أعرب الأسير السابق ، الباحث المختص
بشؤون الأسرى عبد الناصر عوني فروانة ، عن جل احترامه وتقديره للمرأة
الفلسطينية بشكل عام ودورها الريادي خلال مسيرة الشعب الفلسطيني الطويلة
وظهورها بصور متعددة ورائعة فهي الأم المثالية ، والمربية الفاضلة ،
والقائدة المحنكة والمبعدة الصبورة الحالمة بالعودة للوطن ، والناشطة
والداعية والنائبة والكاتبة والصحفية المبدعة والمقاتلة الشرسة التي شاركت
الرجل في كافة ميادين المواجهة مع الاحتلال بما فيها المواجهة المسلحة
والعمل الفدائي الإستشهادي ، وتعرضت لما تعرض له الرجال من اعتقالات
وتعذيب واحتجاز لتسطر تجربة إضافية وفريدة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي
، تجربة اكتسبت صفة التميز رغم تشابكها مع التجربة الجماعية للأسرى ،
لأنها التجربة الأكثر ألماً ومعاناة .
وفي هذا الصدد دعا فروانة إلى العمل من أجل توثيق تجربة الحركة النسوية
الأسيرة بشكل خاص ، بكل ما تضمنته من تجارب فردية وجماعية ، وقصص وروايات
مؤلمة ، وصمود مذهل ونضال لا ينضب ،ومواقف نوعية ضد السجان وإدارة السجون
، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد حاضنة وطنية وسياسية واجتماعية وإنسانية
واقتصادية للأسيرات المحررات ، تُعيد لهن كرامتهن وتقدر نضالاتهن
وتضحياتهن ، وتكفل لهن توفير كل وسائل الدعم المعنوي والإرشاد النفسي
والإندماج المجتمعي والتأهيل المهني والدعم المادي وإيجاد فرص عمل ..الخ
جمعية الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية تحتاج لمساندة ..
جاءت تصريحات فروانة هذه عقب زيارته لجمعية الدراسات النسوية التنموية
الفلسطينية بغزة ولقائه رئيس مجلس الإدارة ، الأسيرة المحررة د. مريم أبو
دقة ، واطلاعه على الدور الذي تقوم به الجمعية والأنشطة المختلفة في دعم
ومساندة المرأة بشكل عام ، والأسيرة المحررة بشكل خاص .
وقدمت د.مريم شرحاً وافياً عن الجمعية وأهدافها بشكل عام ومن أبرزها تطوير
المرأة الفلسطينية وتعزيز الديمقراطية والتنمية والعدالة الإجتماعية
وإصدار بحوث ودراسات ذات صلة بالمرأة ، والاهتمام بالأسيرات الفلسطينيات
وتوثيق تجاربهن بغض النظر عن انتماءاتهن التنظيمية ، وتقديم الدعم
والمساندة لهن حسب الإمكانيات .
يذكر أن د.مريم أبو دقة هي أسيرة سابقة اعتقلت عام 1968 وتحررت عام 1970
ومن ثم أبعدت لخارج الوطن وواصلت نضالها وعطائها وعادت مع السلطة الوطنية
الفلسطينية ، وفي عام 2006 أسست مع مجموعة من النساء اللواتي ذقن مأساة
السجن أو مرارة الاحتلال وصعوبات الحياة .
تجربة الأسيرات .. أكثر ألماً
بدوره أشاد فروانة بالدور الذي تقوم به الجمعية تجاه الأسيرات
المحررات بقطاع غزة بدءً من إنشاء دليل خاص بهن يشمل بيانات كاملة عنهن
وعن أوضاعهن المعيشية والصحية وفترات اعتقالهن ومروراً بورشات العمل التي
نظمتها الجمعية حول الأسيرات ، والمؤتمرات الصحفية الداعية لإنهاء حالة
الإنقسام وتعزيز الوحدة الوطنية ، وليس انتهاءاً بما قدمته الجمعية من
خدمات ومساعدات نفسية ومادية وإجتماعية للأسيرات المسجلات في الجمعية
وعددهن قرابة ( مائة ) أسيرة محررة ، بالإضافة إلى التواصل مع ذوي أسيرات
قطاع غزة اللواتي لا يزلن قابعات في سجون الاحتلال وعددهن ( ثلاثة أسيرات
) .
وأكد فروانة بأن "تجربة الأسيرات تتشابك مع التجربة الجماعية للأسرى ،
لكنها أكثر ألماً ، فالأسيرات كما الأسرى الذكور يتعرضن للضرب والإهانة
أثناء الاعتقال ومن ثم يخضعن لصنوف مختلفة من التعذيب النفسي والجسدي
والعزل الإنفرادي وتنتزع منهن الإعترافات بالقوة تحت التهديد والترهيب
ويصدر بحقهن أحكاماً عالية تصل للسجن المؤبد لمرة أو لمرات عدة، ويحتجزن
في ظروف قاسية ولا إنسانية ويتعرضن في كثير من الأحيان للمساس بشرفهن
وكرامتهن ، هذا بالإضافة لما يواجههن من مصاعب ومعيقات اجتماعية بعد
تحررهن " .
وأضاف فروانة "بأن السجن وتوابعه وبغض النظر عن الفترة التي تمضيها
الأسيرة داخل السجن ، يترك آثاراً نفسية واجتماعية عديدة ومريرة على
حياتها ومستقبلها تحتاج إلى فترات طويلة لتجاوزها ، وفي أحياناً كثيرة
يصعب تجاوزها لتدفع ثمنها طوال حياتها ، ولهذا فهي بحاجة إلى رعاية خاصة
ومساندة مضاعفة".
ودعا فروانة كافة الجهات المختصة والمؤسسات المعنية بشؤون الأسرى وتلك
المعنية بشؤون المرأة ، إلى عدم اقتصار اهتماماتهم بالأسيرات داخل سجون
الاحتلال الإسرائيلي وان كان هذا مهم جداً ، ولكن الأهم أيضاً الاهتمام
بالأسيرات بعد تحررهن وتقدير نضالاتهن وضرورة توفير احتياجاتهن وتفهم
معاناتهن التي لم تتوقف ، داعياً إلى ضرورة إيجاد حاضنة سياسية ، وطنية ،
اجتماعية ..الخ من شأنها أن تكفل للأسيرات المحررات حياة كريمة وأن تحميهن
من الأمراض الخطيرة والخبيثة التي وجدت طريقها لأجساد بعضهن .
لا تقتلوا أسيرات فلسطين مرتين
وقال فروانة " أن تراجعاً كبيراً قد طرأ على درجة الاهتمام بقضية الأسيرات
، فعلى الرغم من تقبل المجتمع لفكرة مشاركة المرأة في النضال ومواجهة
الاحتلال وما ينتج عن ذلك من اعتقال المواطنات والذي لم يعد غريباً على
شعب مُحتل ، إلا أن الأسيرة الفلسطينية تعاني مشاكل اجتماعية عديدة بعد
تحررها وتواجه صعوبات جمة في الإندماج ولا تحظى بدعم المجتمع ومؤسساته
المختلفة وهذا يضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل هؤلاء الأسيرات
المحررات ، وبالتالي فهن بحاجة إلى دعم عاجل على كافة المستويات
والإتجاهات ، لإنقاذ حياتهن ومستقبلهن ليس من السجن والسجان فحسب ، وإنما
أيضاً من تجاهل المجتمع لتضحياتهن ومعاناتهن ، ومن الأمراض التي ورثونها
عن السجون ، وضرورة تذليل المعيقات التي تعترض اندماجهن في المجتمع".
وأكد فروانة بأن"الأسيرات المحررات يمتلكن إرادة صلبة ومعنويات عالية جداً
، ولم ولن يندَمنَ لبرهة واحدة على ما قدمتهن لأجل الوطن من تضحيات جسام
وسنوات طويلة من أعمارهن خلف القضبان ومعاناة لا توصف ، وإنما يخشون من
صعوبات الحياة ومعيقات الاندماج في المجتمع وانعدام فرص العمل وتوفير لقمة
العيش ، ونسيان الناس لمعاناتهن في الأسر ولا مبالاتهم بما تعرضن له من
تعذيب جسدي ونفسي ".
وناشد فروانة الجهات الفلسطينية الرسمية المعنية والمؤسسات المختصة
بالأسرى ، بالإضافة إلى المؤسسات التي تعنى بالمرأة بشكل عام في فلسطين
وخارجها إلى ضرورة دعم ومساندة الأسيرات المحررات من خلال :
- توثيق تجربة الحركة النسوية الأسيرة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي
بمآثرها ونضالاتها ، بإبداعاتها وصمودها وتضحياتها ، والاهتمام بابداعاتهن
الفنية والثقافية والإعلامية وانتاجاتهن اليدوية والأدبية بما فيها أدب
السجون للأسيرات والعمل على تجميعها وطباعتها ونشرها ، وصقلها وتطويرها .
- انشاء موقع ألكتروني يختص بشؤون الحركة النسوية الأسيرة داخل الأسر
وخارجه ، والبدء بالعمل لانشاء أرشيف وطني يتضمن قاعدة بيانات كاملة عن
كافة الأسيرات المحررات منذ العام 1967 ولغاية اليوم ، ومعلومات عن
أوضاعهن وظروفهن المعيشية والصحية ، وأشكال معاناتهن جراء الاعتقال وأبرز
احتياجاتهن ، فلا يعقل أن تفتقر مؤسساتنا الرسمية لقاعدة بيانات شاملة
بالرغم من مرور عقود الطويلة .
- الاهتمام بالأسيرات المحررات وضرورة خلق حاضنة لهن على كافة المستويات ،
والبحث عن آليات عملية لتكريمهن بالشكل الذي يليق بتضحياتهن الطويلة .
- توفير وظائف للأسيرات المحررات لمن يمتلكن المؤهلات والإمكانيات ، ودخل
مادي ثابت للآخريات يكفل لهن ولأطفالهن حياة كريمة بغض النظر عن فترة
إعتقالهن .
- مطلوب تعديل قانون الأسرى والمحررين بشكل ينصف الأسيرات المحررات .
- ضرورة منح كافة الأسيرات المحررات وبدون استثناء تأمين صحي حكومي وتوفير
الرعاية الصحية المجانية لهن بشكل دائم ، لاسيما وأن بعضهن يعانين من
أمراض خبيثة .
- البحث المتواصل عن إيجاد جهات عربية وإسلامية أو دولية لدعم مشاريع خاصة
بالأسيرات المحررات تهدف إلى تشغيلهن والاستفادة من إمكانياتهن واستثمار
طاقاتهن وابداعاتهن وتطويرها ، بما يساهم في تحويلهن إلى منتجات يعتمدن
لاحقاً على أنفسهن في توفير لقمة العيش واحتياجات الحياة الأساسية .
- على وسائل الإعلام المختلفة أن تبرز باستمرار معاناة الأسيرات المحررات
وما تعرضن له خلال اعتقالهن وما بعد تحررهن ، واحتياجاتهن ، حيث يُلمس
قصور بهذا الجانب لاسيما في إعداد التقارير والقصص الصحفية المقروءة ،
وأيضاً ضيق المساحة الممنوحة لهن في برامج الفضائيات الفلسطينية وربما شبه
معدومة .
- إعداد أفلام وثائقية توثق تجارب الأسيرات المحررات بالصوت والصورة خاصة
وأن التقارير المصورة شحيحة جداً ، وهذا من شأنه أن يسلط الضوء أيضاً على
معاناة الأسيرات اللواتي لا يزلن في سجون الاحتلال .
- كافة الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالمرأة ملزمة بايلاء جزء من
اهتماماتها ومشاريعها للأسيرات الفلسطينيات المحررات بشكل خاص وأن تساهم
في توثيق تجاربهن والعمل المستمر لمساندتهن ومساعدتهن في الإندماج وفي
إيجاد فرص التعليم والعمل لهن .
- مساعدة الأسيرات المحررات في تأهيلهن واندماجهن في المجتمع وتوفير فرص
عمل لهن وتقديم الدعم المعنوي والمادي والإرشاد النفسي والتأهيل المهني
لهن، حيث أن معاناتهن خارج الأسر توازي وربما تفوق عن معاناتهن داخل الأسر
، و يلاحظ غياب المشاريع والبرامج الخاصة بذلك .
أكثر من عشرة آلاف أسيرة منذ العام 1967
وذكر فروانة "أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ العام 1967 ولغاية الآن
اعتقلت أكثر من ( 10000 ) عشرة آلاف مواطنة فلسطينية من أعمار وشرائح
مختلفة حيث طالت الإعتقالات أمهات وزوجات وفتيات قاصرات وشقيقات لمعتقلين
..الخ ، ومن بينهن أكثر من ( 800 ) مواطنة اختطفتهن منذ بدء إنتفاضة
الأقصى في سبتمبر 2000 ، وأربع أسيرات منهن وضعن مولودهن خلف القضبان في
ظروف قاسية جداً ، ثلاثة منهن تحررن فيما لا تزال الأسيرة فاطمة الزق مع
مولودها " يوسف " الذي أنجبته في يناير من العام الماضي داخل السجن".
وتعتبر الأسيرة المحررة فاطمة برناوي التي اعتقلت أواخر عام 1967 هي أول
أسيرة فلسطينية ، فيما تُعتبر الأسيرة المحررة سونيا الراعي التي أمضت
أطول فترة هي عميدة الأسيرات " حيث أمضت ( 12 عاماً ) في سجون الاحتلال ،
أما الأسيرة أحلام التميمي فهي الأعلى حكماً ، حيث صدر بحقها حكماً بالسجن
( 16 مؤبداً ) ولا تزال في سجون الإحتلال الإسرائيلي .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/