هل يوجد مشروع فكري سياسي فلسطيني ؟/أيمن
اللبدي
هذا السؤال له ما يبرره، ذلك أن أدنى مستوى للنظر
في حركة المسرح السياسي الفلسطيني، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، ربما منذ غياب القادة
الكبار والتاريخيين في الثورة الفلسطينية الثانية، وتحديداً في حركة التحرير الوطني
الفلسطيني «فتح»، من شهداء لجنتها المركزية وفي مقدمتهم الشهداء صلاح خلف، وخليل
الوزير، وخالد الحسن، وماجد أبو شرار، والعمل السياسي الفلسطيني قائم على ما يؤكد
انتفاء وجود مقومات استراتيجيا وطنية فلسطينية، بل وما هو أخطر من ذلك، الانسياق
إلى منظومة ردود الفعل وعزم القصور الذاتي معاً، في الأحداث السياسية، وفي الأزمات
تحديداً.
ربما كان ممكناً في فترة ما قبل مرحلة أوسلو، الوصول إلى عدة ملامح
لاستراتيجية فلسطينية تحكم العمل السياسي، وعلى امتداد محطات انتقال وتواصل العمل
الوطني، كان ثمة ناظم واحد يستخدم عدة أطراف معاً في إشارة إلى وجود هذه
الاستراتيجية وتعديلاتها، ولعل عمل المؤسسة السياسية الفلسطينية ممثلة بمنظمة
التحرير الفلسطينية، ودوائرها كان واحداً من هذه الأدلة، وبالقطع فإن حيوية النظام
السياسي الفلسطيني وحتى في أشد الأزمات حدة، كانت مكفولة ومؤكدة من خلال ضمانة
العمل المؤسسي هذا، رغم كل الاتهامات التي كانت ترد ضد انفرادية قيادة منظمة
التحرير، وتحديداً ضد الرئيس ياسر عرفات.
هذا التاريخ الغني بالشواهد، كان يتيح
المجال لاستقراء منظومة فكرية سياسية فلسطينية، هي الأساس في بناء الاستراتيجيا،
تعمل في الخفاء وتواصل السهر من أجل تنظيم ضربات القلب السياسي الفلسطيني، وهي تحقق
في ذات الوقت مسألة بنيوية أساس في مسألة الحماية والضمانة من جهة، وتوفير الآفاق
المفتوحة نحو التطور والإبداع في توفير اجتراحات ومخارج فاعلة لكل أزمة سياسية مهما
كانت شدتها، ومهما كانت درجة خطورتها، بحيث أن عناصر الشلل أو التخبط أو حتى
التمزّق، لم تكن مشاهدة لفترات طويلة مثلما هو حاصل عقب هذا ومشاهد هذه الأيام، هذه
النقطة بالذات تتكفل بالإجابة على سؤال مقلق آخر، يريد الاستفسار عن سبب الخلل في
أداء النظام السياسي الفلسطيني في أزمته الراهنة، هل هو بسبب عضوي فلسطيني، أي أن
الفلسطيني وصل مرحلة النهاية في الإبداع السياسي، أو وصل مرحلة اليأس وكلاهما مقلق،
أم أن السبب ليس عضوياً بالمرة، بل هو سبب طارئ نتيجة غياب المؤسسة، وغياب المشروع
الفكري السياسي.
غياب هذا المشروع وغياب المؤسسة هما السبب في نظرنا بالقطع،
والعوامل الطارئ الإضافية التي أسهمت في مزيد من الارتباك، عائدة إلى وصول جزء من
قيادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، على خيارات خاطئة، أنتجت في مرحلة حساسة
ضربة قوية وهزة عنيفة، على مشهد سياسي فلسطيني غير متزن ابتداءً ويعاني أصلاً من
غياب الضمانة وضعف المناعة والحصانة، نتيجة الأسباب الواردة أعلاه، هذه جميعاً أدت
إلى وصول المشهد السياسي الفلسطيني إلى مرحلة عنق الزجاجة في أزمته القائمة، بحيث
ظهرت المسألة برمتها وكأنها منتج جديد وتحوّل دراماتيكي على الوضع الفلسطيني نفسه،
وهذا الاستنتاج يحمل في طياته بذوراً من التشكيك القوية بمصداقيته، لأنه لم يختبر
حتى الساعة فيما كيف سيكون عليه الوضع، لو أمكن لمشروع فكري سياسي فلسطيني، مقترناً
بانتظام عمل المؤسسة السياسية الفلسطينية من جديد، أن ينهض ويبدأ في ممارسة دوره
الغائب، عندها فقط يمكن الاطمئنان إلى صحة مثل هذا الاستنتاج وليس قبل ذلك.
من
المهم التفكير بأن وجود السلطة الفلسطينية كمؤسسة جديدة، سواء في مرحلتها الأولى مع
مشروع الشهيد ياسر عرفات عقب أوسلو، أو في مرحلتها الثانية بعد استشهاده كما هو
قائم الآن، لا يحظى بعوامل فارقة قوية تجعل منه مرتكزاً أساس لتغليب انحرفات وسوالب
أدائه في ميزان التحليل، لفائدة الاستنتاج بأن وجوده ذاته يكفي مع توفر الصراع
المفتوح بين الفصائل الفلسطينية عليه، بديلاً عن أساس المشروع السياسي الفلسطيني،
هو وحده الكافي بنسف أية قوى مصححة أو عوامل معيدة للاتزان في الساحة السياسية
الفلسطينية، وفي النظام السياسي الفلسطيني، فهذه المؤسسة الجديدة، برغم قوة عوامل
الجذب والإغراءات «المصلحية» فيها، لن تكون في واقع الأمر مهما قيل عنها، بأكثر من
تلكم العوامل التي كانت متوفرة في مؤسسة (م.ت.ف)، بل الحقيقة أن هذه الأخيرة، كانت
دوماً تحظى بالعوامل الأكثر سطوة في أي مقاربة عادلة من هذا النوع، على الأقل لوجود
صفات الثورية وشرعيتها التي لا جدال حولها من جهة، ولتوافر عوامل الإجماع الوطني
والدولي حولها من جهة أخرى، ولامتلاكها وحدها كل كلمات السر الفلسطينية.
لا
يمكن إغفال دور المشروع الفكري السياسي، ولا دور المؤسسة إذا أريد لهذه القضية
الوطنية أن تبقى في مراحل أمان حقيقية، وهذه المسألة ليست فقط مهمة فصيل فلسطيني
بعينه، ولا هي مهمة ترفية لعدد من المفكرين والاستراتيجيين الفلسطينيين اليوم، بل
هي مهمة وطنية كاملة، سيما مع غياب وتبديل كبير طرأ على منظومة وفسيفساء العمل
المتقدّم في المؤسسات الفلسطينية العتيدة، وهذه المهمة هي وحدها الكفيلة بإخراج
الأزمة الفلسطينية من عنق الزجاجة، وهي وحدها الكفيلة بمواجهة كل الانهيارات الحادة
التي أصابت المشهد السياسي الفلسطيني وتراثه العريق، إلا إن كان هناك عقيدة جديدة
تتبنى استراتيجية جديدة يمكن تسميتها مثلاً «باستراتيجية العري التام الإرادية»،
فإن لم يكن هذا موجوداً، فإن لا مبرّر ينهض لغياب التفكير والشروع بإعادة التعريف،
والتقييم الشامل لما جرى في المرحلة السابقة على الأقل، والتقدم نحو مرحلة جديدة،
وعند إنجاز ذلك ولو افترضنا ذهنياً أنه تم إنجاز هذا في ذات هذه الحركة السياسية
القائمة اليوم، فإنه معها سيكون ممكناً مثلاً في مسألة الأداء - وهي أدنى المراحل -
متأتياً للمفاوض الفلسطيني أن يكون قد جلس وخلفه مقاومة فلسطينية، وأن يذهب ليقول
أن خلفه من لا يوافق على هذه التنازلات، وأن هناك حقاً خيارات حقيقية مفتوحة، أو أن
يجيب بأنه لا يستطيع عقد مؤتمر حسب الطلب، أو لا يستطيع اعتبار فصيل فلسطيني بأنه
عدو ومخرّب، أو لا يستطيع القفز عن إعادة تشكيل القدس وتهويدها، أو أن عدم التزام
الطرف الآخر سيقود إلى انهيار العملية، فالمسألة ليست مجرّد نقل الحديث باللغة
المنطوقة دون عضلات اللغة النافرة، ويصدّقه السامعون ويأخذون هذا بالاعتبار، مثلما
يصدّقون في مواجهة من يذهب ليقول أن لديه نائب أو اثنان يمكنهما الإطاحة بحكومته،
وهو لهذا يستولي على ضعف مساحة غزة اليوم لأنه مضطر! هذا مثال بسيط من مئات الأمثلة
التي يمكن سوقها على ما يفعله غياب المشروع الفكري السياسي، وغياب عمل المؤسسة
الناظمة.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/