قرصان سابق يعترف ..
كيف تدمر قروض أمريكا الدول النامية؟
محيط – سميرة سليمان
غلاف الكتاب
استضاف حزب التجمع بالقاهرة مؤخرا ندوة أقامتها دار الطنانى للنشر لمناقشة الطبعة العربية لكتاب "اعترافات قرصان اقتصادى: الاغتيال الاقتصادي للأمم" الذي وصفته نيويورك تايمز بأنه الكتاب الأكثر مبيعا، تأليف الخبير الاقتصادي جون بركنز.
الكتاب قام بترجمته إلى العربية كل من مصطفى الطنانى وعاطف معتمد، وكتب مقدمته شريف دولار، تناول الكتاب خلال 275 صفحة دراسة لفضح أساليب الهيمنة السياسية والاقتصادية والمالية.
إمبراطورية الدولار
أدار الندوة الناقد أسامة عرابي الذي قال في بدايتها: يقدم الكتاب شهادة حية لأحد عملاء وكالة الأمن القومي N S A أكبر وكالات الاستخبارات الأمريكية وأكثرها سرية، يقدم شهادة على آليات تخريب اقتصاديات العالم الثالث وطرائق إغراقها في المديونية والتبعية، خدمة لمصالح احتكارات الإمبريالية الأمريكية.
ويضيف: وكالة الأمن القومي الذي جند بها جون بركنز هي التي تعترض الإشارات اللاسلكية السرية على مستوى العالم وتنفذ عمليات التنصت في الخارج ، وكثيرا ما نجد الخلط بينها وبين وكالة الاستخبارات الأمريكية C I A على الرغم من أنهما وكالاتان مستقلتان حيث تنهض وكالة C I A لتنفيذ عمليات الاستخبارات في الخارج.
رحلة بركنز
يشير عرابي إلى أنه تم تجنيد جون بركنز عبر تخرجه في كلية إدارة الأعمال في بوسطن، حيث كان والد زوجته ضابطا في وكالة الأمن القومي N S A فجرى إلحاقه بفيالق السلام وهي إحدى مؤسسات الاختراق الأمريكي لدول العالم الثالث، وتتألف من مجموعة من الفنيين الأمريكيين الذين يقدمون للإعلام الأمريكي بوصفهم نخبة مثالية تتحلى بالروح النبيلة ونكران الذات من أجل العمل في مناخات صعبة لبناء مؤسسات اقتصادية و اجتماعية وحضارية للعالم المتخلف .
أما الوجه الحقيقي لها فهي أنها تعمل في إطار قانون الأمن المشترك بتمويل من الميزانية الفيدرالية تحت ستار برامج المساعدات الأجنبية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية.
لهذا عمل جون بركنز في الإكوادور لثلاث سنوات مع السكان المحليين في غابات الأمازون الاستوائية وجبال الإنديز، حيث يواجه يقاوم سكان الإكوادور شركتي نفط أمريكتين، وقد رفع بعض المحامين الإكوادوريين ومحام أمريكي من نيويورك أكبر دعوى قضائية بيئية في العالم ضد هاتين الشركتين لأنهما دمرا مناطق شاسعة من غابات الأمازون الاستوائية وألقيا 18 بليون جالون من النفايات السامة التي أصابت المواطنين الإكوادوريين بالسرطان وأمراض أخرى ذات صلة وثيقة بالتلوث.
نقل بعد ذلك بركنز إلى مؤسسة أمريكية خاصة أصبح فيما بعد رئيسها الاقتصادي وهي مؤسسة استشارية خاصة تعمل خارج بوسطن وتستخدم حوالي 2000 موظف، لتنهض بدورها في إغواء صفوة السياسة والمال وإفسادهم وتجنيدهم في دول العالم الثالث.
كانت مهمة جون بركنز على وجه الخصوص هي توجيه التحذير التالي لجيمي رولدوس رئيس الإكوادور وعمر توريخوس رئيس بنما: "اسمعا إذا دخلتما في لعبتنا فبإمكاني جعلكما وأسرتكما من أثرى أثرياء العالم، أما إذا رفضتما لعبتنا وناوأتما مخططاتنا ومشروعاتنا فسيكون مصيركما مصير اللنبي في تشيلي واريفنز في جواتيمالا ولوموبا في الكونغو".
وعندما أصر جيمي رولدوس رئيس الإكوادور على تأميم شركات النفط الأمريكية لقي حتفه في حادث طائرة مدبر عام 1981 وعندما علم عمر توريخوس بأنباء مقتل جيمي رولجز قال: "..سأكون التالي ولكنني جاهز للرحيل يكفيني أنني أعدت قناة بنما للبنميين". وبعدها بشهر لقي مصرعه بالطريقة ذاتها التي لقي بها جيمي رولجز حتفه.
إن من شروط دفع القروض التي تمنح للدول المدينة التي يقررها صندوق النقد والبنك الدوليان أن تذهب إلى الشركات الأمريكية لتنفق في مشروعات بنية تحتية كبيرة ومشروعات وشبكات طاقة وموانئ وطرق سريعة وهذه مشروعات لا تخلق تراكما نقديا قابلا للتوظيف ولكنها تسهم في خلق مشكلات تنموية جديدة تؤدي إلى تراجع النمو في القطاعات الاستراتيجية الأساسية وندخل هنا في حلقة ما يسمى جدولة الديون وفرض قروض أخرى جديدة أكثر إجحافا يأتي في مقدمتها فرض رقابة خارجية على سياسة العالم الثالث الاقتصادية والسياسية.
إن القانون الذي حكم عمل جون بركنز ونظرائه من وكالة الأمن القومي هو أن من لا يغريه المال إما أن يطاح به من الحكم وإما أن يغتال فإن لإمبراطورية الدولار إمبراطور واحد خالد ليس الرئيس الأمريكي بالطبع ولكنها الشركات متعددة الجنسيات.
على طاولة النقاش
جانب من المناقشة
ناقش الكتاب مفكرون اقتصاديون منهم د.فوزي منصور، د.محمود عبد الفضيل، والباحث مجدي صبحي ، و أوضح د.فوزي أن الكتاب هو تجربة شخصية لمؤلفه وليس كتابا أكاديميا حيث يبعد عن النظريات المتداولة عن الإمبريالية ، لقد كتبه من واقع تجربته الخاصة.
يحكي المؤلف كيف لقنته مدربته من المخابرات دوره الذي يتعين عليه القيام به، كما أوضحت له الدور الذي تضطلع به وكالة الاستخبارات الاقتصادية حيث أن دورها تزيين القروض التي يقرضها البنك الدولي لأهداف محددة ومنها أن تقع البلدان في الدين وتعجز عن الوفاء وتزداد خضوعا لأمريكا، التي تطلب منها بعد ذلك مطالبها المحددة مثل بناء قواعد عسكرية، أو أن تصوت الدولة التي تراكمت عليها الديون لأمريكا في الأمم المتحدة، أو أن تعطيها ممرات للبترول وهكذا.
وبالطبع لم يرفض بركنز في البداية التعاون مع تلك الهيئات لأنه يخدم وطنه أمريكا، لكن ضميره تيقظ من الممارسات التي رآها في البلاد المختلفة التي كان البنك الدولي يقدم لها قروضه ومن واقع معرفته بسياسات الإقراض التي كانت تفرضها أمريكا وبالأهداف التي تستهدفها منها.
ليست صحوة للضمير!
اختلف الباحث مجدي صبحي مع د.فوزي فيما قاله حول استيقاظ ضمير المؤلف، فهو يرى أن دافعه لكتابه هذا الكتاب كان إكراهه على حل شركته الخاصة التي تحقق نجاح، وبالتالي فقد تعرض شخصيا للخسارة .
ويؤكد أنه لا يجب على قراء الكتاب أن يصابوا بالإحباط والشك في أن كل المساعدات الخارجية من أجل التنمية الأساسية في بلدان العالم الثالث هي مجرد مؤامرة، والدليل على ذلك ما يعرضه المؤلف لمقابلته مع رئيس بنما حينما قال له الرئيس أن هدف هذه المشروعات هو سرقة بلادنا لتستفيد شركاتكم الأمريكية ولكني لن أوافق على مشروع بدون فائدة لبلادي.
ويضيف صبحي: من هنا نتأكد أن بنوك التنمية سيظل لها دور ولكن في إطار زعامة وطنية تعي ما هي مقبلة عليه، وتقف بوضوح على حاجة البلاد الفعلية لهذه المشروعات.
عملاء شركات الأمن
المفكر الاقتصادي د. محمود عبد الفضيل قال في البداية: لست بصدد محاكمة جون بركنز ولا التفتيش عما يدور داخل ضميره، فالكتاب يتحدث عن قطاع غير مرئي والأخطر من هذا الشركات الاقتصادية الكبرى في العالم وشركات الأمن مثل شركة بلاك ووتر في العراق.
فشركات الأمن الدولية موزعة عملائها في كافة بلدان العالم، وساهمت بشكل كبير في حدوث انقلابات في العالم مثل انقلاب جواتيمالا، انقلاب إيران، وانقلاب تشيلي.
بالإضافة إلى الخطط طويلة المدى ذات الإيقاع البطئ التي ينتج عنها تغيير المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
قروض مميتة
القروض بداية التدمير
"الدهاء الذي تتسم به الإمبراطورية الحديثة يتجاوز قوى الاستعمار الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فنحن -قراصنة الاقتصاد- على درجة عالية من الاحتراف، نحن اليوم لا نحمل سيوفا، ولا نرتدي دروعا، أو ملابس تعزلنا عن غيرنا".
هكذا يصف بركنز عمل قراصنة الاقتصاد، فقد كانت مهمته ومجموعته عقد شراكات مع دول من العالم الثالث لديها إمكانيات وموارد إستراتيجية، وإغراءها بالحصول على إقراضات ضخمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات من البنوك الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية، لمساعدة هذه الحكومات في إنشاء مشاريع بنى تحتية، أو الاستثمار في مشاريع ضخمة تحدد حسب قدرات وموارد كل دولة، كمشروعات استخراج البترول، وتصدير المحاصيل الزراعية، وإنشاء شبكات كهربائية وغيرها.
وفي حقيقة الأمر فإن الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو.
ويؤكد المؤلف أن مقياس نجاح الخبير يتناسب طرديا مع حجم القرض بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات!.
وفي هذا المقام يكشف المؤلف عن الجانب غير المرئي في خطة القروض والمشروعات، وهي تكوين مجموعة من العائلات الثرية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي داخل الدولة المدينة تشكل امتدادا للنخبة الأمريكية ليس بصفة التآمر، ولكن من خلال اعتناق نفس أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأمريكية، وبحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.
ويدلل المؤلف على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة سنوياً من مساعدات خارجية.
يعترف المؤلف أنه وزملاءه توصلوا إلى دفع الإكوادور نحو الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون.
لم يكن أمام الإكوادور لشراء ديونها سوى بيع غاباتها إلى شركات البترول الأمريكية حيث يكشف المؤلف أن هذا الهدف كان السبب الرئيسي في التركيز على الإكوادور وإغراقها بالديون نظراً لكون مخزون غابات الأمازون من النفط يحتوي على احتياطي منافس لنفط الشرق الأوسط.
صدام رفض الطعم
صدام حسين
يشير المؤلف إلى أن العراق كان يمثل أهمية سياسية كبيرة للولايات المتحدة، حيث يمثل العراق أكبر الدول امتلاكا للاحتياطي البترولي، بالإضافة لموارد المياه حيث الجزء الأكبر من نهري دجلة والفرات يمر في أرض العراق.
وفضلا عن البترول والمياه يحتل العراق موقعا إستراتيجيا بالغ الأهمية بمتاخمته لإيران والكويت والمملكة السعودية والأردن وسوريا وتركيا والخليج، وقربه من إسرائيل وجمهوريات الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فإن من يسيطر اليوم على العراق -كما يقول بركنز- يمتلك مفاتيح السيطرة على الشرق الأوسط.
ويؤكد بركنز على أنه كان بوسع صدام أن يوقع عقدا نهائيا لحكم بلاده بلا منازع، وتتغاضى واشنطن عن كونه حاكما طاغيا، أو أن يديه ملطخة بدماء القتل الجماعي.. كل ذلك مقابل اتفاقات تؤمن استمرار إمداد العراق لأمريكا بالبترول، أو السماح للشركات الأمريكية بتحسين أنظمة البنية التحتية العراقية، والأهم أن تدخل العراق الحظيرة الأمريكية.
يقول المؤلف : "وقد بدا جليّا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين أن صدام حسين لم يبتلع الطعم الذي وضعه قراصنة الاقتصاد، مما سبب لإدارة بوش الأب خيبة أمل كبرى، وبينما كان بوش يبحث عن مخرج من أزمته؛ قدم صدام حسين الحل على طبق من فضة بغزوه الكويت، وانتهز بوش الفرصة وأعلن الحرب على العراق، وكان النصر في العراق فرصة كبيرة لتحقيق أرباح خيالية".
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/