المضطرون ولقمة العيش ::
اكاديميون يحرمون الفرص ويضطرون للعمل في الانفاق
أمد
/ تقرير خاص / توجه الى منطقة رفح جنوب قطاع غزة ، باحثا عن عمل في نفق
بعد أن ضاقت عليه الدنيا ، واغلقت في وجهه جميع منافذ الرزق ، صحفي وكاتب
في بداية مشواره ، استسلم لفكرة العمل في الانفاق فقرر أن لايموت من الجوع
، ولو مات خنقا في نفق .
المهندس
الذي تخرج منذ سنتين ولم يجد مصدرا من الرزق قرر ايضا أن يعمل بالانفاق ،
ولكن اشترط على صاحب النفق أن يكون اداريا ، ويبقى عمله عند فوهة النفق
ولا ينزل العمق ، رفض صاحب النفق فاضطر المهندس أن يكون كأي عامل 'عتال '
يجر البضاعة أمتارا طويلة ويرهق نفسه في عمل ليس عمله .
زار (أمد) بعض عمال الانفاق ليقف على ما صارت اليه الاوضاع هناك ::
راسم
صحفي لم يجد فرصة عمل في مهنته ، رغم انه يكتب بانتظام مقالا عن الاوضاع
في قطاع غزة وبمجالات شتى الاجتماعية منها والثقافية ، اضطر لإتخاذ قراره
الصعب والعمل في الانفاق ، وحسب ما يقول لـ(أمد) :' أن العمل في الانفاق
لم يكن سهلا ، بل احتاج الى واسطة قوية ، وبموافقة مال النفق ، نزلت النفق
و عملت كأي عامل بسحب البضائع من العين الى البكرة ، ولأنني لا املك
التجربة الكبيرة في العمل ، وبعد ايام فقط عشتها بكل آسى وعذاب ، طلب من
مالك النفق أن اغادر العمل ، لعدم الكفاءة ، وهناك من هو افضل مني بكثير
وسيعمل مكاني بأجر أقل وساعات عمل اطول ، وانسحبت من هذا النفق ، واخذت
ابحث عن نفق أخر ، ولكنني فشلت ، في الاعمال الشاقة في قطاع غزة ، اصبحت
خاضعة للعرض والطلب ، وليس من المهم أن تعرض نفسك للخطر ، المهم عند تجار
الانفاق أن تلبي طلباتهم وتخضع لشروطهم ، وهم الذين خفضوا من اجرة اليد
العاملة بشكل غير مسبوق ، فعمل عشر ساعات بالنقل والسحب والعرضة للمخاطر ،
لا يقابلها غير خمسين شيكل اي 12 دولار امريكي ، فهل من المعقول أن نموت
مقابل هذا المبلغ الزهيد واطماع التجار'.
سعيد
وجد قريبه من والدته بابا لرزقه طرقه فنزل عمق نفق طويل ، وعمل على مدار
ساعات الليل الطوال بين حبل وبكرة ليجد يديه بعد فترة قد ادمت ، لم يكل
فما تركه خلفه افواه تريد أن تأكل ، سعيد الذي تخرج من كلية الهندسة منذ
سنتين ، تعب من البحث عن عمل يليق به وبشهادته ، ولكن واقع قطاع غزة ،
اضطره أن ينسى سنوات سهر العلم والاجتهاد ، وقبل أن يكون عاملا معرضا
للخطر مقابل أن يعيش في هذه الفترة .
يقول
لــ(أمد) :' منذ تخرجي وأنا ابحث عن عمل دون الاهتمام بالأجر او الراتب ،
ولو بأدنى الممكن ورغم تواضعي هذا لم اجد اي فرصة عمل في مجال الهندسة ،
فشلل البناء والاعمار وغياب المواد الاساسية واللوازم للعمران ، جعلتني
افكر واقرر الخروج من دائرة البطالة الى عمل ولو كان خطيرا ن وكنت متابعا
جيدا لقصف الانفاق والمنطقة الحدودية ن واسمع عن عدد الذين قضوا تحت
الانفاق باختناق وقصف وردم ، ولكن ما عشته من انتظار فرصة عمل كان يقتلني
دون موت كل يوم ، فقررت العمل ، وعندما عملت في النفق وجدت اكثر من اربع
عمال يحملون شهادات عليا ، اضطروا مثلي للعمل ، لذا سمينا النفق الذي نعمل
به بالاكاديمية التحت ارضية ، ولدينا امنية أن تنتهي هذه المرحلة ويرفع
الحصار وتدخل مواد البناء ويعاد عمران قطاع غزة ن هذا اذا لم نجد مفاجآت
جديدة في حياتنا '.
ساهر
وهو عائد جديد الى الوطن دخل عن طريق نفق بعد أن عاد من الامارات ، مقدرا
أن قطاع غزة سيفتح له عيشا افضل من المنفى ، ولكنه اصطدم بواقع صعب ن
وطريقة دخول للقطاع سيطرت على تفكيره ، وبعد عامين من البحث عن عمل لم يجد
غير ان يعود لمنطقة الانفاق ويبحث عن عمل فيها فوجد من يأخذ بيده لبنية
جسده القوية وشبابه القوي .
يقول
ساهر لـ(أمد) :'لست نادما على العودة الى قطاع غزة رغم ما واجهته وعائلته
من ضنك العيش ، فليس افضل من الوطن ولو كان قاسيا ، فيه نعيش كأبناء وليس
غرباء هذا الشعور بحد ذاته حياة كاملة ، ولو انني كنت اعتقد أن العمل في
قطاع غزة اسهل مما هو موجود ن ولم أكن اتوقع أن اعمل بالانفاق وانا خريج
طب اسنان من دولة الامارات ن وانفقت العائلة عليا الكثير من اجل الحصول
على شهادتي ، ولكن كثرة السعي على اطباء الاسنان والبحث عن عمل ولو كفني
عندهم ، لم اجد ، فاضطررت الى نزول الانفاق والعمل فيها ، ورغم ذلك الاجور
البسيطة التي يدفعها اصحاب العمل غير مشجعة ، ولكن لا مجال غير أن نعيش
بالاضطرار .