أقتل خالد...وثيقة متكاملة عن محاولة اغتيال فاشلة
صدر حديثاً عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» كتاب «أقتل خالد» للكاتب والباحث الأسترالي بول ماغوو (ترجمة مروان سعد الدين). يتمحور الكتاب حول المحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في «حماس» خالد مشعل عام 1997 وصعود الحركة منذ ذلك التاريخ إلى أن وصلت لتصبح الرقم الأصعب في المعادلة الفلسطينية، وربما في المعادلة الإقليمية.
مما جاء في مقدمة ماغوو لكتابه أنه في 25 سبتمبر (أيلول) من عام 1997، دس خمسة عملاء من جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» السّم لقائد «حماس» خالد مشعل في وضح النهار في أحد شوارع عمان، وكان هؤلاء العملاء دخلوا الأردن بصفتهم سياح بأوراق وجوازات سفر كندية. ودخلت الشخصية الفلسطينية المغمورة في حينه في غيبوبة، ذلك بعد إحباط محاولة فرار عميلين من الموساد وإلقاء القبض عليهما، واختباء آخرين في السفارة الإسرائيلية، وتم استدعاء قوات أردنية لمحاصرة المشتبه.
أصيب الملك حسين آنذاك بنوبة غضب عارم، وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى أزمة ديبلوماسية مع تدهور حالة مشعل الصحيّة بتأثير السم الغامض. ويتابع المؤلف أن الشرق الأوسط خشي من الأسوأ، عندما هدد الملك حسين بإلغاء معاهدة السلام الموقعة قبل ثلاث سنوات مع إسرائيل في حال مات خالد مشعل، وأعلن أنه إذا توفي الأخير ستموت عملية السلام معه، كذلك هدد الملك الأردني بشنق عميلي الموساد، لكن سلسلة من المفاوضات على مستويات عالية، توسط فيها بيل كلينتون شخصياً، أدت إلى تسليم الترياق المناسب وإنقاذ حياة مشعل.
السم القاتل
وصف الكاتب السلاح الذي تمت فيه محاولة الاغتيال بـ{الأداة الغريبة»، وهي سم من نوع خاص يمكنه قتل أي شخص في غضون 48 ساعة من دون أي أثر يمكن الكشف عنه عند تشريح الجثة. وبعد نجاة مشعل إثر حقنه بالترياق المضاد للسم الذي كان بحوزة عملاء الموساد أصبح رفقاء خالد يطلقون عليه لقب «الشهيد الذي لم يمت». ولقاء إطلاق سراح العملاء والمحاصرين في السفارة الإسرائيلية في عمان كان على نتنياهو دفع ثمن الأزمة الذي تسبب فيها مع الأردن، فكان إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين المعتقل في السجون الإسرائيلية آنذاك.
كانت هذه العملية مخالفة واضحة لاتفاق السلام الموقع بين الأردن وإسرائيل، ويكشف ماغوو أنها جاءت بعد بضعة أيام من إرسال الملك حسين خطة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص هدنة مدتها 30 عاماً مع الفلسطينيين تحظى بدعم جميع الفصائل الفلسطينية ومن بينهم «حماس». وقد اعتبرت العملية رفضاً فظاً وصريحاً للخطة، وعلى هذا الأساس جاء رد الملك حسين وحكومته قاسياً وحاسماً. بعد ذلك تدخل الرئيس الأميركي بيل كلينتون وزيارات سرية ليلية قام بها نتنياهو نفسه وشخصيات إسرائيلية بارزة من بينهم أرييل شارون، فاتجهت الأزمة نحو الحلحلة.
أما بالنسبة إلى نتنياهو، فكان هذا الموقف مدمراً للغاية، إذ كان شخصياً قد وافق على عملية الاغتيال في تحدٍّ للخطاب السري الذي أرسله الملك حسين قبل ستة أشهر من ذلك، وللمستشارين الأكثر حكمة داخل حكومته. وبهذا اكتشف الملك، بحسب ما ذكر آفي شليم، أن نتنياهو «كان مخادعاً وغير أمين ولا يمكن الاعتماد عليه البتة»، وهو رأي يؤكده ماك غيوف في أكثر من مكان. وكان من شأن تردي العلاقات مع الملك حسين تقويض مصداقية نتنياهو بين زملائه والمواطنين، وساهم ذلك بصورة مباشرة في هزيمته وانسحابه موقتاً من الساحة السياسية خلال أقل من عامين.
يتحمور الكتاب حول تلك الحادثة المأساوية، ويعيد الصحافي بول ماغوو بناء تاريخ «حماس» عبر مقابلات خاصة مع لاعبين رئيسين في الشرق الأوسط وواشنطن، وتتضمن معلومات عن مشعل الذي يبقى حتى هذا اليوم أحد أقوى الشخصيات وأكثرها غموضاً في المنطقة. وأبرز الشخصيات التي قابلها المؤلف مشعل نفسه ورندا حبيب مديرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية التي كانت أول من اتصل به مشعل لإبلاغه نبأ محاولة اغتياله. ويقدم ماغوو في كتابه استعراضاً لأعمال «حماس» السياسية
يمثل «أقتل خالد» وثيقة متكاملة عن محاولة اغتيال فاشلة وعواقبها غير المتوقعة على الشرق الأوسط، ويُعتبر القصة الأكثر دقة عن خالد مشعل و{حماس».
بعد إجراء لقاءات مع مشعل تجاوزت مدتها 50 ساعة يبدأ الكاتب بسرد السيرة منذ الولادة في سلواد في عام 1956 والانتقال من فلسطين، بسبب حرب 1967، إلى الأردن ثم الكويت، ويروي قصة تفوق مشعل في الدراسة وانتسابه إلى مدرسة الحكومة الكويتية للمتفوقين حيث بدأت تنمو فيه بذور التدين. ويؤكد ماغوو في كتابه أن مشعل كان شخصية مغمورة وغير معروفة تعمل في الظل، أي في مجال التمويل وجمع التبرعات لحركة «حماس»، ثم انضم بعد ذلك إلى لجنة مؤلفة من ثلاث رجال للإشراف على جناح الحركة العسكري «كتائب عز الدين القسام»، ومنذ ذلك التاريخ أصبح قائدها الفعلي من دون منازع.
نشوء حماس
يفيد الكتاب بأن نشوء «حماس» وظهورها جاء من خلال تشجيع إسرائيلي، إذ اعتقد الإسرائيليون أن منظمة أحمد ياسين الإسلامية الجديدة ستقوض ما كان دعماً مطلقاً للعقيدة العلمانية والقومية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولهذا سمحوا لما يقوم به الشيخ أحمد ياسين بالازدهار. فمنع الإسرائيليون مبادرات «فتح» ومنظمة التحرير الاجتماعية، بينما حصل إسلاميو «حماس» على موافقة رسمية لما أصبح بنية تحتية مبكرة لدولة ضمن الدولة، تتضمن مدارس وعيادات ومساجد وجمعيات خيرية ومراكز اجتماعية، تطورت جميعها لتؤلف شبكة إسلامية واسعة يتم من خلالها نشر فكر وتوجيه سياسي. في هذا السياق، يذكر المؤلف على لسان حاكم غزة العسكري الإسرائيلي قوله: «منحتني الحكومة الإسرائيلية ميزانية منحتها السلطة العسكرية للمساجد».
كذلك يعود بول ماغوو إلى بدايات «حماس» ونشوئها، فيشير إلى أن قصتها وإن بدأت مع نشاطات المجمع الإسلامي وأعمال الشيخ أحمد ياسين في غزة إلا أن جذورها تعود إلى «مشروع فلسطين الإسلامي» في الكويت، فمثلما كانت هذه الإمارة الصغيرة حاضنة لولادة المشروع الوطني الفلسطيني «فتح» ومنظمة التحرير بعدها، فقد كانت أيضاً الحاضنة التي تخمر فيها مشروع فلسطين الإسلامي، الرافض للحل العلماني الذي حملته منظمة التحرير الفلسطينية، كما اعتقد خالد عبد القادر مشعل (والد خالد مشعل) ورفاقه من رابطة فلسطين الإسلامية التي كانت حضن ولادة فكرة «حماس» مع عدد من الروابط الإسلامية الأخرى في أميركا وبريطانيا وغيرهما.
تمحورت الفكرة أكثر في ورقة عمل قدمها مشعل إلى ناشطين اجتمعوا في عمان بداية الثمانينات من القرن الماضي، وأدت إلى ولادة جهاز فلسطين وإن كان جزءاً من حركة الإخوان المسلمين في الأردن، فإخوان فلسطين كانوا يتبعون إخوان الأردن بسبب الاحتلال. جهاز فلسطين كانت مهمته تقديم الدعم إلى الجهود الخيرية، ثم العسكرية، عندما بدأ جيل من الشبان، خصوصاً داخل إخوان غزة بالتململ من طول أمد عملية الإعداد وبدأ يفكر بوسائل للمواجهة مع المحتل. كان هذا قبل اندلاع الانتفاضة الأولى وولادة «حماس» رسميا ًوظهور ميثاقها.
يُذكر أن مسؤولين إسرائيليين كثيرين ووسائل إعلام إسرائيلية كـ{جيروزاليم بوست» لم يرق لهم الكتاب فشنّوا حملة شعواء ضده وصلت إلى حد الدعوة إلى اغتيال الكاتب.