-الايام - عيسى سعد الله-منذ الأسبوع الأول لتفجر
الانتفاضة الثانية في مثل هذه الأيام من العام 2000 جرفت جرافات إسرائيلية
ضخمة مزرعة تعود للمواطن رجب الفحام وإخوانه بالقرب مما كان يعرف بمستوطنة
'إيلي سيناي' المحاذية للحدود الشمالية للقطاع.
ومنذ ذلك التاريخ، لم ينعم الفحام برؤية
أرضه إلا أسابيع قليلة فقط بعد انسحاب قوات الاحتلال من القطاع في منتصف
العام 2005، كغيره من المزارعين في تلك المنطقة، الذين حرمتهم قوات
الاحتلال من دخول أراضيهم بحجة أنها محاذية للحدود.
وبعد مرور تسع سنوات كاملة، لا يزال
الفحام وإخوانه ينتظرون اللحظة التي يتمكنون فيها من العودة إلى مزرعتهم
البالغة مساحتها 14 دونماً لإعادة زراعتها.
والغريب أن الفحام، كما قال لـ 'الأيام'،
لا يعرف عدد المرات التي جرفت فيها أرضه بسبب بعدها عن سكنه ووقوعها في
مربع أمني خطير يصعب على أي شخص معرفة ما يجري فيه، لكنه توقع أن تكون قد
جرفت أكثر من عشر مرات بناء على تقدير جيران قريبين من الأرض.
وأخذ الفحام الذي كان يعتمد على مزرعته في
إعالة أسرته، يسترجع أبرز ما احتوته المزرعة التي لم يمض على زراعتها أكثر
من عامين قبل اندلاع الانتفاضة، فتذكر أشجار الحمضيات والليمون والفواكه
المختلفة، إضافة إلى بئر المياه الحديثة التي تم تدميرها بشكل كامل، كما
تذكر المحاصيل الموسمية التي كان يزرعها بين الأشجار المثمرة، واصفاً
المزرعة بالجنة كونها احتوت على جميع أصناف الفواكه والخضراوات، وقال إنه
شديد الاشتياق للوصول إليها والاستمتاع بالجلوس فيها مع عائلته، كما كان
يفعل قبل اندلاع الانتفاضة.
وأوضح أنه وإخوانه أنفقوا أكثر من ثلاثين
ألف دينار أردني في منتصف العام 1998 لاستصلاح الأرض وإنشاء بئر حديثة،
قبل أن تشرع قوات الاحتلال بتجريفها وتدميرها وتغيير معالمها.
ولم يكن يتوقع أن يستمر بعده عن أرضه تسع سنوات بعد اندلاع الانتفاضة، مشيرا إلى أنه كان يتوقع أن يعود إليها بعد أسابيع قليلة.
وفشلت محاولات عديدة للفحام لدخول أرضه في
الآونة الأخيرة، خاصة بعد الحرب، إذ جوبه بإطلاق نار تحذيري من قبل أبراج
المراقبة الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود المحاذية للأرض.
ولا يختلف الحال مع علي مقاط الذي جرفت أرضه الواقعة أقصى شرق جباليا، أو ما يعرف بشرق 'القطبنية'، بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة.
ولم يتمكن مقاط (52 عاما) من العودة إلى
أرضه إلا مرة واحدة فقط في نهاية 2004، فوجد صعوبة في التعرف عليها ولم
يعد إليها أبدا في ظل المخاطر الكبيرة التي يكتنفها وجوده هناك.
ولم يخف مقاط اشتياقه الكبير لأرضه التي
كانت تشكل مصدر رزقه الوحيد، إذ تحول بعد سيطرة قوات الاحتلال عليها إلى
بائع يجوب الشوارع بعربة 'كارو' لبيع الخضراوات وبعض أصناف الفواكه.
ويبدو أن السنوات التسع أثرت على الحالة
النفسية لمقاط الذي أبدى تشاؤما كبيرا من إمكانية العودة إلى أرضه، مؤكدا
أنه لا يمكنه استعادتها والاستفادة منها في ظل عدم وجود استقرار وحل نهائي.
أما فايز حسن عبد الله، فلا يزال يتذكر
أربعة دونمات مزروعة بالزيتون، إلا أنه لا يعرف مصيرها نظرا لقربها الشديد
من الحدود الشرقية للقطاع مع إسرائيل.
وبالرغم مما حل به من مأساة، إلا أن عبد
الله يعتبر نفسه محظوظا لأنه لم يصب جسمانيا بأذى كغيره من بعض المزارعين
الذي فقدوا حياتهم أو أصيبوا خلال تواجدهم في أرضهم أو محاولاتهم الوصول
إليها.
واستذكر العديد من المزارعين الذين قضوا
خلال تواجدهم في أرضهم، ومن أبرزهم صديقه حسن الزعيم الذي قطعت رأسه بشظية
في منتصف العام 2006.