الله تبارك وتعالى حذرنا من أن نطلق ألسنتنا في ما لا خير لنا فيه لأنه أعلمنا في هذه الآية بأن علينا ملائكة يكتبون أقوالنا، وهؤلاء الملائكة لا يقتصرون على كتابة الأقوال، بل يكتبون الأفعال أيضاً، لكن الله تبارك وتعالى ذكر في هذه الآية أنهم يراقبون ما يخرج من فم الإنسان وذلك لأن أكثر أعمال الجوارح أعمال اللسان.
وهذه الآية معناها أن الملكين يكتبان ما يخرج من فم الإنسان مما هو ليس سبْق لسان، لأن سبق اللسان لا يدخل تحت التكليف، الله تعالى ما كلف عباده بالتحفظ من سبق اللسان بحيث لا يصدر منهم شيء، وإنما كلّفنا بأن نحفظ ألسنتنا من أن نتكلم بإختيارنا بما حرّم علينا.
فالملكان رقيب وعتيد، هذان كاتبان موكّلان بابن آدم لكل شخص من ذكر وأنثى، أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات، ثم هما يكتبان غير الحسنات والسيئات أي كل ما يخرج من فم الإنسان حتى قول الرجل: اعملوا لي شاياً أو اطبخوا لي كذا، كل هذا يكتبه الملكان، ثم تُرفع الحسنات إلى السماء والسيئات تُحفظ في مكان أمر الله أن تُحفظ به، وأما ما عدا الحسنات والسيئات مما ليس بحسنة ولا سيئة فهذا يُحذف ويُنسخ وتُثبت الحسنات والسيئات.
ثم ما كان سيئات فإما أن يتوب هذا العبد فتُمحى، وإما أن لا يتوب إلى الممات فتبقى في صحائفه حتى يجدها يوم القيامة فيراها ويقرأها لما يُعرض عليه كتابه.
وأما ما كان من الحسنات فإنها تُثبّت له ولا تُمحى إلى يوم القيامة إلا إن طرأ عليها ما يفسدها كالكفر، أما غير الكفر فلا شيء يمحو الحسنات كلها، حتى إن ما ورد في الحديث أن من ترك صلاة العصر حبط عمله، فمعناه فسد عليه نهاره ذلك الذي ترك فيه صلاة العصر التي هي أفضل الصلوات، معناه ذهب عليه الفلاح في آخر نهاره هذا، خسر آخر نهاره وليس معناه كل حسناته تذهب من أجل أنه ترك العصر، وذلك لأنه لا يمحو الحسنات كلها إلا الكفر.
وهذان الملكان الكريمان ما كان من القول يسمعانه فيكتبانه وما كان من الفعل يريانه فيكتبانه وما كان من الإعتقاد فإن الله تعالى يطلعهما لأنهما من أحبابه، الملائكة كلهم أحباب الله ما فيه عاص، كل منهم مطيع لأمر ربه