الكاتب: ميريديث لي
يدرك إيريك غولدفارب أن التفاعل مع اللغة الجسدية وتعابير الوجه يمكن أن تشير إلى الأفكار والمشاعر التي لا يعبر عنها كلامياً. كذلك هو يعرف مدى صعوبة تفسير هذه الرسائل غير المحكية. فقد مر "فارب" بتجربة حية أثناء أحد اجتماعات مناقشة الميزانية، لاحظ فارب أن نائبة المدير كانت تعبث باستمرار بالقلادة التي تتزين بها . ظن الرجل أن هذه الحركة إنما تشير إلى عدم ارتياح نائبة المدير للهدف المالي الذي كان يقترحه. لاحظ عينيها أيضاً وظن أنهما تنمّان عن قلق بشأن الأهداف المالية. توجه لها بالسؤال عدة مرات أثناء الاجتماع ما إذا كانت راضية عن الأهداف الموضوعة، ولكنها كانت تجيب بثبات أن نعم، إلا أن غولدفارب لم يكن يصدقها؛ لذلك قام بجدولة اجتماع متابعة معها من أجل تحري مشاعرها بشكل أعمق. انتهى الاجتماع بإقرارها الموافقة على الميزانية. شعر غولدفارب أنه أضاع وقته ووقتها الثمين بتنظيم اجتماع المتابعة، وأنه انشغل بالاجتماع الأول بالأسئلة المتكررة التي لم يكن لها داع. ماذا يمكن أن يفعل غولدفارب ليكون أكثر دقة في تفهم مشاعر نائبة المدير؟
في بعض الأحيان يكون التحقق من تفسيراتك للغة الجسد عن طريق السؤال المباشر أفضل من المضي في البناء عليه:
في الواقع كان غولدفارب وهو CIO في شركة التدقيق المالي شولتز إنترناشيونال بارعاً في قراءة اللغة الجسدية وتعابير وجه نائبة المدير، ولكن باعتبار أن لغة الجسد لغة معقدة ليس من السهل تفسيرها، وقد تكون مضللة في بعض الأحيان، كماأن تعابير الوجه قد تستعصي على القراءة إذا لم تكن متمرساً بها، فقد كان غولد فارب بحاجة إلى المزيد من التركيز المباشر على الهدف الذي يصبو إليه، فعوضاً عن تكراره لسؤاله لها "هل أنت مرتاحة؟" كان بإمكانه أن يعرف حقيقة ما تفكر به بطريقة أكثر فاعلية كأن يقول لها: "إنه لأمر على جانب من الأهمية بالنسبة لي أن أعرف موقفك تجاه الميزانية. لا أقصد أن أكون فضولياً، ولكنني أود فقط معرفة ما إذا كان الشعور بعدم الارتياح الذي ألمسه من جانبك سببه هدف الميزانية المطروح، أم شيء آخر. إذا كان هو الاقتراحات التي تقدمت بها، فيمكننا أن نقوم ببعض التغييرات". لو قام غولدفارب بهذا لما اعتراه القلق واستمر في أسئلته المتواترة باعثاً برسالة إلى هذا الشخص –وهو من الموظفين الرئيسيين لديه- مفادها أنه لا يثق بها.
غالباً لا يبوح الموظف بحقيقة ما يشعر به تجاه وضع أو أمر معين يجد نفسه مضطراً للتعامل معه
إن قراءة تعابير الوجه وتفسير معاني التواصل غير المحكي على نحو دقيق تجعل من المدراء قادة أكثر فاعلية، وهذا تماماً ما يراه بول إيكمان "PAUL EKMAN" عالم النفس المعروف ومؤلف كتاب " قراءة الوجوه والمشاعر من أجل تواصل وحياة أكثر فاعلية وعاطفية". . تعتبر قراءة الوجوه مهارة مطلوبة لدى المدراء، ففي مكان العمل بالتحديد غالباً ما يخفي الموظفون في داخلهم مالا يبوحون به، أو يتكلمون بأمور لا تكشف عن حقيقة تفكيرهم. ولو أنه كان بإمكان التنفيذيين أن يدركوا الاختلاف بين المقولات وتعبيرات الوجه التي تنم عن حقيقة المشاعر الحقيقية لتمكنوا على سبيل المثال من معرفة متى يكون الفرد على وشك الدخول في المزاج الغاضب، كما أنهم سيكونون قادرين على الإحاطة بمحاولة الآخرين إخفاء مشاعرهم مثل الغضب، الدهشة، الاشمئزاز، المفاجأة...
هذه المعرفة، والمقدرة يمكن أن تجعل المدير أكثر إحاطة بالتوترات ا غير المحكية التي تعاني منها جلسات مجلس الإدارة عندما تناقش سياسات الشركة. كما أنه من الأفضل تزويدهم بما يمكّنهم من التعامل مع الأوضاع الحساسة للموظفين مثل مراجعة وتقييم الأداء..
قراءة الوجوه من أسرع الطرق لمعرفة انطباعات الآخرين عن طروحاتك
يقول إيكمان في إشارة إلى بعض الدراسات إلى أن المدراء المتجاوبين مع العواطف غير المحكية أكثر نجاحاً في مكان العمل من أولئك الذين لا يبدون تجاوباً معها.
أما غولد فارب فيعرب عن ضرورة امتلاك هذه المهارة بقوله: "نحن كمدراء تنفيذيين، نمضي ساعات عملنا في بيع وتسويق الأفكار ، والميزانيات، والمؤثرات، فأن نكون حساسين تجاه المعاني الحقيقية التي تحملها تعابير الوجه، الخادعة في بعض الأحيان، تعتبر إحدى الطرق السريعة للتمييز بين الحليف، والمصادق على مشروعاتنا، وبين من يمكن أن يكون مغتاظاً أو غير راض عن طروحاتنا".
اكتشف الحقيقة من تعابير الوجه
يقول إيكمان أنه في حين يصعب فك رموز تعابير الوجه لأنها سريعة التلاشي (لا تستمر في أي حال من الأحوال أكثر من 0.5 – 3 ثوان)، ولأن الأفراد يحاولون دائماً إخفاءها، فإنها تعتبر أوضح المؤشرات على ما يشعر به الإنسان، يقول: "الوجه هو النظام الوحيد الذي يخبرنا عن العواطف التي تجول داخل أحدنا". وهذا يعود إلى أن كل عاطفة لها إشاراتها الفريدة والتي يمكن قراءتها على الوجه. وبما أن كل نوع من أنواع االانفعالات له إشارته الخاصة التي تظهر على الوجه كنوع من أنواع التعابير الوجهية، فإن هذه التعابير تعتبر أكثر المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في تفسير الحالة العاطفية أو الشعورية للفرد من لغة الجسد.
إذا ما ابتسم لك مديرك دون أن تتقلص العضلات حول عينيه، فهو يحاول أن يكون لطيفاً فحسب..
يقول إيكمان أنه بإمكانك أن تتعلم قراءة الوجوه وإدراك ما يشعر به الآخرون من خلال معرفتك للكيفية التي تظهر بها مشاعرك أنت كفرد على وجهك. ينصح إيكمان الأفراد بالنظر إلى المرآة ووتذكّر أحد التجارب الشخصية التي مرت بهم فجعلتهم غاضبين، مسرورين، حزانى، أو خائفين، هنا يمكنك أن ترى كيف تتغير قسمات وجهك عندما تمر التجربة على ذهنك من جديد. هذا التمرين يجعلك تدرك حركات العضلات التي تعتبر أوضح المؤشرات على عاطفة معينة.
من جهة أخرى تعتبر دراسة بعض الصور التي تنم عن حالات نفسية معينة مفيدة في هذا المجال.. يمكنك أن تميز بين الابتسامة الصادقة والابتسامة الخادعة، بين الخوف والشجاعة المقنّعة، بين التملق والثناء الحقيقي... كما أنك ستعرف كُنه الابتسامة التي يرسمها المدير على وجهه، فإذا ما ابتسم لك مديرك دون أن تتقلص العضلات حول عينيه، فإنها لا تتعدى حدود المجاملة ...
استخدم معرفتك
تعلمت كيف تدرك بشكل تلقائي ودقيق المعاني التي تحملها التعابير الوجهية المختلفة، يمكنك الآن أن تقرر ما إذا كان بإمكانك أن تتعامل مع المعلومات التي تمكنت من الحصول عليها من خلال قراءتك للوجه وبأي طريقة.
على سبيل المثال: إذا تمكنت من التقاط علامات غضب (شفاه مرققة، حاجبان منخفضان، وجفنان مرتفعان) من فرد من أفراد طاقم العمل لديك بعد أن أخبرتها بأنها لن تتلق ترفيعاً هذه السنة ، وإذا كنت مهتماً بها وتريد أن تراها تتحسن، يقترح عليك إيكمان أن تقول لها: "أعرف أنها أخبار سيئة وأتوقع أن تكون محبطة. لدي انطباع بأنك كنت منزعجة وأنك كنت تتساءلين ما إذا كان من المجدي الكلام بهذا الشأن"، أو أن تقول ببساطة: "سأكون مسروراً لو تكلمت معك الآن أو في وقت لاحق تجدين نفسك مستعدة للكلام فيه بهذا الشأن". يحذر إيكمان من توجيه سؤال" هل أنت غاضب/ غاضبة؟" في وضع كهذا لأن هذا يفتح النار على المدير التنفيذي.
لا فائدة من المعلومات التي حصلت عليها من قراءتك لوجه الآخر إن لم تجد التعامل معها والاستفادة منها
إذا أبدت هذه الموظفة نوعاً من الخوف (الجفنين العلويين مرتفعين، الجفنين السفليين مشدودين، حاجبان مرفوعان ومقطبان)، يقول إيكمان أنها ربما تقول أنها قلقة على مستقبلها. هنا ينصح إيكمان المدير بأن يؤكد لها أن وضعها مستقر في الشركة، إذا لم يكن في خطر فعلاً، أو أن يناقش المساحات التي عليها أن تطورها لتحسين وضعها في الشركة.
إلا أن إيكمان يؤكد أنه عند دراستنا لتعابير الوجه علينا أن ندرك أنها لا تكشف عن ما يولد الانفعالات التي تترجمها التعابير، ما نعرفه فقط الانفعال الذي يحدث، وإذا أصبحت لدينا مهارة قراءة وجه الآخر فما سنعرفه هو الانطباع الذي تشكل عند هذا الفرد تجاه مواقفنا أو كلامنا له، وما هي المشاعر التي يحاول إخفاءها.
ما نريد قوله هو أننا سنكون في حال أفضل لو أننا منحنا مزيداً من الانتباه إلى ترجمة هذه التعابير وعرفنا كيف نتعامل معها من مما لو تجاهلناها.