المؤتمر السادس .. قفزة نوعية تحتاج للتطبيق
بسام صالح
يقولون
في علم السياسية ان الحرب تبدأ حيث تفشل السياسة، و بكلمات اخرى، الحرب هي
اللغة العنيفة للسياسة. اي عجز الدول عن تحقيق ما تصبو اليه بالطرق
الدبلوماسية. قد يختلف البعض في مفهوم الحروب وما تنتجها من مأسي على
البشرية، وعلى تعريف الحروب فمنها الحروب العدوانية ومنها ما اصبح يطلق
عليه الحروب العادلة وكلاهما ادعاء باطل فالحرب هي الحرب.
وهناك نوع اخر يطلق عليه حرب التحرير تخوضها الشعوب المقهورة والمحتلة ضد
قوى اجنبية استعمارية قامت باحتلال اراض الغير بقوة السلاح لنهب خيراتها
وثرواتها الطبيعية واستغلال مواقعها الجيوسياسية والعسكرية. ومهما اختلفت
المفاهيم فان الجميع لا يختلف في مفهوم ان الحرب هي تكملة عنيفة للسياسية
وهذه تشكل المرجعية لحل الخلافات بالطرق السلمية بين الدول المتحاربة.
الشعوب
المقهورة تنطلق في حروبها التحررية من مبدأ حقها بتقرير مصيرها بنفسها
وتختار الاسلوب الذي يناسبها، هناك من اختار الطريق السلمي في مقاومته
للوجود الاستعماري مثل الهند و تجربة المهاتما غاندي كانت ناجحة وارغمت
بريطانيا العظمى على الانسحاب من القارة الهندية وحصول الاخيرة على
استقلالها وحريتها. وسبق المهاتما غاندي، سيدنا المسيح عليه السلام بدعوته
لعدم اللجوء للعنف والمسالمة فان ضربك احدا على خدك الايمن فادر له
الايسر. وهناك شعوبا لجأت للعنف المسلح لتحقيق استقلالها وسيادتها ولكنها
لم تسقط خيار التفاوض، ومثال على ذلك الثورة الفيتنامية والثورة
الجزائرية، فمن لا يذكر المفاوضات الامريكية الفيتنامية في باريس بينما
كانت طائرات الفانتوم الامريكية تقصف بلا رحمة الشعب الفيتنامي بقنابل
النابالم المحرم دوليا، دون ان يثني ذلك هذا الشعب الصغير عن حقه في
مقاومة الاحتلال الامريكي، ودون التوقف عن التفاوض والمطالبة بالانسحاب
الامريكي عن الاراضي الفيتنامية، اصرار المفاوض الفيتنامي و وضوح برنامجه
واهدافه تكلل بالنصر والهزيمة والفرار المخزي لاخر جندي امريكي ومشهد طي
العلم الامريكي ومغادرة اخر طائرة هربا مازال مثالا تحتذى به الشعوب
المناضلة. وكذلك الحال مع الجنرال ديغول تحت ضغط المقاومة الجزائرية
ومفاوضيها على اصدار قراره بالانسحاب الكامل من الجزائر والتي كانت تعتبر
بالنسبة للفرنسيين احدى المقاطعات الفرنسية ولفترة تزيد على المائة عام.
الوضع
الفلسطيني وتجربته قد يختلف عن باق التجارب العالمية، فالشعب الفلسطيني
يخضع لاحتلال عسكري استعماري استيطاني اجلائي، وهي صفات فريدة من نوعها قد
تشابه ما قامت به طلائع الغرب عند اكتشافهم لامريكيا ضد السكان الاصليين
(الهنود الحمر) من عمليات ابادة جماعية، واحلال المنبوذين في الدول
الغربية محلهم، وهو ما يعرف اليوم بالولايات المتحدة الامريكية. ولكن
الفلسطينيين ليسوا هنودا حمرا ولن يكونوا، ذلك ان الحركة الصهيونية
واداتها العسكرية لم تتمكن خلال ما يزيد على ستة عقود من افناء الشعب
الفلسطيني على الرغم من المجازر المتعددة والمتنوعة والمستمرة التي ارتكبت
وترتكب بحقه يوميا، فمن محاولات التصفية الجسدية الى محاولات الابعاد
القسري الى الحصار السياسي والاقتصادي وانتهاءا بمحاولات الترويض والتدجين
وفرض نظام الابارتايد لم تفلح في اقتلاع شعلة المقاومة التي رسختها
انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من يناير عام 1965 .
الجدال الدائر بين مختلف التنظيمات والتيارات الفلسطينية حول المقاومة والتفاوض، يثير القلق بل الاشمئزاز في بعض
الاحيان كونه يصل حد التكفير والتخوين. والاكثر من ذلك انه يثير الاستياء
لدى جماهير الشعب الفلسطيني فمن يدعى المقاومة لا يقاوم ويتهم الاخر
باسقاط حق المقاومة ومن يدعى التفاوض لا يفاوض، ويتهم الاخر بالعبثية
والضائع الحقيقي هي القضية وجماهيرها المغيبة. منذ التوقيع على اتفاقيات
اوسلو والحالة الفلسطينية تسير من السيء الى الاسوأ. تغيرت حكومات
اسرائيلية وانظمة حكم في مختلف انحاء العالم وسقطت منظومات سياسية و فرضت
على العالم سياسة القطب الواحد والثقافة الواحدة ثقافة الاقوى التي تحاول
فرض نفسها ضمن سياسة العولمة والانفتاح والانهيار الاقتصادي، حروب في
افغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، هناك قوى نامية وصاعدة في الهند والصين
وامريكيا الجنوبية، عالم ملئ بالتناقضات تسوده حركة تغيير تصل لحد
الانقلاب. كل يضع استراتيجية لحركته ضمن هذه المتغيرات، ونحن عربا
وفلسطينيين اين نحن من كل ذلك؟
بلادنا
وثرواتنا وسياستنا يملكها الاخرون، شعوبنا مغيبة ومبعدة عن اي فعل سياسي
قادر على احداث اي تغيير ولو جزئي في الواقع الذي نعيشه. حكامنا مسلوبي
الارادة، وينفذون ما يطلب منهم حفاظا على امتيازاتهم وخوفا من انتفاضة
شعوبهم الجائعة والبائسة، وحتى النخب السياسية المعارضة كي تمارس دورها
بحاجة لموافقة القوة العظمى ورضاها، وهي ضائعة بين الاسلام السياسي
والاسلاموية واختفت او كادت، الاطروحات العلمانية واليسارية والتحررية،
وساد الانقسام والاقتتال الداخلي، ولم تعد هناك قضية مركزية الا بما يخدم
مصالح اطراف اخرى تخدم بصورة او باخرى الاحتلال او الاحتلالات وما اكثرها.
ضمن
هذا المشهد القاتم في عالمنا العربي والفلسطيني عقدت حركة فتح في مدينة
بيت لحم المحتلة مؤتمرها السادس بعد عشرين عاما من الغياب او التغييب.
ورغم اعتراض الكثيرين على عقده في الارض المحتلة، وكنت من بينهم، شاركت في
هذا المؤتمر باعتبار ان المشاركة هي معركة تثبيت المبادئ والثوابت الوطنية
الفلسطينية.
على
الرغم من الاوضاع السيئة التي سادت قبل انعقاده: حالة الشرذمة التنظيمية
وغياب القرار المركزي النابع عن قيادة مركزية موحدة، وما لحق بهذه الحركة
العملاقة من خسارتها في الانتخابات التشريعية، ناهيك عن حالة الانقسام
السائدة بين شطري الوطن، وازمة الحوار الوطني الذي يراوح في المكان. ومفاوضات
لا اول لها ولا اخر، واشاعات بان فتح اسقطت خيار المقاومة، بالرغم من كل
هذا فقد شكل انعقاد المؤتمر بحد ذاته اول نجاح لفتح بان جمع شملها،
لمناقشة واعية وصريحة وضعت امامها مصلحة القضية والحركة وخروجها موحدة
بعيدة عن الانقسامات والانشقاقات التي كانت تهدد الحركة، وبروح من
الديموقراطية المسؤولة فتحت ملفات كثيرة واحيلت اخرى للقيادة الجديدة للبت
فيها واتخذت قرارات سياسية وتنظيمية وادارية حددت مبدأ
المسؤولية والمحاسبة والتي غيبت لفترة طويلة، اعتقد ان المؤتمر السادس
عالج بنجاح ثلاث قضايا رئيسية كانت مطروحة على جدول اعماله. اولا تحديد
استراتيجية الحركة وبرنامجها المرحلي الذي يستند على الاهداف والمنطلقات
والمبادئ والاساليب النضالية التي حددها بوضوح النظام الاساسي للحركة
وبدون اي تغيير فيه، برنامج مرحلي يطالب باقامة دولة فلسطينية مستقلة
كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف،
ورفض يهودية اسرائيل، وتطبيق حق العودة بناء على القرار 194 . ثانيا اقر
المؤتر سقف زمني للمفاوضات وشروط استمرارها، والبدائل في حالة فشلها.
وتمسك المؤتمر بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل
المشروعة بما فيها حقه بالكفاح المسلح اضافة الى كافة اشكال المقاومة
الاخرى، الى المطالبة بالدولة الواحدة الديموقراطية. ثالثا التمسك بمبدأ
الحوار لانهاء حالة الانقسام بين شطري الوطن واستعادة وحدته الكاملة
سياسيا وجغرافيا.
اضافة
على ذلك فان البرنامج السياسي المقدم للمؤتمر والتعديلات التي اجريت عليه
في اللجنة السياسية شمل مختلف القضايا التي تواجه الحركة تنظيميا وسياسيا
واعلاميا وعلاقات خارجية وماليا وكيفية استنهاض الحركة واعادتها الى حضن
الجماهير الفلسطينية والعربية.
برنامج
طموح، لحركة تحرر وطني ضمن الظروف القائمة وتجربة السنوات الاخيرة
الماضية، قد لا تظهر نتائجه بالسرعة التي ينتظرها الجميع، اعتقد ان واجبنا
المنطلق من التزامنا الوطني يفرض علينا كما في السابق المشاركة الواعية
بالنقد والنقد البناء لعملية التطبيق الفعلي لما هو مكتوب والمطالبة
بتنفيذه فالنظرية جيدة اذا ما احسن تطبيقها.
كما ان اعضاء المؤتمر وجهوا نقدا لعدم تقديم
اللجنة المركزية تقرير سياسي يشمل تقييم للمرحلة السابقة خاصة منذ توقيع
اتفاقية اوسلو واسباب فشلها في الانتخابات البلدية والتشريعية وتحليل لما
حدث في قطاع غزة وعدم تقديم تقرير مالي يحدد اين ذهبت اموال الحركة
وممتلكاتها ومن يتحمل مسؤولية ذلك.
مؤتمر
"فتح" السادس يمكن ان يكون سهما مضيئا في الوضع القاتم السائد عربيا
وعالميا و يشكل قفزة الى الامام في اعادة ترتيب البيت الفلسطيني المتمسك
بالثوابت وبحقوقنا الوطنية الغير قابلة للتصرف وبحقنا في مقارعة الاحتلال
ومقاومته بكافة الاشكال، اذا ما صدقت النوايا اولا، واذا ما تمكنت القاعدة
الفتحاوية من فرض وجود تنظيمي فاعل قادر على المحاسبة وقادرعلى وضع النقاط
على الحروف لمنع اي انحراف عن الاتجاه الذي حدده المؤتمر، واعتقد ان نسبة
كبيرة ممن شاركوا في المؤتمر التزاما، بغض النظر عن المكان، بانه معركة
لتثبيت المبادئ والاهداف والمنطلقات الاساسية، سيبقوا كما كانوا جنودا
لفلسطين ولفتح ما دامت ديمومة الثورة وشعلة الكفاح المسلح.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/