غزة- فلسطين الآن- وكالات- يعيش أطفال فلسطين أوضاعا غاية في السوء جراء استمرار قوات الاحتلال في استهدافهم بالقتل أو الملاحقة أو الاعتقال، ما يترك في نفوسهم أثارا للصدمة وتشويه الشخصية والذات.. وتزداد أثار الصدمة لدى الأطفال المواليد الذين كتب القدر عليهم أن يولدوا داخل سجون الاحتلال أو أن يلحقوا بأمهاتهم الأسيرات.
ويبلغ عدد الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي كما يفيد نادي الأسير الفلسطيني بأكثر من 400 طفل أسير، من بين ( 7600 ) طفل وطفلة اعتقلوا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، بينما تذكر الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن أعداد الأطفال الفلسطينيين الأسرى تصاعدت بشكل حاد لتصل إلى 423 في نهاية شهر شباط، من ضمن قرابة ( 9000 ) أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي..
الأطفال المواليد
وخلال انتفاضة الأقصى وضعت 4 أسيرات مواليدهن داخل السجون ثلاث أطلق سراحهن وهن ميرفت طه (21 عاماً ) من القدس ووضعت مولودها البكر وائل بتاريخ 8 شباط/ 2003، والأسيرة المحررة منال ناجي محمود غانم (32 عاماً ) التي اعتقلت في 17 نيسان 2003 من منزلها في طولكرم وهي أم لأربعة أولاد، ووضعت مولودها نور بتاريخ 10-10-2003، وانفصل عنها بعد أن بلغ العامين ونيف من عمره، وأصبحت تراه من وراء زجاج عازل، إضافة إلى الأسيرة المحررة سمر صبيح التي وضعت مولودها براء داخل السجن..
ولا يزال الطفل "يوسف الزق" ابن الأسيرة الرابعة ـ (فاطمة يونس الزق) 40 عاماً من الشجاعية التي وضعت مولودها في السجن ـ يقبع مع والدته في الأسر التي اعتقلت بتاريخ 20-5-2007على حاجز بيت حانون (ايرز)، وكانت حينها الأسيرة( فاطمة الزق ) حامل في شهرها الثاني، علماً أن لديها سبعة أبناء..
ووضعت الأسيرة طفلها يوسف في 17/1/2008، في ظروف سيئة، وخلال فترة السجن تعرض الطفل الرضيع يوسف لازمة صحية، وارتفعت درجة حرارته إلى فوق الـ 40 درجة مما شكل خطورة على حياته، ورفضت إدارة السجن إخراجه إلى العيادة مما عرض حياته للخطر، وبعد عدة أيام وبعد تدخل مدير السجن بنفسه سمح للطفل بالخروج للعيادة والعلاج..
وهذه الأسيرة المحررة "سمر صبيح" من مخيم جباليا بقطاع غزة، والتي أنجبت أيضا ابنها براء داخل السجون الإسرائيلية، بعد اعتقالها وهي حامل في الشهر الثالث، بتاريخ 29/9/2005، من بيت زوجها الذي يسكن في مدينة طولكرم، وبعد 6 شهور من الاعتقال وضعت مولودها البكر براء في 30/4/ 2006، بعملية قيصرية، وأطلق سراحها بتاريخ 18/12/ 2007، بعد قضاء مدة محكوميتها البالغة 27 شهرا.
وتقول "سمر" لقد عانى طفلي من الحرمان خلال فترة السجن من أشياء كثيرة أهمها حرمانه من والده وأقاربه والألعاب حيث رفضت إدارة السجن إدخال الألعاب له، كما وكان عندما يمرض لا يتم تقديم العلاج اللازم له ولا يعطيه طبيب السجن سوى الاكامول السائل، إضافة إلى حرمانه من الشمس وانعدام التهوية في غرف السجن، وقد تأثر ابني براء بشكل كبير عندما خرجنا من السجن وكان لا يستطيع المشي على الدرج وكنت اضطر لحمله..
وتشير الأخصائية النفسية "لما عودة" والتي قامت بدراسة وعلاج عدد من حالات الأطفال الأسرى "إلى أن الأطفال المواليد داخل السجن أيضا يتعرضون لصدمة نفسية، وتكون تأثيراتها أكثر لعدم إدراك الطفل أبعاد ما يحدث معه وخلفياته مؤكدة أن الطفل يتذكر في سنواته الأولى تجربة الاعتقال ولكنه لا يستطيع التعبير عنها أو تفسير ما يحدث معه وتظل مخزنة كصدمة نفسية..
ويقول مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين والباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة إن ما يواكب نشأة الطفل في شهوره وسنواته الأولى يترك آثارها في صياغة سلوكه العام لاحقاً، والأطفال الذين ولدوا في الأسر أو الذين عاشوا الشهور الأولى من أعمارهم خلف القضبان، لا تزال صور القيود والأقفال والسلاسل المعدنية في مخيلتهم، ويميلون إلى اقتناء الأقفال والسلاسل المعدنية وإغلاق الأبواب.
أطفال لحقوا بأمهاتهم في السجون
وهناك العديد من الأمهات اعتقلن وتركن خلفهن أطفالاً رضع كما حدث مع الأسيرتين ( عطاف عليان، وخولة زيتاوى) اللتين اعتقلناص وتركناً خلفهما طفلتيهما عائشة وغادة، وبعد أن بلغت الطفلة عائشة العامين تم فصلها عن والدتها، وتسليمها إلى والدها، فيما تم الإفراج عن الطفلة غادة مع والدتها خولة لانتهاء محكوميتها..
أثار نفسية واجتماعية
وتترك فترة الاعتقال أو السجن أثارا عديدة على الأطفال، فالمعاناة والآلام تبقى مخزنة في ذاكرتهم ويصعب تجاوزها في حياتهم ما يستدعي إعادة دمجهم في المجتمع.. فهذا الطفل حاتم عبد الرحمن خليل من مخيم العروب، اعتقل بتاريخ 2/2/2006 وأفرج عنه مؤخرا يقول "بسجن الدامون أمضيت أربعة شهور، وكنت أحلم كل ليله تقريبا بالأهل ولما أصحى الصبح وأكتشف أنه حلم، وأحلم إني مروح وبلاعب أخوتي الصغار، ولما أفتح عيني الصبح ألاقي قدامي أربع حيطان، أظل مهموم".. فيما يقول الطفل عمر جمال، الذي اعتقل بتاريخ 15/5/2007 وأفرج عنه عن تجربة اعتقاله " كل ما كنت أتذكر التوجيهي أنجن..
وتقول المشرفة النفسية والاجتماعية في طاقم جمعية الشبان المسيحية برام الله "لما عودة" " تجربة الاعتقال سواء كانت قصيرة أو طويلة وكان بها تحقيق وتعذيب أو لم يكن تشكل صدمة نفسية للأطفال، وتسبب أعراضا لازمة نفسية مستقبلية وتضيف صعوبة ومفاجأة تجربة الاعتقال من ناحية ودخول الطفل في عالم المجهول خلال الاعتقال، كل ذلك يتخزن في العقل الخلفي للطفل، وتدور داخله صراعات كثيرة ما يؤثر على تعليمهم وعلى ذاكرتهم وانتباههم، إضافة إلى شعوره بالذنب لعدم قدرته على الرد على الجندي الإسرائيلي الذي اعتدى عليه، عدا عن شعوره بالخوف وفقدان الأمان والقلق المستمر..
ويشير المستشار القانوني للحركة العالمية للدفاع عن الطفل " خالد كزمار" إن أكثر شيء يعاني منه الأسرى الأطفال بعد خروجهم من السجن أن أجواء السجن غير الأجواء في الخارج فنجدهم وكأنهم في عزلة في البيت والمجتمع والمدرسة، فالإسرائيليون باتوا يركزون في تعاملهم وتعذيبهم على الجانب النفسي الذي بات الأطفال الأسرى يعانون منه بشكل كبير فالمجتمع يعاملهم على أنهم أبطال، ولكن أثار تجربة السجن تجعل هناك حاجة إلى إعادة دمجهم في المجتمع..
ويقول مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين "عبد الناصر فروانة" مع الأسف ينشأ ويقضي الأطفال الأسرى سنوات طفولتهم خلف القضبان، في سجون ومعتقلات هي أشبه بأن توصف "بمقابر الأحياء"، مؤكدا أن ما تقوم به سلطات الاحتلال بحق الأطفال الأسرى مخالفا للقانون الدولي وخصوصاً اتفاقية الطفل.