انتهت مؤسسة الحق من جمع
وتدوين ودراسة مختلف الوقائع والمعلومات والشهادات التي قام فريق بحث
المؤسسة القانوني والميداني بالوصول إليها حول ظروف وملابسات وفاة المواطن
فادي حسني حمادنة البالغ من العمر 27 عاماً من سكان بلدة عصيرة الشمالية
قضاء نابلس، وذلك في مركز الاعتقال التابع لجهاز المخابرات العامة الكائن
في مركز الجنيد للأمن الوطني بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
وبهذا
الصدد تشير المؤسسة إلى قيامها بجمع العديد من الإفادات والشهادات من
أشخاص سبق واحتجزوا لدى المخابرات العامة في هذا الموقع تحديداً، فضلاً عن
إفادات وشهادات العديد من الأشخاص الذين تزامن احتجازهم مع المواطن حمادنة
في نفس موقع الاحتجاز، إلى جانب مجموعة من الإفادات التي تم الحصول عليها
من الأشخاص الذين لهم علاقة بالمتوفى من ذويه والمحيطين به وغيرهم من شهود
العيان على عملية الاعتقال ولحظة اكتشاف الوفاة.
كما قام طاقم
مؤسسة الحق القانوني بإجراء العديد من التحقيقات والتحليلات المبنية على
الوقائع الميدانية والدراسة التحليلية لكل المعلومات المتحصل عليها بهدف
الوصول إلى تصوّر أقرب ما يكون إلى الواقع والحقيقة، وليس هذا فحسب، بل
لجأت الحق في سبيل بناء تحليل استدلالي علمي ومنطقي ومهني مجرّد ومحايد
وعلى قدر عالي من النزاهة والشفافية، إلى الاسترشاد بآراء ذوي الخبرة من
الخبراء المشهود لهم في الطب الجنائي الشرعي المحليين والأجانب فضلاً عن
خبراء علم النفس، لتصل في النهاية الى بناء تصور وتقدير للحادث المؤسف
الذي أودى بحياة حمادنة.
ولكي ننشر هذه النتائج بدقة وموضوعية
للرأي العام، سنوضح بمتن هذا التقرير مختلف مراحل التحقيق التي قمنا بها،
سواء على صعيد التدخل لدى الجهات الرسمية أو على صعيد الوقائع التي قمنا
بجمعها والاستنتاجات التي خلصنا إليها بشأن وضع وظروف المواطن حمادنة منذ
لحظة اعتقاله ولغاية مفارقته الحياة.
وخصصت الحق الجزء الأخير من هذا التقرير لحصر وتلخيص مجمل المقترحات والتوصيات التي خلصت إليها بشأن هذه القضية.
أولاً: التحرك الذي قامت به مؤسسة الحق فور العلم بوفاة المواطن حمادنة
1.
بتاريخ 10/08/2009، وفور علم الباحث الميداني لمؤسسة الحق بوفاة أحد
المواطنين الموقوفين بمقر التحقيق التابع لجهاز المخابرات العامة الكائن
بمركز الجنيد التابع لقوات الأمن الوطني بمدينة نابلس، توجه للموقع
للاستفسار عن حقيقة الوضع وتحديد هوية المتوفى وعنوان أفراد أسرته للاتصال
بهم والحصول على المعلومات الشخصية وغيرها من التفاصيل المتعلقة بظروف
وملابسات توقيفه.
2. تم الاتصال بأسرة المتوفى للاستفسار عن ظروف
وملابسات توقيفه، بعد أن قمنا بإبلاغ وتعريف الأسرة بحقوقها القانونية
المكفولة وفق القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات السارية، وتحديداً
حقها في انتداب طبيب خاص لمعاينة وتشريح الجثة، خصوصاً وأن الأسرة لم تكن
مقتنعة برواية الجهات الرسمية التي أبلغت بها حول أسباب وظروف الوفاة.
3.
استفسرت الأسرة عن دور ومساعدة مؤسسة الحق في هذا الجانب، وهنا تم إبلاغها
بأن مؤسسة الحق على استعداد تام للتحرك والتدخل وتقديم العون المهني بما
في ذلك إحضار مختص في الطب الشرعي من الجهات التي تتعاون معها المؤسسة في
هذا المجال.
4. فور توكيل العائلة لمؤسسة الحق توجهنا بكتاب خطي
لوزير العدل الفلسطيني وكتاب خطي للنائب العام، طلبنا من خلالهما موافقة
هذه الجهات الرسمية على إشراك ممثل طبي عن العائلة في عملية فحص وتشريح
الجثة، وتم إبلاغهما عبر الاتصال الهاتفي أننا بصدد إحضار طبيب أجنبي.
5.
تلقت المؤسسة موافقة فورية من وزارة العدل والنائب العام، وأعربا عن
استعدادهما التام للتعاون معنا ومع أي جهة طبية ننتدبها، فضلاً عن
الاستعداد للتدخل وتقديم كل العون المهني والإجرائي والإداري لتمكين هذه
الجهات من القيام بعملها كما يقتضيه الواجب المهني.
6. طالبت الحق
النائب العام ووزير العدل بتأجيل التشريح لغاية وصول الطبيب المنتدب من
العائلة والذي يستغرق وصوله من يومين إلى ثلاثة أيام، ولكن تم القيام
بالتشريح بأمر من النيابة العامة في ذات اليوم (10/8/2009).
7.
اتصلت مؤسسة الحق مساء يوم 10/08/2009 بعدة جهات طبية دولية مشهود لها في
مجال الطب الشرعي الجنائي، وتلقت رداً فورياً من الطبيب الدنمركي الجنسية
الدكتور بيتر مايجند ليث، الذي يعمل نائباً لرئيس معهد الطب العدلي
الدنمركي، وعضو المجلس الاستشاري للطب العدلي الدنمركي، حيث تحرك من مكان
عمله في ذات اليوم متوجها إلى الأرض الفلسطينية.
8. فور وصول
الطبيب الدنمركي إلى مدينة رام الله، بعد عصر يوم 11/08/2009، عقدت جلسة
نقاش مع الطبيب لتوضيح بعض القضايا التي سعى إلى الاستفسار عنها قبل
انتقاله إلى مكان الحدث ومعاينته.
9. تم توجيه رسالة إلى وزير
العدل والنائب العام تعلمهم بوصول الطبيب وجاهزيته للشروع في المهمة التي
جاء لأجلها، وكرر الوزير والنائب العام تأكيدهما على الاستعداد للتعاون
وتسخير كل الإمكانيات المتاحة ووضعها تحت تصرف الطبيب.
10. في
حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء الموافق 12/08/2009، وصل
الطبيب الدنمركي إلى مدينة نابلس برفقة أحد موظفي مؤسسة الحق ومترجم، حيث
قام بزيارة مكان التوقيف ووفاة المواطن حمادنة وقام بإجراء معاينة دقيقة
للموقع بما في ذلك الحصول على توضيحات حول مكان العثور على الجثة، والشكل
الذي وجدت عليه، فضلاً عن الاطلاع على مختلف التفاصيل المتعلقة بحجرة
الاعتقال التي توفي فيها المواطن حمادنة، كما تم الإطلاع على محضر الكشف
والمعاينة الذي تم تحريره من قبل الجهات الرسمية، وبهذا الصدد تم إجراء
قياسات تفصيلية للحجرة والمرفق (دورة المياه) الملحق بها.
11. توجه
الطبيب بعد ذلك لمكان التشريح حيث قام بإجراء تشريح ثاني لجثة المتوفى
بحضور طاقم التشريح الأول، والمكون من مدير عام معهد الطب الشرعي في وزارة
العدل الدكتور زياد الأشهب إضافة إلى أطباء آخرين.
12. بعد معاينة
الطبيب الدنمركي للجثة وإجراء التشريح الطبي أوضح النقاط التالية في
اجتماع مع طاقم مؤسسة الحق ولاحقاً في تقرير التشريح:
· لا توجد
آثار للتعذيب على الجثة، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يؤكد من حيث المبدأ
انتفاء التعذيب، لكون الكثير من وسائل التعذيب أصبحت تتم دون ترك أي آثار
خارجية.
· كان الجهاز الهضمي للمواطن فادي خاليا تماماً من أي
بقايا طعام، ما يعني عدم تناول فادي للطعام مطلقاً منذ أربع إلى خمس أيام
وفق تقديرات الطبيب المبنية على أسس علمية في هذا الشأن.
· يتضح من
معاينة الجثة وجود غور على محيط العينيين، وجفاف واضح على صعيد الجسم،
نتيجة لعدم تناول المواطن للسوائل بكمية كافية قبل وفاته، ما أصاب الجسد
بهذه الحالة من الجفاف.
· تم إبلاغ الطبيب من قبل لجنة التشريح
الأولى باكتشاف قطعتين من الزجاج بحجم 1 سم تقريباً في المعدة وهي ظاهرة
في صورة الأشعة التي تم التقاطها قبل إجراء التشريح الأول، ولم يتم تحديد
مصدر ونوع هذا الزجاج أو تقديم تفسير لسبب وجودهما في معدة المتوفي.
·
سبب الوفاة وفق تقرير الطبيب ناتج عن الضغط على الشريان السباتي والعصب
المرافق له في الجهتين اليمنى واليسرى من الرقبة، ما يعني بأن المواطن قد
فارق الحياة نتيجة لرباط ضاغط وضع حول العنق (الشنق).
· أكد الطبيب بأن الشنق قد تم لشخص على قيد الحياة، ما ينفي شبهة الوفاة قبل الشنق.
·
تم إبلاغ الطبيب من قبل فريق التشريح الفلسطيني بأن هناك فحوصات مخبرية
لعينة من السوائل والأنسجة والأظافر، وبناء عليها سيتم تقديم تفسير نهائي
وقاطع لسبب الوفاة.
· حسب تحليل الطبيب للشكل الذي وجدت عليه الجثة
ومكان وجودها وطبيعة السحجات التي وجدت عليها، وربط ذلك بالمكان الذي
عاينه (الغرفة التي قيل له انه توفي فيها) يرجح الطبيب وقوع الشنق داخل
الحجرة التي كان يحتجز بداخلها، ودون تدخل خارجي، أو بعبارة أخرى يميل
لنفي وقوع الشنق بفعل فاعل خارجي.
· وقعت الوفاة حسب تقديرات
الطبيب ما بين الساعة الرابعة والخامسة من فجر يوم 10/8/2009، وذلك بناءً
على ما أفيد به من قبل لجنة الكشف الطبي الفلسطيني حول وضع الجثة ولونها
عند وصول طاقم الطب الشرعي إليها في مكان وفاتها.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/