بقلم: ساطع نور الدين :
ليس
نصراً دبلوماسياً عربياً ولا فلسطينياً طبعاً. هو اقرب ما يكون الى فخ
سياسي محكم نُصب لحركة حماس ووقعت فيه بملء إرادتها، وهي سرعان ما ستكتشف
ان خوض الصراع مع العدو على الفضائيات، وتنظيم المحاكمات للسلطة
الفلسطينية أمام الكاميرات، وترتيب جنازات رمزية للرئيس محمود عباس في
قطاع غزة، ليس له اي صلة بخوضه على ارض الواقع.. الذي يستثني مجلس حقوق
الإنسان في جنيف او اي مؤسسة اخرى تابعة للأمم المتحدة، حيث الغالبية
الساحقة من الدول الاعضاء تؤيد الحقوق الفلسطينية المشروعة بلا تردد ولا
نقاش.
الفوز
في تصويت مجلس حقوق الانسان على اعتماد تقرير القاضي ريتشارد غولدستون حول
جرائم الحرب في غزة كان سهلاً جداً. وفارق الاصوات كان كبيراً جداً، مثله
مثل اي تصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة: غالبية تفوق الثلثين تؤيد
القرار الفلسطيني، اميركا واسرائيل ومعهما بعض الدول الصغيرة التي تديرها
واشنطن تعارض، والدول الاوروبية تمتنع عن التصويت، او تعمد احداها الى
مجاملة اسرائيل لسبب او لآخر لا علاقة له بالقرار فتغادر موقع الحياد
الاوروبي الذي صار تقليدياً في مختلف الهيئات الدولية.
لكن
احدا لم يهلل لهذه النتيجة المعروفة سلفاً، ولم يعبر الاميركيون
والاسرائيليون عن شعورهم بالفاجعة او حتى بالهزيمة. أنذر الجانبان بأن
تهديداً جديداً يواجه عملية السلام الافتراضية، لكن أحداً لم يأخذ الانذار
على محمل الجد.. ولا حتى السلطة الفلسطينية التي طلبت التصويت الطارئ في
جنيف انتقاماً لشرفها السياسي الذي سفك على المحطات الفضائية منذ ان طلبت
سحب تقرير غولدستون من مجلس حقوق الانسان.. من دون حتى أن تساوم او تجادل
اميركا واسرائيل على ذلك الطلب الذي بدا في حينه مجانياً.
اعتباراً
من اليوم، ينتقل التقرير من الحيز النظري الى الحيز العملي: هو يدعو الى
محاكمات إسرائيلية وفلسطينية في جرائم الحرب التي ارتكبت في غزة في الشتاء
الماضي. وقال غولدستون نفسه وفي أكثر من مقابلة صحافية إنه كان يخاطب
الضمير الاسرائيلي ان يبرئ نفسه من هذه التهم، ويناشد القضاء الإسرائيلي
ان يحاكم مرتكبي هذه الجرائم.. اكثر مما كان يخاطب الجانب الفلسطيني
وتحديداً حركة حماس، لانه يعرف افتقارها الى العدالة والنزاهة والضمير،
ويدرك مسؤوليتها الموثقة في التقرير نفسه عن ارتكاب مثل هذه الجرائم.
لن
يكون من الصعب التكهن في أن إسرائيل ستباشر استناداً الى تقرير القاضي
غولدستون الذي حرص اكثر من مرة على تأكيد التزامه بالفكرة الصهيونية،
تحقيقات وربما محاكمات لضباطها وجنودها الذين خاضوا حرب غزة الاخيرة،
مستبعدة كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين. ولن يكون من الصعب إصدار
أحكام باللوم او التوبيخ او حتى الحرمان من الترقية بعض الجنود وصغار
الضباط.. لتطوي القضية التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من نوعها في
تاريخ إسرائيل، التي تتمتع بخبرات عريقة في ارتكاب جرائم حرب وفي التنصل
منها.
وعندها
ستتجه الأنظار الى الجانب الفلسطيني لقياس مدى التزامه بتوصيات التقرير
الذي ينصّ على أن تحال قضية ارتكاب حركة حماس أيضاً جرائم حرب الى مجلس
الأمن الدولي اذا لم يثبت خلال ستة أشهر أنه أجرى تحقيقات ومحاكمات نزيهة
في قطاع غزة.. والبقية معروفة جيداً!