قلقيلية
عند نقطة التقاء السفوح الغربية لسلسلة جبال نابلس والطرف الشرقي للساحل الفلسطيني، على بعد 14 كم من شطآن البحر المتوسط، في نقطة متوسطة بين التجمعات السكانية والحضارية الممتدة على طول الساحل الفلسطيني، وعلى خط العرض 32.2 شمالاً وخط الطول 35.1 شرقاً، تربض قلقيلية شامخة بأمجادها مزهوة بتاريخها.
موقع قلقيلية الجغرافي منحها أهمية خاصة حيث أصبحت نقطة التقاء بين مدن فلسطين شمالها وجنوبها وغربها. وصلت صفد-عكا-حيفا-طوكرم شمالاً، وبئر السبع-المجدل-غزة جنوباً، وربطت نابلس وما ولاها شرقاً بيافا وقراها غرباً. وهي نفس الأهمية التي حظيت بها قديماً يوم كانت محطة بارزة للقوافل التجارية تحط عند ينابيعها الرحال وتزيل عناء السفر بوارف الشجر والظلال.
وذات الموقع جعل من قلقيلية نقطة انطلاق لكثير من الغزوات الحربية وجعل من محطة سكة الحديد فيها، الواقعة على الكيلو 82 من محطة حيفا، أحد المحطات المعدودة المعتمدة على امتداد خط سكة الحديد الموصل بين الشام ومصر.
تحيط بقلقيلية أراضي جيوس، عزون، حبله، جلجولية، كفارسابا، مسكة، الطيبة وكفر جمال. وتتألف مساحتها من مرتفعات وتلال، عدا ما تبقى لها بعد اتفاقية رودس عام 1949 من ارض سهلية تتضاءل أمام ما فقدته.
التاريخ
تعود قلقيلية بهذه التسمية إلى العهد الروماني فما زالت تحمل الاسم الروماني (calecaicea) مع تحريف بسيط. وفي المصادر الإفرنجية ذكرت باسم (calcelie) وهو نفس اللفظ المتداول على ألسنة أبنائها في هذه الأيام.
ويعود تاريخ المدينة وجذور التسمية إلى العصر الكنعاني. فيرى بعض المؤرخين أنها أحد الجلجالات التى ورد ذكرها في العهد القديم. و(الجلجال) لفظ كنعاني أطلق على الحجارة المستديرة ومن ثم على المناطق والتخوم المستديرة.
وقريباً من تسمية قلقيلية سميت القرية المجاورة (جلجوليا)، وهاتان البلدتان تقعان في أطراف السهل الساحلي عند نقطة التقائه مع سفوح الجبال.
ويذهب بعض المؤرخين إلى أن قلقيلية هي الجلجال المذكور في قائمة الملوك العموريين والكنعانيين في العهد القديم، ويذكر المؤرخ (يوسيفيوس) أن اسم قلقيلية مأخوذ من اسم قلعة تعرف باسم (قلقاليا) وهي القرية التي ذكرت في العهد القديم باسم (جلجاليا).
أما ما ذهب إليه بعض المحدثين من غير المؤرخين إلى أن اسم قلقيلية يعود إلى القيلة، وهي الموضع الذي يأوى إليه المتعبون وقت القيلولة في الظهيرة طلباُ للراحة أوالمكان الذي تحط عنده القوافل الرحال بغية الراحة والتزود بالماء، فهو رأي ضعيف لا يستند الى معطيات وحقائق تاريخية. والأرجح أن الصدفة هي التى جمعت بين اسم قلقيلية ذي الجذور التاريخية وموقعها الغني بالماء والأشجار والذي جعل منها موضع قيلولة...
العهد الروماني
رغم قلة المعلومات التاريخية عن التقسيمات الإدارية في فلسطين عامة قبل الفتح الإسلامي إلا أن المصادر تشير إلى أن فلسطين في ذلك العهد - في القرن الرابع الميلادي - كانت تقسم إلى 3 أقسام أو ولايات: فلسطين الأولى والثانية والثالثة (الصحراوية)، في حين كان جزء من شمال فلسطين - سهل عكا ومنطقة حيفا - يتبعان ولاية فينيقيا.
وقد ذكرت قلقيلية في هذه التقسيمات في منطقة فلسطين الأولى من قضاء رأس العين والمعروف باسم انتباترس (antipatris)، وكان يتبع هذا القضاء إدارياً 10 قرى في مقدمتها قلقيلية.
عهد الدولة الإسلامية بعد أن تم الفتح الإسلامي لبلاد الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، قسمت بلاد الشام إلى 4 أجناد وهي: حمص، دمشق، الأردن، وفلسطين. وكان جند فلسطين يضم المناطق الوسطى الجنوبية من فلسطين الحالية وقسماً من شرق الأردن. وكانت اللد قصبة هذا الجند وبالتالي كانت قلقيلية في إطار هذا الجند. وظل هذا التقسيم معمولاً به طيلة فترة الدولة الأموية والعباسية مع تعديلات في قصبة هذا الجند بين خليفة وآخر.
الدولة الفاطمية أصبحت قلقيلية إحدى نواحي كور (ناحية) كفر سابا.
الدولة المملوكية حظيت جلجوليا المجاورة بمكانة بارزة وأصبح لها مركزاً متقدماً في المنطقة، وكانت قلقيلية واحدة من أعمال جلجوليا في هذا العهد. وفي هذه الفترة برز علماء قلقيلية ممن انتقلوا إلى مركز المنطقة جلجوليا لممارسة التعليم والاقراء، ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد القلقيلي.
الدولة العثمانية
مع بداية العهد العثماني، قسمت الشام إلى 3 ولايات منها ولاية فلسطين، والتي قسمت بدورها إلى 5 ألوية (سناجق بالتركية) وهي القدس، غزة، صفد، نابلس، واللجون. فكانت قلقيلية تتبع إحدى تلك السناجق وهو سنجق نابلس. وفي عام 1660 تشكلت ولاية أخرى في بلاد الشام وهي ولاية صيدا، والتي ضم إليها بعض أجزاء فلسطين.
وأخذ ولاؤها لنفوذهم وقوتهم يتدخلون في أمور كل المناطق الفلسطينية، بحيث اعتبرت معظم التجمعات السكنية بما فيها قلقيلية في إطار ولاية صيدا ونفوذها. ويذكر أن والي الشام (دمشق) - والتي كانت فلسطين تتبعها - اضطر إلى طلب المساعدة من سليمان باشا والي صيدا بعد أن أخفق في مواجهة ثورة أبي عودة الجيوسي في صوفين في القرن التاسع عشر.
في عام 1864 صدر قانون تشكيل الولايات العثمانية وتم بموجبه تقسيم بلاد الشام إلى ولايتين، هما سوريا (دمشق) وحلب، وكانت فلسطين كلها تتبع ولاية دمشق، وجعلت متصرفية كان مركزها القدس. وقسمت المتصرفية إلى أقضية وهي الخليل، غزة، اللد، نابلس والسامرة، الشقيف، حوران، الغور الشرقي. وسرعان ما تحولت نابلس وعكا إلى ألوية (متصرفيات) ضمن ولاية دمشق. وطيلة هذه الفترة كانت قلقيلية ناحية من نواحي نابلس. وفي عام 1887 تشكلت في الشام ولاية بيروت وضمت إليها سنجق عكا وسنجق البلقاء ومركزه نابلس. وقسم مركز السنجق واللواء نابلس إلى قضائين هما قضاء جنين والسلط. وكانت قلقيلية أحد نواحي مركز اللواء نابلس.
وفي عام 1893 استحدث قضاء جديد في سنجق نابلس وهو قضاء بني صعب، وأصبحت قلقيلية مركزاً لناحية الحرم نسبة إلى حرم سيدنا علي وترتبط به قرى أجليل، مسكة، كفر سابا، الطيرة، جلجوليا، أم خالد، وادي الحوارث، الحرم (سيدنا علي). وكانت هذه الناحية تزيد امتداداً من الشمال إلى الجنوب وتقل من الشرق إلى الغرب.
عهد الانتداب البريطاني لم تشهد قلقيلية في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين تطوراً إدارياً مذكوراً، بل كانت سياسة الانتداب تتعمد إبقاء قلقيلية على ما هي عليه ووقف عملية تتطورها وحرمانها من المستحقات الإدارية نتيجة لمقاومة أهالي المنطقة الانتداب البريطاني وتصديهم لمحاولات الاستيلاء على أراضي المنطقة لضمها للمستعمرات اليهودية.
وظلت قلقيلية فترة الانتداب تعامل كقرية من قرى قضاء طولكرم رغم الزيادة في التعداد السكاني وتطورها العمراني والزراعي.
العهد الأردني بعد أن ضمت الضفة الغربية للأردن في إطار المملكة الأردنية الهاشمية بعد نكبة عام 1948، أخذت قلقيلية تستعيد بعض حقها المهضوم في التمثيل الإداري، استجابة للواقع النضالي الذي أبداه أهالي قلقيلية وما قاموا من جهود لإعادة بناء مدينتهم المدمرة واستصلاح أرضهم الجبلية بعد فقدان معظم سهولهم، وبروز أبناء قلقيلية في مجال العلم والآداب والصحافة والسياسة.
فبعد أن أصبحت ناحية من نواحي قضاء طولكرم في الخمسينات، أصبحت منذ مطلع عام 1965 مركزاً لقضاء مستقل يسمى قضاء قلقيلية. ويتبع هذا القضاء القرى المجاورة: جيوس، حبلة، عزون، النبي إلياس، فلامية، كفر ثلث، راس عطية، كفر عبوش، كفر جمال، وما جاور هذه القرى من خرب وعزب.
سنوات الاحتلال منذ حزيران 1967 واحتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، ظهرت النوايا المبينة لقلقيلية. فقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتشريد أهالي المدينة ونسف ما يزيد عن 80? من منازلها. وعمدت قوات الاحتلال إلى تطبيق سياسة الانتداب للانتقام من قلقيلية، فضمت إلى قضاء طولكرم، بحجة اتباع آخر تقسيم إداري في عهد الانتداب البريطاني. وظلت قلقيلية محرومة طيلة سنوات الاحتلال رغم التطور الهائل للمدينة وتفوقها الاقتصادي الملحوظ.
السلطة الوطنية الفلسطينية بعد رحيل آخر جنود الاحتلال عن مدينة قلقيلية في الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 17/ 12/ 1995، وبدخول طلائع القوات الفلسطينية، أصبحت قلقيلية محررة وأعلن ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين عن تسمية قلقيلية رسمياً بالمحافظة.
وضمت محافظة قلقيلية 28 تجمعاً سكانياً هي: عزون، كفر لاقف، كفر ثلث، النبي إلياس، عسلة، صير، جيوس، فلامية، حبلة، راس عطية، راس طيرة، عزبة سلمان، المدور، خربة الأشقر، مغارة الضبعة، حجة، باقة الحطب، إماتين، فرعطة، كفر قدوم، جيت، عزبة جلعود، جينسافوط، سنيريا، عزون عتمة، بيت أمين، واد الرشا، تجمعات عرب الرماضين (3 تجمعات).
المناخ قلقيلية شأن كل بقاع فلسطين مناخها مناخ حوض البحر المتوسط معتدل الحرارة صيفاً مائل إلى البرودة شتاءٌ. وهناك تفاوت بسيط في درجات الحرارة بين منطقة وأخرى في فلسطين نتيجه اختلاف بعض العوامل الجغرافية كالإرتفاع عن سطح البحر، القرب من الساحل وموقعها شمال أو جنوب فلسطين. فالمناطق الجبلية أقل حرارة وأكثر برودة من المناطق المنخفضة والأغوار، وكلما اتجهنا شمالاً كانت درجات الحرارة أقل.
وقلقيلية تقع في المنطقة الوسطى من فلسطين وتبعد عن ساحل البحر الابيض المتوسط 14 كم وعلى ارتفاع يتراوح بين 60 و70 م. ولهذا كانت نسبة الرطوبة فيها مرتفعة نسبياً ودرجات الحرارة تفوق بعض مدن الداخل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل