حوار القاهرة - نجحت العملية ومات المريض
فندق الانتركونتننتال بمدينة ناصر- في فندق فخم بكل معنى الكلمة، جلس وفد وحماس ووفد فتح بالانتركونتننتال، غرف
مريحة ونوافير مياه وبرك سباحة واراجيل وكل ما يشتهيه مواطن يريد ان يريح اعصابه، وبالصدفة كانت مدرسة امريكية تقيم احتفالا لطلبتها هناك، فضجت قاعات الفندق بالطلاب والطالبات الذين جاءوا باحلى "موديلات" الملابس العصرية ليحتفلوا ويرقصوا ما يجعل من الامر صورة سريالية تعبر عن اتساع الحياة.
سألت بكل حذر: هل أنتم متاكدون ان الوفود الفلسطينية تقيم في هذا الفندق؟ أجابني المضيف: بالتأكيد، وقد فهم استغرابي أو مقارنتي العابرة التي في النهاية لا تعني شيئاً سوى مشاغبات صحافي مراقب.
المتحاورون: رجال غلاظ، قساة قلوب، نجوا من براثن الموت باعجوبة، فحملوا على أكتافهم هموماً جعلت الشيب يخط في رؤسهم، وجوه قدّت من الحجر وصدور منتفخة بالحساب والعتاب، لوّعتهم شمس الحرية ولوحتهم في سمائها نائبات الزمان، رجال قد تخدعك ابتساماتهم اللطيفة ولكن كلماتهم سرعان ما تفضح أسراراً خبأتها عيونهم فتنزل على مسمعيك مثل اللظى.
هذا والد شهيد أو أكثر، وهذا ابن لشهيد وهذا استشهد معظم اصدقائه في التنظيم وهكذا، تذهب للتحدث معهم فتخرج الكلمات من أفواههم مثل الرصاص مع كل زفير أو تسحب منك أوكسجين الامل في كل شهيق، فتتحوّل الى مجرد مستمع تومئ برأسك احياناً للتضامن مع احزانهم أو ترفع حاجبيك في اشارة للاندهاش.
ضباط المخابرات المصرية الذين يعرفون أكثر من غيرهم تفاصيل التفاصيل عن هؤلاء وقضاياهم، قد غرقوا في التفاصيل فتراهم قد أصبحوا جزءاً من الحالة العامة، وإن كانوا يعتقدون أنهم قادرون على إحراز اي تقدم في اي مرحلة ما. انا لا اعتقد ذلك فقد اخطأت المخابرات المصرية اذ تدخلت كل هذا التدخل العميق في تفاصيل تفاصيل الحوار ما جعل القادة الفلسطينيين المتحاورين يعيشون شعور الاتكالية، فأصبح كل قائد فلسطيني يقول في قرارة نفسه ( المخابرات المصرية بتحل الموضوع ) وأعفوا انفسهم من لحظة القرار، واذا نجح الحوار سيقول هؤلاء القادة: نحن الذين نجحنا في انجاح الحوار واذا فشل الحوار سيقولون "المخابرات المصرية هي السبب".
وفد حركة فتح لا يزال يلعب دور محامي الدفاع ويرى في ذلك حقاً من حقوقه، فيما وفد حماس يلعب دور النائب العام ويريد أن يعرض لوائح اتهام، القاضي هو المخابرات المصرية، واذا سألتم عن المتهم فهو كل من عمل في جهاز الامن التابع للنائب محمد دحلان وكل من عمل في كتائب عز الدين القسام. لماذا؟.
الاجابة- لان هؤلاء هم المتهمون الطبيعيون في مثل هذه الحالة ولان متطبات السياسة أن تكون الامور على هذا النحو- فحين دب القتال والاصطدام بين البرنامجين السياسيين لفتح وحماس كان هؤلاء هم الذين تولوا التنفيذ والان على السياسيين ان يصلحوا ما افسدوه وعلى التنفيذيين ان يدفعوا ثمن اللعبة السياسية.
على طاولة صباحية وفي نقاش مع سمير مشهرواي وماجد فرج ود. سعدي الكرنز من وفد فتح، كان يجلس شخص يتسم بقوة الشخصية والذكاء يقدح من عينيه، ولاول مرة اتعرف عليه وكان اسمه سامي ابو سمهدانة وقد غادر غزة بعد القتال وانتقل للعيش في القاهرة، وصار النقاش احمى واقوى، وبالذات حول ضرورة ان يتفقوا وفورا على الحكومة وعلى المنظمة وعلى الانتخابات ولاحقا على البرنامج السياسي، ولكن وكما ينقل عن الموقف الجديد للادارة الامريكية فإنها تهتم بالبرنامج السياسي اولا.
فقلت للمشهرواي: ان الحوار فشل اذن؟، فقال: ابدا لم يفشل.
وعلى الطاولة الثانية قبالتهم مباشرة كان وفد حماس الغول والاشقر وعماد العلمي واسماعيل رضوان، وقال لي الدكتور خليل الحية: أن الحوار لم يفشل بعد- فسألت إذن ما الذي سيتجدد في 26 نيسان؟ هل ستغيرون موافقكم- الطرفان اجابا بالنفي!!! اذن كيف سينجح الحوار ؟.
بعدها التقيت بالعديد من الرموز السابقة في غزة، هذا اصابته رصاصة في رأسه وقطعت رجله، وهذا منهل نجل المرحوم موسى عرفات وهذا فلان وهذا علان وأنا أسأل واتابع، هل نجح الحوار ام فشل؟ واريد اجابة واضحة.
فجأة تدخل سامي أبو سمهدانة وقال لي انا ساعبّر لك عن الحالة بطريقة افضل- اكتب "نجح الحوار وفشل الاتفاق على طريقة نجحت العملية ومات المريض". وقد صدق في وصفه فأنا كنت فعلا ابحث عن هذه العبارة.
حزمت امتعتي وعدت راجعا اليكم لاكتب واقول مبروك نجاح الحوار- مبروك نجاح العملية.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/