المصلحة الوطنية بين التخوين وغض الطرف
ما
من شك أن اتخاذ قرار تأجيل البحث في تقرير غولدستون، أو الموافقة علية، في
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كان خطا، أثار سخط جماهير الشعب
الفلسطيني سواء في الأراضي المحتلة أو عبر أماكن تواجده في الشتات، كما
أثار مشاعر الشعوب العربية ومشاعر المؤيدين للحقوق الفلسطينية ومنظمات
حقوق الإنسان في أرجاء العالم كافة.
وقد
تفاوتت مواقف الفصائل الفلسطينية ما بين الإدانة والتخوين، ونأت الدول
العربية والإسلامية الأعضاء في المجلس المذكور بنفسها عن القرار.
وتظهر
جسامة الخطأ في عاملين؛ الأول هو التوقيت، فقد جاء هذا التأجيل في ظل
الإعلان عن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن طلبها لسلطات الاحتلال
الإسرائيلية، بوقف الاستيطان المستشري في الأراضي الفلسطينية وخاصة في
القدس، الأمر الذي اعتبر إذعانا من الإدارة الأمريكية ونجاحا للتعنت
الإسرائيلي، وسدد ضربة قاسمة للآمال التي رافقت تولي الرئيس اوباما السلطة
وتعززت، وان بشكل بسيط، بعد خطابه في القاهرة. كما جاء في خضم ممارسات
الجماعات الصهيونية المتطرفة في القدس ومساندة قوات الاحتلال لها، ناهيك
عن معاناة الفلسطينيين نتيجة للعقاب الجماعي المتمثل في حصار غزة وخاصة
بعد الحرب البشعة التي شنت على القطاع. فما من شك أن ردة الفعل على مثل
هذا القرار، لن تكون بنفس الحدة في غياب العوامل آنفة الذكر وانتشار أجواء
التفاؤل والأمل في الأوساط الفلسطينية.
أما
العامل الثاني فهو أن قرار التأجيل جاء بناء على ضغوط أمريكية وربما
إسرائيلية، فلا ضير في هذا التأجيل إن جاء في غياب الضغوط الخارجية وبناء
على حسابات المصلحة الوطنية الخالصة.
وفي
حين أجمعت كافة الإطراف الفلسطينية على إدانة قرار التأجيل، بدأت
استثمارات سياسية له خاصة من قبل حركة حماس، وصلت في بعض الأحيان إلى
مستوى هابط من القذف والسب والتخوين، لا يمكن أن يساهم في بناء مشروع وطني
فلسطيني متحضر، قائم على الاختلاف السياسي والانتخاب الديمقراطي بل
والشراكة التي قد تتطلبها ظروف مواجهة الاحتلال واحتدام الصراع. وبدون
افتراض خدمة الأجندات الخارجية التي تهدف إلى عرقلة المصالحة الوطنية،
أصبح نزول حركة حماس عن الشجرة، عائقا أمام الجهود التي تبذلها مصر، وسببا
في تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
فقد وصلت هذه الحركة في استغلال هذا الخطأ واستخدامها للقدح والسب
والتخوين، حدا لن تستطيع معه إقناع جماهيرها بإمكانية الاتفاق مع
المسئولين عنه، والظهور أمام هذه الجماهير وهي تعانق من نعتتهم في الأمس
القريب بأبشع أوصاف التواطؤ والعمالة.
وفي
المقابل بدأت الكثير من الأصوات، في إطار التصدي للاستغلال السياسي الذي
تمارسه حركة حماس، شن حملة ضد هذه الحركة، مقللة من أهمية تبني مجلس حقوق
الإنسان للتقرير، ومحذرة من كونه يدين حركة حماس أكثر من إدانته لإسرائيل.
وقد وصلت هذه الحملة في بعض الأحيان أو كادت، غض الطرف عن خطأ التأجيل وما
قد ينتج عنه من مسؤوليات.
وهكذا
سيطر على المشهد السياسي الفلسطيني توجهان، احدهما يذهب بعيدا في
الاستغلال السياسي دون رؤيا واضحة لما يترتب على نهج التخوين المرفوض من
أذى للمشروع الوطني ودون أي قاعدة أو دليل يعطيه حدا ادني من المصداقية،
والآخر يذهب بعيدا في التقليل من جسامة الخطأ وإيجاد التبريرات بما في ذلك
التقليل من أهمية التقرير وأهمية متابعة أي مسار قد يؤدي إلى تحميل
جنرالات الجيش الإسرائيلي مسؤولياتهم عن الجرائم التي اقترفوها بحق أبناء
شعبنا في غزة.
ورغم
محاولات السلطة الفلسطينية استدراك الأمر سواء أكان ذلك باللجوء إلى مجلس
الأمن أو من خلال الدعوة الطارئة لمجلس حقوق الإنسان، تبقى القضية قائمة،
فهي لا تتعلق بخطأ فادح تم التراجع عنه بطريقة أو بأخرى، بل تتعلق بكيفية
اتخاذ القرار وما قد ينجم عن هذه الكيفية من أخطاء قد لا نستطيع استدراكها
في المرات القادمة.
وبين
التخوين وغض الطرف، تتجلى المصلحة الوطنية في استمرار عمل لجنة التحقيق
ضمن صلاحيات كاملة بمتابعة القضية على كافة المستويات، وضمن شفافية تضع
الحقائق أمام الجماهير، وتوصيات ينصاع لها المسئولون عن الخطأ، وفي
النهاية يبقى الشعب هو المرجع ومصدر السلطات.
عمر أبوسمور، فرنسا.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/