الثقافة القلعة التي لم تخترق ::
محمود درويش يتربع على عرش غزة ويمتدح في ظله العالي
هاجرت الطيور وعششت تحت سقف المؤتمر ، وغنت الجميلات وأنشدت
القصائد وما انتهت ، وانتحرت عقارب الزمن عند بلاغة الخطباء ، وخيمت الصور
على الجدران ، وكلها تدل على الدليل الى الوطن ، شاعر وأن رحل ، فارس وأن
ترجل ، عاشق وأن ترك المناديل تحت النوافذ ، وسيبقى الوطن .. محمود درويش
فكر
بعض المثقفون في قطاع غزة أن يعقدوا مؤتمرا ثقافيا ، يحمل أسم الشاعر
الكبير والراحل الحاضر محمود درويش ، وتبنت كلية الآداب والعلوم الانسانية
الفكرة واشتغلت عليها ، ونجحت اليوم الأحد بإخراجها للعلن ، وقد فاق
الحضور كل التوقعات ، والحشد الواقف أكثر من الجالس ،والذين خارج القاعة
يضاعف عددهم من هم داخلها ، وكأن مهرجانا جماهيريا يحدث ، وأن كان هذا ليس
بعزيز على محمود درويش ، والتعجب أن وقع لأنه يحدث في قطاع غزة ، وبهذا
الحشد والاصطفاف ، رغم أزمات القطاع المركبة ، وشجونه المكدسة في الأنفس ،
والمحشوة في الارواح ، الكل المثقف والكل المحب لدرويش حضر فندق الحلو
الدولي غرب مدينة غزة ، ومنذ الصباح ليسمع عن الشاعر الفارس والمناضل
العاشق محمود درويش .
يقول
الدكتور محمد صلاح ابو حميدة لـ(أمد) :' الفكرة بعقد مؤتمر محمود درويش
شاعر فلسطين القضية والانسان ، جاءت تكريما للشاعر الكبير ، وبمناسبة
الذكرى الاولى على رحيله ، واستذكارا لإبداعه والتمسك بعملاق وأصل فلسطيني
نفتخر به ، في ظل كل هذه الانكسارات النفسية الرهيبة التي نمر بها ، وربما
حتى بعد رحيله اعاننا محمود درويش على أن نعيد الثقة بأنفسنا ، ونجدد
العزم من أجل السعي قدما ، فروحه العظيمة كما أحلامنا الكبيرة ، تشدنا
بحبلها الى البئر العذب'.
أما
الشاعر عمر خليل عمر فيقول لـ(أمد) :'نشكر جامعة الأزهر بمدينة غزة
والجنود المجهولين من سادة النقد والأدب الذين حضروا لهذا المؤتمر ،
وعملوا على إنجاحه ، واستطاعوا في ظل الوضع الراهن والمعقد ، أن يذكروننا
أن الحياة في غزة تعني الحياة ، وأن حضور الشاعر الكبير محمود درويش
بقصائده وابداعه ، يعطينا الذريعة القوية للتمسك بالغد وأن لا نقول عنه
أنه المجهول ، نعم اليوم انتصرنا ثقافيا ، ولم نهزم بعد ، ما دام فينا
كبار من شعراء وأدباء ومثقفين ، يجرون عجلة الرقي والازدهار الثقافي
ويمضون بنا الى الأمام ، وعلى الذين يختلفون في تفاصيل باردة ، ويمنعون
الوطن من وحدته أن يعيدوا النظر في قرارهم ، ويمضوا لنمضي معا الى بر
الأمان ، ففلسطين تستحق منا أن نعيش من أجلها ، ومن أجل عدالة قضيتها '.
اما
الدكتورة مي نايف قالت لـ(أمد) :' صاحبة الجلالة الثقافة تنتعش في غزة هذه
الأيام ، وتسير الى طريقها الابداعي الذي كانت عليه، بعد أن اتعبتها رياح
الفرقة والخصام ، واجلستها عليلة ، ثكلات الأيامي من النساء وأحزان الرجال
، غزة تستيقظ اليوم مع روح الشاعر الكبير محمود درويش ، ويشربان معا فنجان
القهوة الصباحي في فندق جميل يطل على شاطيء حزين ، ويدردشان معا ، في حب
الوطن وجماله وعنفوانه وصبره ، ويمسحان الغبار عن اسماء الشوارع والحارات
، ويستمعان معا في قاعة مرتبة في جامعة الأزهر عن كلٍ منهما ، فيضحكان
ويفتخران ويبكيان في جيوب أرواح الحاضرين ، هنيئا لشعبنا بقامته العالية
محمود درويش ، ونرجوا من الله أن يبلغنا من هو بمستواه قريبا ليكمل
الرسالة الابداعية من بعده '.
بدأت
فعاليات مؤتمر كلية الآداب والعلوم الانسانية ( محمود درويش : القضية
والانسان) بتلاوة قرأنية عطرة وبعدها بالنشيد الوطني وافتتح رئيس المؤتمر
الدكتور محمد صلاح ابو حميدة بكلمة عرج خلالها على سيرة الشاعر الكبير
محمود درويش وبعض محطات حياته وأجاب على سؤال لماذا هذا المؤتمر الآن في
غزة ، وعرض بعده فيلما قصيرا عن حياة الشاعر الكبير درويش وألقيت بعض
النصوص الشعرية لدرويش بأداء طالبات وطلاب كلية الآداب من جامعة الأزهر ،
وتحدث للحضور رئيس جامعة الأزهر أ.د. جواد عاشور وادي وشكر الحضور وكل من
ساهم في انجاح المؤتمر وتمنى للجميع التوفيق في تحقيق أهدافهم المرجوة منه
.
وفي
الجلسة الاولى التي انتقلت الى قاعة المؤتمرات بجامعة الأزهر والتي ترأسها
أ.د. حماد ابو شاويش تناولت ثلاثة ورقات للدكتور محمد صلاح ابو حميدة
والدكتور خضر محجز والدكتور سعد العزايزة ، وتناولت الورقات الثلاث من
زوايا مختلفة اشعار درويش . وفي الجلسة الثانية التي ترأسها أ.د. علي عودة
تناولت ايضا ثلاثة ورقات مشاركة للدكتور بسام ابو بشير والدكتور صالح حسن
رجب والدكتور عبد الجليل صرصور.
وتداخل الحضور مع المحاضرين في الجلستين مما أثرى المؤتمر وساعد على تعميم فوائده .
المؤتمر الذي اطل في غزة سيستمر للغد الأثنين ، على أن يكون بداية طيبة في المشهد الثقافي الذي يشهد حراكا لا بأس به هذه الأيام .