فتح ما قبل المؤتمر السادس جدل للهروب من الاستحقاقات الكبرى
الكاتب : حسن حسين الوالي غزة فلسطين .ما بين تصريحات المؤكدين على موعد انعقاد المؤتمر السادس وأولئك الذين يضعوه في ثلاجة "حتى موعد غير محدد" ، وما بين القسمات والتقسيمات والحصص إقليمية وفئوية وأجيال وعسكر ومدنيين ...إلخ ، ومابين صراع المحاور والمراكز والتيارات والتحالفات التي تُعقد والصفقات التي تدار من خلف وأمام الكواليس.
وأمام حالات الاصطفاف التي فرضتها المصالح الذاتية في حين غاب هذا الاصطفاف في اللحظات التاريخية التي كانت الحركة في أمس الحاجة له .
هذه المقدمة وهذا الجدل قد يأخذ شكل كامن خفي أو الشكل العلني الظاهر إعلامياً أو حتى في الفعاليات التنظيمية التي لا يراد بها سوى وجه المؤتمر السادس .
في هذه الدوامة من الحراك والسعي المحموم إلى المؤتمر وما بعد المؤتمر غاب عن عدد كبير من الكادر الفتحاوي مجموعة من القضايا التي يجب الوقوف أمامها كاستحقاق لتطور الظرف الذاتي في الحركة أو كمتطلبات الظروف الموضوعية وما حدث من تطورات على كافة المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية .
فتح والإسلام
أولى هذه القضايا هي موقف الحركة من الدين وبالتحديد الإسلام فمنذ الانطلاقة الأولى للحركة أعطى الإسلام الحركة بعد إيماني وعقائدي ثبت عناصرها وحقق لها التفاف جماهيري واسع ومع مرور الزمن واستجابة لمتغيرات إقليمية وعالمية أخذت الحركة بالانزياح نحو المعسكر الشرقي حتى كان المؤتمر الرابع والذي شكل هيمنة للتيار اليساري على الحركة فكر و مؤسسات وسياسة .
وأتى بعد ذلك المؤتمر الخامس لم يحدث أي تغيير جوهري عما خرج به المؤتمر الرابع واستمر الحال من الناحية الفكرية والأدبية للحركة حتى هذه اللحظة فالهدف الثاني من أهداف الحركة ينص على " إقامة مجتمع تقدمي ثوري " .
هذه التقدمية والثورية التي لم تمكن فتح من النجاح في أول تجربة لها لإدارة مجتمع على أرض فلسطينية بعد أوسلو لأسباب عديدة منها الذاتي ومنها الخارجي .
والمسلكية الثورية الماوية التي تربى عليها المناضلون في القواعد والساحات والمعتقلات لم تتمكن من وضع جدار أخلاقي قادر على مواجهة مؤامرات الإفساد التي حيكت لتقع فيها الحركة أفراداً أو تنظيم .
هذا ناهيك بان معظم القواعد التي في الحركة والمناصرين خصوصاً في الوطن ارتبطوا بالحركة على أسس عقائدية أولاً و أسس نضالية ثانياً لأنها كانت البديل الوحيد للتنظيمات الشيوعية والماركسية التي كانت تعمل على ساحة العمل النضالي والوطني .
وأتت انتفاضة الأقصى عام 2000م وأبرزت التوجهات الإسلامية لأبناء حركة فتح والتي تم التعبير عنها بأشكال عديدة وفي مناسبات عدة ، في العمليات الجهادية والمهرجانات والمسيرات حتى في التشكيلات العسكرية التي أخذت مسميات دينية وعقائدية .
أما على الصعيد الموضوعي فإن هناك تغيير واضح في الوضع العالمي الجديد الذي خرج من خرافة تصادم الحضارات والصراع الدموي مع الإسلام إلى حالة الحوار والاحترام للدين الإسلامي فالقادم في العلاقات الدولية والنظام العالمي سيكون الإسلام فيه مركز أساسي وركيزة من هذا النظام .
فكيف ستستطيع فتح في مؤتمرها السادس التعامل مع هذا الظرف الذاتي وحالة الاستيقاظ الديني الذي تعيشه قواعدها أو الظرف الموضوعي وتحول الإسلام لجزء من النظام العالمي ومنظومة العلاقات الدولية وهي الحركة التي تستمد اسمها من مفردات القرآن الكريم وبيانها العسكري الأول بدأ بعبارات " إتكالا منا على الله ....." ورمزها الشهيد أبو عمار استشهد و شفتاه تنطقان بعد الشهادة بالآية الكريمة " ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة "
فتح والمقاومة
سر انبعاث فتح هو تبنيها الكفاح المسلح بحيث قدمت للجماهير المقهورة المهزومة التي تعيش مرارة الذل فلسطينيين وعرب قدمت لهم بديل عملي يقدم ردود على هذه الهزيمة والتشرد و تغول الاحتلال الصهيوني في الأرض والإنسان والكرامة فمضت فتح على طريق التحرير بشتى الوسائل لتخوض حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد والتي كان في طليعتها الكفاح المسلح على قاعدة البندقية تزرع والعمل السياسي يحصد والبندقية الغير مسيسة قاطعة طريق وغير ذلك من الشعارات والمواقف .
فتصدت بذلك لمخططات الكيان الصهيوني ووجهت له ضربات موجعة ووسعت قاعدة المشاركة الفلسطينية ضمن إطار نضالي موحد متمثل بـ م ت ف حتى اعترفت الأنظمة العربية والعالم بإستقالية الكينونة والتمثيل الفلسطيني وأخذت فتح وم ت ف تشقان طريقهما ضمن النظام العالمي وفق مسار سياسي كان يسير بشكل متواز مع المسار المقاوم والكفاحي .
ومع تقدم المسيرة السياسية بات من الجلي جداً بان ثمن التقدم في المسار السياسي يجب أن يكون على حساب المسار الكفاحي و اتضح ذلك بصورة واضحة جداً ضمن اتفاقيات اوسلوا والتي كان يجب أن تفضي لدولة فلسطينية جارة لإسرائيل لا تؤمن بالعنف ولا الإرهاب وهما التوصيف الرسمي العالمي للمقاومة والكفاح والنضال التي هي حق من حقوق الشعوب المحتلة وبالتالي يجب على غزة او أريحا أن تعيشا التعايش وتزرعا بذور السلام SEEDS OF PEACE.وإن كانت جنين تعيش العدوان ويزرع فيها بذور الحرب SEEDS OF WAR .
كما يجب علينا أن نؤكد على حسن النوايا وبأننا لا نؤمن إلا بالمفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات وأن ما دون ذلك هو عبثي وحماقة ويقود إلى الهاوية .
هذا المسار والحالة من السياسة رفضها المنطق والوجدان والتاريخ والجغرافية وحتى المصلحة الفلسطينية .
وإن لم يفعل الفلسطيني ذلك فإن الطرف الشريك في معركة السلام وصولات المفاوضات أعلن عن رأيه الرافض لهذه المعادلة قولاً ورأي عام وقتلاً وعدواناً فهو غير مجبر على إعطاء أي شيئ وهو المتمتع بالغطرسة والقوة العسكرية والهيمنة .
وبهذا فتح في مؤتمرها السادس تقف أمام هذه الاستحقاقات ويجب أن يتساءل الجميع إذا أردنا أن نحافظ على طليعتنا في قيادة هذا الشعب ألا يجب أن نعيد قراءة وتقييم لهذا الأمر ونؤكد على خيارنا الإستراتيجي في الكفاح المسلح والمقاومة بكافة أشكالها وان يكون موقفنا لأول مرة بمستوى الأنظمة العربية التي هددت بسحب المبادرة العربية .
إن طرحي لهاتين القضيتين الهامتين يأتي في إطار الخوف على الحركة التي منحناها ربع قرن من عمرنا ولم نشكوا أو نتألم بل كنا سعداء لأننا كنا نؤمن أولاً بنورانية الأفكار الثورية التي تحملها وثانياً عظمة ورمزية قائدها أبو عمار وصحبه في جنان النعيم .
هذا الخوف والحرص يتطلب وقفة صادقة شجاعة في المؤتمر السادس وقبله وبعده لحماية هذه الحركة ليس أشخاص أو هياكل بل فكر ورسالة ووعي ينبع من إيمان صادق برب العالمين والتزام بديننا السمح وإدراك لحقيقة الصراع مع هذا الكيان المتغول على أرضنا المباركة واستيعاب لما تمر به المنطقة والعالم من متغيرات سألين الله عز وجل أن تهتدي الحركة لما فيه خير الجميع ويحمل أمانتها الصادقين المخلصين العالمين العاملين
حسن حسين الواليغزة فلسطين
30-03-2009م