة في
فلسطين وبتكلفة باهظة.. مع افتقارنا لوجود شركات إنتاج فني تعنى بهذه
الصناعة التي قد تدر ربحا ماديا، وآخر معنويا لخدمة للقضية الفلسطينية..
إشاعات غيبتها
أما
بالنسبة لغياب دور العرض السينمائية في غزة يقول - مهنا:" للأسف انقرضت
وعزف الناس عنها لعدة ظروف فكان جهل المجتمع بأهمية هذا الفن من جهة..
وظروف الاحتلال وتوجه الشباب للمقاومة من جهة أخرى.. وانتشرت أقاويل ورسخت
بين الناس بأن السينما تبعد الإنسان عن العبادة وتقدم مضمونا إباحيا
وهابطا مما يشكل خطرا على المجتمع الفلسطيني ". ويكمل لكننا لا ننسى ما
قدمته السينما من أفلام عن صلاح الدين وعمر المختار والتي كانت تقدم فكرا
وتاريخا نفخر به وبالتالي إن إغلاق دور العرض من هذا المنطلق كان خطأ ".
كماليات مؤجلة
أما الممثل والمخرج أكرم عبيد والحاصل على جائزة الابداع الذهبية عن
أحسن إخراج في مهرجان القاهرة الدولي العاشر للعام 2003 فيؤكد أن عدم
الاستقرار العام وسوء الأحوال المعيشية في فلسطين لا يشجع الناس على
ارتياد السينما والبحث عنها. ويكمل:" إضافة أننا نفتقد ثقافة ارتياد
السينما كما هو الحال في مصر على سبيل المثال أو دول العالم الأخرى وأيضا
انتشار السينما التجارية حد من قيمة السينما الحقيقية في عيون الناس ".
ويشير
عبيد إلى ملامح السينما الفلسطينية في حال وجدت بأنها مهما تعددت هموم
المواطن الفلسطيني واحتياجاته ومشكلاته فإنها لن تكون بمعزل عن عاملين
أساسيين وهما المكان والزمان الذان يشكلان عنصرا هاما في صياغة العمل أي
أن القضة بالضرورة ستضمن مكانا يعاني من سلب المحتل، وزمان سيطرت عليه
الحرب لأطول فترة في التاريخ المعاصر.
تأثير السحر
ويشدد
عبيد على أن اليهود في العالم كانوا أكثر وعيا منا حول أهمية هذه الصناعة
في خلق واقع ثقافي معين، وأولوها أهتماما بالغا يصور أرض الميعاد، وحقهم
المزعوم، وتشويه صورة الشخصية الفلسطينية والعربية عموما. مؤكدا أن
الأعمال الدرامية خصوصا لها وقع أكبر وتأثير السحر في ترسيخ المعلومة من خلال امتاع بصري وسمعي وحسي وحبكة درامية لو قارناها بجمود المادة الوثائقية.
تناقضات
بين تأييد ورفض، وإدراك وقلة حيلة، تتجاذبنا صوب اليمين تارة وصوب اليسار
تارة أخرى.. فالسينما ليست مجرد أفلام فارغة المضمون كما يحاول البعض أن
يروج.. بل هي أرشيف الشعوب، ووسيلة من وسائل تشكيل الرأي العام، وسلاح
فتاك يخدم الهدف إذا ما أحسن استخدامها.. لذلك علينا أن نؤمن بضرورة تسليط
الضوء لرفع الوعي من خلال مناقشة الأمر مرارا وتكرارا، لعل هذا التكرار أن
يزيح ستائر جهل أسدلت على عقولنا فخلفتنا وراء ركب التقدم أعواما كثيرة..
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/