رضا البطاوى المشرف المميز
عدد الرسائل : 4299 العمل/الترفيه : معلم نقاط : 19247 الشهرة : 3 تاريخ التسجيل : 07/03/2011
| موضوع: قراءة في كتاب التحقيق فيما نسب إلى آدم وحواء في قوله تعالى " فلما آتاهما صالحا " الخميس 15 يونيو - 12:52 | |
| قراءة في كتاب التحقيق فيما نسب إلى آدم وحواء في قوله تعالى : { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما } المؤلف أحمد بن عبد العزيز القصير والبحث يدور حول هل المقصود في الآية بالزوجين آدم (ص) وزوجته أم غيرهما وفى هذا قال : "فهذا بحث في التحقيق فيما نسب إلى آدم وحواء (ص) في قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } " واستهل البحث بذكر الآية المذكورة: "المبحث الأول : ذكر الآية الواردة في المسألة : قال الله تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون }" وأما الحديث المفسر للآية فهو : "المبحث الثاني : ذكر الحديث الوارد في تفسير الآية : عن سمرة بن جندب عن النبي (ص)قال :" لما حملت حواء، طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال : سميه عبد الحارث؛ فإنه يعيش؛ فسموه عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره "والحديث صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي :" حسن غريب ،لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمر بن إبراهيم ، عن قتادة . ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه عمر بن إبراهيم شيخ بصري ". قلت : الحديث لا يصح مرفوعا، وهو معلول من أوجه ، وهاك تفصيلها : العلة الأولى : أنه من رواية " عمر بن إبراهيم " وهو : العبدي أبو حفص البصري ، صاحب الهروي ، وهو ضعيف في روايته عن قتادة . قال الإمام أحمد : يروي عن قتادة أحاديث مناكير يخالف. وقال ابن عدي: يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها ، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال: يخطئ ويخالف ، وذكره في الضعفاء فقال: كان ممن يتفرد عن قتادة بما لا يشبه حديثه؛ فلا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد ، فأما فيما روى عن الثقات فإن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأسا . انظر : تهذيب التهذيب (7/373). وقد توبع عمر بن إبراهيم في روايته عن قتادة من طريقين ، غير أنهما لا يصح اعتبارهما: الطريق الأول: أخرجه ابن مردويه [ كما في تفسير الحافظ ابن كثير (2/286)] من حديث المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن سمرة ، به مرفوعا. والمعتمر هو : ابن سليمان بن طرخان . والإسناد رجاله ثقات ؛ إلا أني لم أقف على الرواة بين ابن مردويه ، والمعتمر . الطريق الثاني: أخرجه ابن عدي في الكامل (3/298) من طريق سليمان الشاذكوني ، عن غندر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، به . مرفوعا . قال ابن عدي :" وهذا من حديث شعبة، عن قتادة منكر، لا أعرفه إلا من حديث الشاذكوني، عن غندر، عنه، وإنما يروي هذا عن قتادة : عمر بن إبراهيم ". والشاذكوني هو : سليمان بن داود المنقري نسبة إلى منقر بن عبيد بن قيس بن غيلان البصري، قال البخاري: فيه نظر. وكذبه ابن معين في حديث ذكر له عنه، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة ، وقد ساق له ابن عدى أحاديث خولف فيها ثم قال: وللشاذكونى حديث كثير مستقيم، وهو من الحفاظ المعدودين، وما أشبه أمره بما قال عبدان: ذهبت كتبه فكان يحدث حفظا فيغلظ. انظر: لسان الميزان (3/8485) العلة الثانية : أن الحديث قد روي من قول سمرة موقوفا عليه. أخرجه ابن جرير في تفسيره (6/144) قال : حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه قال : حدثنا أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن سمرة ، أنه حدث : أن آدم (ص)سمى ابنه عبد الحارث . وأخرجه عن محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي العلاء ، عن سمرة قال : سمى آدم ابنه عبد الحارث . وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/83) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، حدثني عمران ، عن عقبة ، عن قتادة ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن سمرة قال: سمياه عبد الحارث ، في قوله: { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } . والأثر صحيح من رواية ابن جرير . العلة الثالثة : أن في سماع الحسن من سمرة خلاف مشهور بين علماء الحديث ، ثم هو مدلس ولم يصرح في هذا الحديث بسماعه من سمرة ، قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/281):" كان الحسن كثير التدليس ؛ فإذا قال في حديث ( عن فلان ) ضعف احتجاجه ". العلة الرابعة : أن الحديث قد روي عن أبي بن كعب من قوله ، وهذا يدل على أن أصله من الإسرائيليات المتلقفة عن مسلمة أهل الكتاب . أخرج أثر أبي : ابن أبي حاتم في تفسيره (5/1633) قال : حدثنا أبى، ثنا أبو الجماهر، أنبا سعيد بن بشير، عن عقبة، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال:" لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال: أتطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سميه عبد الحارث، فلم تفعل، فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثم حملت الثالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة، فهيبهما فأطاعاه ". والأثر في إسناده: " سعيد بن بشير الأزدي ، أبو عبد الرحمن " وهو ضعيف ، كما في التقريب (1/284). العلة الخامسة : أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه ، وقد فسر قوله تعالى: { جعلا له شركاء فيما آتاهما } فقال: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم . وعنه قال : عني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده . وعنه قال : هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا . ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/286) من طرق عنه ، ثم قال :" وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسر الآية بذلك ، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله (ص)لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم، مثل كعب أو وهب بن منبه، وغيرهما ". النتيجة : أن الحديث لا يصح رفعه للنبي (ص)، وقد ضعفه الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/286) ، والألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (1/516) ، حديث (342). وقد ذكرا بعضا من العلل التي أوردتها ، فانظرها في كتابيهما المذكورين آنفا ." وبهذا الكلام الرواية باطلة الأسانيد وفى المبحث الثالث تحدث عن مذاهب العلماء في تفسير الآية والرواية حيث قال: "المبحث الثالث : ذكر مذاهب العلماء في تفسير الآية والحديث : اتفق المفسرون على تنزيه مقام آدم (ص) من الشرك ، وأن ذلك لم يقع منه ، ولا من الأنبياء قط ، وقد عدوا هذه الآية والحديث الوارد في تفسيرها من مشكلات التفسير، ولهم في تأويلهما أقوال خلاصتها راجعة إلى مذهبين : الأول : مذهب قبول الحديث ، وإجراء الآية على ظاهرها في قصة آدم وحواء : وهذا رأي الجمهور من المفسرين، حيث ذهبوا إلى أن الآية معني بها آدم وحواء (ص) حيث سميا ابنهما عبد الحارث . روي ذلك عن : أبي بن كعب ، وسمرة بن جندب ، وابن عباس رضي الله عنهم ، وعن عكرمة، ومجاهد ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وبكر بن عبد الله المزني . وهو اختيار جمع من المفسرين كما سيأتي ذكرهم . واختلف هؤلاء في معنى الشرك المضاف إلى آدم وحواء (ص) على أقوال : القول الأول : أنه كان شركا في التسمية ، ولم يكن شركا في العبادة . وهذا هو المروي عن : قتادة ، وسعيد بن جبير ، والسدي . واختيار : ابن جرير الطبري ، وأبي المظفر السمعاني ، والبغوي ، وابن عطية ، وابن الجوزي والسيوطي والآلوسي ، والإمام محمد بن عبد الوهاب وعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ قال البغوي :" جعلا له شريكا إذ سمياه عبد الحارث، ولمن يكن هذا إشراكا في العبادة، ولا أن الحارث ربهما؛ فإن آدم كان نبيا معصوما من الشرك، ولكن قصد إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة أمة، وقد يطلق اسم العبد على من يراد به أنه معبود هذا، كالرجل إذا نزل به ضيف يسمي نفسه عبد الضيف، على وجه الخضوع، لا على وجه أن الضيف ربه، ويقول للغير أنا عبدك، وقال يوسف (ص) لعزيز مصر: { إنه ربي أحسن مثواي } ولم يرد به أنه معبوده، كذلك هذا ". القول الثاني : أنه كان شركا في الطاعة ، ولم يكن شركا في العبادة . وهذا هو المروي عن : ابن عباس ، وقتادة . القول الثالث : أن الإشراك وقع من حواء لا من آدم (ص)، ولم يشرك آدم قط ، وأما قوله: { جعلا له شركاء فيما آتاهما } بصيغة التثنية فلا ينافي ذلك؛ لأنه قد يسند فعل الواحد إلى الاثنين ، بل إلى جماعة ، وهو شائع في كلام العرب . وهذا قول القنوجي . واعترض : بأن الله تعالى قال : { جعلا } حيث نسب الجعل إليهما ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره ، وبأن آدم (ص)قد أقر حواء على ذلك ، وبأن في حديث سمرة التصريح بأنهما سمياه بذلك معا. أدلة هذا المذهب : استدل القائلون بأن الآية معني بها آدم وحواء (ص) بأدلة منها : الدليل الأول : حديث سمرة ، حيث أورده أصحاب هذا المذهب وجعلوه عمدة في تفسير الآية ، وقد صرح بعضهم بصحته، والبعض الآخر أورده وسكت عنه، وهو مشعر باعتماده له. الدليل الثاني : أن هذا المذهب هو المروي عن سمرة ، وأبي بن كعب، وابن عباس رضي الله عنهم ، ومثل هذا لا يقال بالرأي ، فدل على أن للقصة أصل ؛ فيكون لها حكم الرفع . الدليل الثالث : إجماع الحجة من أهل التأويل على أن المعني بالآية آدم وحواء . حكى الإجماع ابن جرير في تفسيره." وناقش الرجل الأقوال فقال : "الإيرادات والاعتراضات على هذا المذهب : اعترض على هذا المذهب بقوله تعالى في آخر الآية : { فتعالى الله عما يشركون } بصيغة الجمع ، فلو كان المراد آدم وحواء (ص) لقال : يشركان ، بصيغة التثنية ، وفي هذا دلالة واضحة بأن الآية معني بها الذرية لا آدم وحواء . وقد أجاب بعض أصحاب هذا المذهب عن هذا الاعتراض : بأن آخر الآية معني بها مشركو العرب من عبدة الأوثان، وأن الخبر عن آدم وحواء قد انقضى عند قوله: { جعلا له شركاء فيما آتاهما } . وهذا رأي ابن جرير الطبري ، والسيوطي ، وهو المروي عن السدي ، وأبي مالك . المذهب الثاني : مذهب تضعيف الحديث ، وتأويل الآية في غير آدم وحواء: حيث ذهب آخرون إلى تضعيف حديث سمرة ، وأن الشرك المذكور في الآية معني به غير آدم وحواء (ص). واختلف هؤلاء بالمعني به على أقوال : القول الأول : أن الشرك نسب إلى آدم وحواء ، والمعني به أولادهما ، كاليهود والنصارى ، والمشركين . وآدم وحواء بريئان من الشرك ، والآية فيها انتقال من ذكر النوع إلى الجنس؛ فإن أول الكلام في آدم وحواء ، ثم انتقل الكلام إلى الجنس من أولادهما . وقد اشتهر هذا القول عن الحسن البصري . وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات عنه . قال الحسن في تفسير الآية :" كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم ". وعنه قال :" عني بهذا ذرية آدم من أشرك منهم بعده ". وعنه قال :" هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا ". واختار هذا القول جمع من المفسرين ، والمحققين ، منهم :الزمخشري ، وأبو عبد الله القرطبي، والنسفي ، وابن جزي ، وابن القيم ، وابن كثير ، والثعالبي ، وأبو السعود ، والمباركفوري ، والسعدي ، والشنقيطي . قال الزمخشري في قوله تعالى : { جعلا له شركاء } : " أي جعل أولادهما له شركاء ، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وكذلك فيما آتاهما ، أي آتى أولادهما ، ....وآدم وحواء بريئان من الشرك ، ومعنى إشراكهم فيما آتاهم الله : تسميتهم أولادهم بعبد العزى ، وعبد مناة ، وعبد شمس ، وما أشبه ذلك ، مكان عبد الله ، وعبد الرحمن ، وعبد الرحيم ". وقال الحافظ ابن كثير :" وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ، .... فذكر آدم وحواء أولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس ؛ كما في قوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين } وقال تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين }، ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها ، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والله أعلم ". واعترض على هذا القول : بأن فيه تشتيت للضمائر ، والأصل اتساق الضمائر وعودها لمذكور واحد . القول الثاني : أن الآية معني بها المشركون من بني آدم عموما ، وليس فيها تعرض لآدم وحواء بوجه من الوجوه . وهذا اختيار : النحاس، والقفال ، وابن حزم ، وابن العربي ، والرازي ، وابن المنير ، والقاسمي ، وابن عثيمين . قال القفال :" ذكر الله تعالى هذه القصة على تمثيل ضرب المثل ، وبيان أن هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم ، وقولهم بالشرك ، وتقرير هذا الكلام ، كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها ، إنسانا يساويه في الإنسانية ، فلما تغشى الزوج زوجته ، وظهر الحمل ؛ دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك ؛ فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما ؛ لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع ، كما هو قول الطبائعيين ، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين ، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام ، ثم قال تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } أي تنزه الله عن ذلك الشرك ". واعترض هذا القول : 1 بأن قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } لا يصح حمله على غير آدم وحواء 2 وبقوله : { دعوا الله ربهما } فإن كل مولود يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء القول الثالث : أن المشركين كانوا يقولون: إن آدم (ص)كان يعبد الأصنام ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها ، فذكر تعالى قصة آدم وحواء (ص)وحكى عنهما أنهما قالا: { لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين } أي ذكرا أنه تعالى لو آتاهما ولدا سويا صالحا لاشتغلوا بشكر تلك النعمة ، ثم قال: { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء } فقوله : { جعلا له شركاء } ورد بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتبعيد والتقرير ، والمعنى :أجعلا له شركاء فيما آتاهما؟ ثم قال : { فتعالى الله عما يشركون } أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون بالشرك وينسبونه إلى آدم عليه السلام. ذكر هذا التأويل : الفخر الرازي في تفسيره. ويرده : أن الآية وردت بصيغة الخبر ، وحملها على معنى الاستفهام يفتقر إلى دليل ، وليس ثمة دليل . القول الرابع : أن الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله (ص)، وهم آل قصي ، والمراد من قوله: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } قصي ، وجعل من جنسها زوجها ، عربية قرشية ليسكن إليها ، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوي جعلا له شركاء فيما آتاهما ، حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد قصي ، وعبد اللات ، وجعل الضمير في { يشركون } لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك . ذكر هذا التأويل: الزمخشري واستحسنه ، واختاره البيضاوي ، وأشار إليه الفخر الرازي في تفسيره. الإيرادات والاعتراضات على هذا القول : قال ابن جزي :" وهذا القول بعيد لوجهين : أحدهما : أن الخطاب على هذا خاص بذرية قصي من قريش ، والظاهر أن الخطاب عام لبني آدم . والآخر : أن قوله : { وجعل منها زوجها } ، فإن هذا يصح في حواء ؛لأنها خلقت من ضلع آدم ، ولا يصح في زوجة قصي ". القول الخامس : أن الضمير في قوله : { جعلا } راجع إلى الولد الصالح ، والمعنى جعل ذلك الولد الصالح الذي رزقهما الله إياه جعل لله شركاء ، وإنما قال: { جعلا } ؛ لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى . ذكر هذا التأويل : الجصاص ، وابن الجوزي . أدلة هذا المذهب : استدل القائلون بأن الآية معني بها غير آدم وحواء (ص) بأدلة منها : الدليل الأول : قوله تعالى في آخر الآية : { فتعالى الله عما يشركون } وهذا يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة ، ولو كان المراد آدم وحواء (ص) لعبر عنهما بصيغة التثنية . الدليل الثاني : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } ، وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى ، وليس المراد بها آدم وحواء (ص) الدليل الثالث : لو كان المراد إبليس لقال :أيشركون " من " لا يخلق شيئا ، ولم يقل " ما " ؛ لأن العاقل إنما يذكر بصيغة " من " لا بصيغة " ما ". الدليل الرابع : أن هذا القول فيه تنزيه لمقام آدم (ص) من الشرك ، والقول الذي فيه تنزيه لمقام الأنبياء وإجلال لمقامهم ، مقدم في التفسير على القول الذي فيه قدح بعصمتهم ، وحط من منزلتهم. الدليل الخامس : أن المروي عن سمرة في تفسير الآية لم يثبت بسند صحيح ، وعليه فلا يصح حمل الآية على أمور مغيبة لم يثبت فيها دليل من كتاب أو سنة الدليل السادس : أنه لو كانت هذه القصة في أدم وحواء ، لكان حالهما إما أن يتوبا من ذلك الشرك أو يموتا عليه ، فإن قلنا : ماتا عليه ، كان هذا القول فيه فرية عظيمة ؛ لأنه لا يجوز موت أحد من الأنبياء على الشرك ، وإن كان تابا من الشرك ، فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما ولا يذكر توبتهما منه ، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا ، ثم لا يذكر توبتهما ، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها ، كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة هو وزوجه وتابا من ذلك . الدليل السابع : أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة ، فيعتذر بأكله من الشجرة التي عصى الله تعالى بالأكل منها في الجنة فلو كان وقع منه الشرك ، لكان اعتذاره منه أقوى وأولى وأحرى الدليل الثامن : أن الله تعالى أسند فعل الذرية إلى آدم وحواء ؛لأنهما أصل لذريتهما ، كما في قوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم أي بتصويرنا لأبيكم آدم ؛ لأنه أصلهم، بدليل قوله بعده : { ثم قلنا للملآئكة اسجدوا لآدم } الإيرادات والاعتراضات على هذا المذهب وأدلته : 1 اعترض القاضي ابن عطية على الاستدلال بقوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } وأن المراد بها مشركو العرب ، اعترض قائلا : " وهذا تحكم لا يساعده اللفظ ، ويتجه أن يقال : تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء (ص) وجاء الضمير في " يشركون " ضمير جمع؛ لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث ". 2 واعترض أيضا : بأن هذا المذهب يرده قوله تعالى : { جعلا } بصيغة التثنية ، فلو كان المراد المشركين من ذرية آدم (ص) لورد اللفظ بصيغة الجمع . وقد أجاب الفخر الرازي عن هذا الاعتراض فقال : " فإن قيل : فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله : { جعلا } ؟ قلنا :لأن ولده قسمان : ذكر وأنثى ؛ فقوله : { جعلا } المراد منه الذكر والأنثى ، مرة عبر عنهما بلفظ التثنية ؛ لكونهما صنفين ونوعين ، ومرة عبر عنهما بلفظ الجمع ، وهو قوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } " المبحث الرابع : الترجيح الذي يظهر والله تعالى أعلم أن الآية ليست في آدم وحواء (ص) وإنما هي خطاب للمشركين من قريش وغيرهم ، والمقصود بها ضرب المثل ، وأن هذه هي حالة المشركين ، فهو سبحانه يذكر أنه خلق كل واحد منهم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها ، ولما كان من طبيعة البشر حب الولد ذكر الله تعالى أن هذين الزوجين كانا حريصين على أن يرزقا بولد صالح لينتفعا به ، وأنهما قد عاهدا الله لأن آتاهما صالحا ليكونن من الشاكرين ، فلما آتاهما صالحا جعلا لله شركاء فيما آتاهما ، حيث نسبا هذه النعمة لغير الله ؛ وعبدا أولادهما لغير الله، ثم أخبر سبحانه أنه بريء مما يشرك به هؤلاء، وغيرهم ؛ فقال : { فتعالى الله عما يشركون } . والآية مراد بها ذكر الجنس لا النوع ؛ فقوله تعالى : { خلقكم من نفس واحدة } أي من جنس واحدة ، وقوله : { وجعل منها زوجها } أي وجعل من هذا الجنس زوجة هي على شاكلته ، ولم يجعلها من جنس آخر ، ولفظ النفس قد يطلق ويراد به الجنس ، كما في قوله تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] أي من جنسهم أدلة هذا الاختيار : ذكرت فيما سبق ثمانية أدلة تؤيد هذا الاختيار ، وهي أدلة قوية ، ويمكن أن يضاف إليها أدلة أخرى ، منها : 1 أن الله تعالى قال في هذه الآية: { وجعل منها زوجها } ، وقال في سورة النساء : { وخلق منها زوجها } [ النساء : 1 ] وآية النساء معني بها آدم وحواء باتفاق ، وعبر بقوله : { وخلق منها زوجها } ؛ لأن حواء مخلوقة من نفس آدم ، وأما في آية الأعراف فقال : { وجعل منها زوجها } ؛ لأن المراد ذكر الجنس، لا ذكر النوع وهو آدم ، والفرق بين الخلق والجعل : أن الخلق هو ابتداء الشي من غير مثال سابق ، وأما الجعل فهو إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه ، وهذا هو حال كل فرد من بني آدم ؛ فإنهم يتناسلون ويتوالدون من بعضهم البعض ، وأما حواء فإنها خلقت ابتداء من آدم من غير أم ولا أب . وقد وردت عدة آيات تدل على أنه إذا ورد لفظ " جعل " فالمراد به الجنس ، منها : قوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } [ النحل:72] ، وقال تعالى : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث } [ الزمر:6] ، وقال تعالى : { جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه } [ الشورى:11] 2 ومما يؤكد أن الآية معني بها المشركون على وجه العموم : أنه لم يصرح بذكر آدم وحواء (ص) في الآية ، والمتأمل في قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم يلاحظ التصريح بذكر أسمائهم ، ومن هؤلاء آدم (ص)؛ فإنه إذا ذكرت قصته يذكر باسمه الصريح غالبا . 3 ويدل على أن الآية في المشركين عامة : الاستطراد في الآيات التي بعد هذه الآية في وصف حال مشركي العرب ، وهي صريحة بأنهم هم المرادون بهذا الشرك ، لا آدم وحواء قال تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون * إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } [ الأعراف : 191194] . 4 أنه لم يثبت دليل على أن الآية معني بها آدم وحواء (ص) إلا ما روي من حديث سمرة ، وهو ضعيف كما تقدم ، وما روي عن ابن عباس في الآية يعد من الإسرائيليات المتلقفة عن مسلمة أهل الكتاب ، وإنما التبس على كثير من المفسرين الأمر ، وظنوا أنها في آدم وحواء ، بسبب هذه الروايات ، وهذه آفة من آفات الإسرائيليات والتي تعتبر من الدخيل السيئ في التفسير . قال الحافظ ابن كثير بعد أن أورد أثر ابن عباس في الآية :" وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه ، كمجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومن الطبقة الثانية : قتادة ، والسدي ، وغير واحد من السلف، وجماعة من الخلف ، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة ، وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب ؛ فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب ....، وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب ". الإيرادات والاعتراضات على هذا الاختيار وأدلته: اعترض على هذا الاختيار بأن ابن جرير الطبري حكى الإجماع على أن الآية معني بها آدم وحواء (ص) وعليه فلا يجوز القول بأن الآية معني بها المشركون ؛ لأن في هذا مخالفة للإجماع . والجواب : أن لابن جرير رأي آخر في معنى الإجماع ، فهو يرى أن الإجماع ينعقد بقول الأكثرين ، ولا يعتد بمخالفة الواحد والاثنين ، ويعده شذوذا . وأما الجمهور من العلماء فإن الإجماع لا ينعقد عندهم إذا كان في المسألة قول آخر ، ولو كان القائل به واحدا . وبهذا تعرف أن ما يحكيه ابن جرير من الإجماع إنما يعني به قول الجمهور في الغالب ، وعليه فلا يصح دعوى الإجماع في تأويل هذه الآية " والحق أن ظاهر الآية يدل على آدم (ص) وزوجه دون أى شك | |
|