في الذكرى السنوية الثالثة لإغتيال جاد التايه ... سلام عليك يا جاد، أيها الحبيب
بقلم : سميره التايه ...
عندما كنت أعد لك مائدة الطعام وأستعجل هاتفي كي تحضر قبل أن يبرد جوعي،
وعندما تصاعد نبض قلبي رعبا وقد اختفت آثار صوتك من أفقي، علمت حينها فقط
أن فاجعة تنتظرني خلف الأبواب، وكي لا أنتظرها تباغتني هربت إليها، نحو
خوفي، لم أكن أعلم أني كنت سألقاك واقفا أمامي مخضبا بتراب الوطن، لم أكن
أظن أن أقدامك كانت لتستريح في رمال المصيدة والنخيل.
وعندما رأيتك بأم عيني وعندما تأملت جسدك الطاهر والغاضب ضد رصاص الغدر
والخيانة، عرفت حينها أنه لم يكن يحق لي أن أستعجلك للغداء ولم يعد يحق لي
أن أعاتبك لإنتظارك طويلا.
يباغتني كل ليلة سؤالٌ أغفو عليه وأنام: "كيف كان هو حالي اليوم لو أنّه
لم يكنْ ما كانَ؟ أغرق في أحلام اليقظة. أراك تعدُ مائدةَ رمضان بمتعةٍ
وإتقان وبعدها تهاتفُ صغارك الرجال تستفسر عن أحوالهم، توجههم في أمورهم
وبين هذا وذاك مزاحٌ وحكاياتُ حب وفرح لا تنام.
كم أشتاق إليكَ الآن، ويشتاقُ لكَ الأصدقاء، وأحن إليك ولدفئك الناعم
الدفاق ولحديثك الممتع الخلاق. كان العملُ مقدساً لديك ، تؤكد أنه واجبٌ
وطني يجهلُه الكثيرون من دعاةِ النضال والبناء والإصلاح. شكرا لك لأنك
علمتني وعلمتَ كلّ من تتلمذَ على يديك أنّ الوطنَ ليس قصيدة من الهتافاتِ
والشّعاراتِ وإنّما شعور بالالتزام والعمل الجاد للنهوضِ بالإنسان حارس
المكان ولا أمان لحارس يجهلُ لغةَ عدوِّه وفنون القتال.
هل شعرَ أحدُكم يوما ولو للحظة أن العالم يتهاوى من حوله، أو أن زلزالا قد
هدم أركان بيته أو ربما إعصاراً جرفَ كلَّ ما يملكُه على هذه الدنيا؟ ذلك
هو حالي منذ رحيلك يا "جاد" ، أشعرُ أنّ الكَونَ من حولي لم يتوقفْ عن
السّقوط، منذ رحيلك يا توأم الرّوح والزلزال لم يزلْ يهزّ كياني، و كلما
رنّ جوالي انتفضتُ معتقدةً أنّك ستبلغني بموعدِ قدومكَ من السّفر، لكنّكَ
منذ أيلول اللعين لم تأتي.
الإعصارُ يعصِرُ قلبي في غيابك، لكنّني كلّ صباحٍ أسمعُ حفيفَ أقدامكَ تغرّد لحنَ عودَتِكَ ثمّ ما ألبثُ أن أصحوَ منْ وهمي.
أبحثُ عنكَ في وجوهِ أسرابِ الحمامِ فيختلِطُ علي الأمرُ أهي عائدة إلى
أوطانِها بعد هجرة شتاءٍ أمْ أنّها مهاجرة بعد أن ضربَ الصقيعُ البلاد،
أهرول نحو شجرة الزيتون لأناجي عيونك، حبات الزيتون تضيء لي المكانَ بعد
أن حجبَتْ ميليشياتُ الظلام نورَ الشمس بحقدهم الأسود
أسمع صوتك يناديني همسا:" أنا هنا في شجرة التينِ ..أنا هنا في النخيلِ
راسخٌ في الأرضِ شامخٌ في السّماء، واجهتُهم وقاومتُهم وها أنا أحلّقُ
صقرا حراً في الأعالي".
أيتها السّماء أنتِ الشاهدُ الصامتُ على أسرارِ الجريمة؟؟ أيا أيتهاُ
الأرض ألا تعترفي بالفضيحة التي تختبئ في أحشائك والتي استباحت الحب
والفرح.
تحلقُ وتحلق في زرقةِ السّماء فتغشى عيوني من كثرة البكاء، وكلما حلقت
بعيدا أحرقتْني لوعةُ الغياب، وزاد من حيرتي شعوري بالقهر حين أغوص في وصف
الجناةِ الذين غدروا بك، أتساءل عمن يكونوا؟ أي نوع من البشر هم أم أنهم
كانوا مشروعا لم يكتملْ بالإنسانية كأنهم مسخ مشوّهً لكائن لم يرقى لرتبة
حيوان في غابة.
ثلاثة سنوات مرت على ذكرى رحيلك عني، وعن وطنك ورفاقك ومحبيك، ثلاثة سنوات
انقضت من عمر اللوز وما زلنا نهمس باسمك ونجدد العهد والوعد بالوفاء لدمك
الطاهر الزكي
ثلاثةُ أعوامٍ مرّت على رحيلكَ وأنا أتجرعُ الحزنَ والألمَ والصبرَ، قالوا
لي أنّ الزمنَ كفيلٌ بالنسيان فما بالي اعيش لوعة فراقك وفاجعةَ اغتيالِكَ
كأنّها قد وقعت الآنَ.
وها أنا من جديد يا حبي الوحيد أضيئ في ليلة ذكرى رحيلك الثالثة، وككل
ليلة أخرى، شموعا حول صورك المنتشرة على جدران المنزل، أضيئ لك الشموع دون
كلل علني أستحضر روحك ولو للحظة، لعلك فيها تفرغ في نفسي العليلة أشواقا
تعيدني إلى حريتي من جديد.
رحمَة اللهُ وسكينته تنزل عليك في شهر الصّومِ والرحمة والطّاعاتِ وترفعك إلى مرتبة العليين من الشهداء والأنبياء
ِ.
أما من اغتالوا جسدك أقول، حسبنا الله ونعم الوكيل بكل من أشاعوا الفتنة
وعاثوا في الأرض فسادا، ولتحل لعنة الله عليهم ويلقوا جزاءهم الذي
يستحقونه.
ورحمة الله على الشهداء نايف ويسري والمحمدين السكني وأبو شريعه، الذين استشهدوا برصاص الغدر.
ادعو الله في هذه الايام الفضيلة ان يتغمد ارواحكم جميعا بالرحمة وان يغسلها بالماء والثلج والبرد .
"لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون "
صدق الله العظيم
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/