سورة القصص
سميت بهذا الاسم لذكر قصص موسى (ص)للشيخ الكبير فى قوله "فلما جاءه وقص عليه القصص ".
"بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين "المعنى بحكم الرب النافع المفيد العدل هو أحكام الوحى العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله الرحمن الرحيم والمراد أن الرب النافع المفيد اسمه وهو حكمه هو أن طسم تلك آيات الكتاب المبين والمراد أن العدل هو أحكام القرآن وهو الوحى العظيم مصداق لقوله بسورة النمل"طس تلك آيات القرآن"والخطاب للنبى (ص)هو وما بعده من القصص ومنه للناس
"نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون "المعنى نقص عليك من خبر موسى (ص)وفرعون بالعدل لناس يصدقون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه يتلوا عليه والمراد يقص عليه مصداق لقوله بسورة طه"نقص عليك "من نبأ وهو خبر أى قصة موسى (ص)وفرعون بالحق وهو العدل لقوم يؤمنون أى يفهمون أى يذكرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"لقوم يذكرون ".
"إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين "المعنى إن فرعون طغى فى البلاد وفرق ناسها فرقا يستوهن جماعة منهم يقتل أولادهم ويستخدم إناثهم إنه كان من المسرفين،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون علا فى الأرض والمراد طغى فى البلاد مصداق لقوله بسورة طه"إنه طغى "وهذا يعنى أنه حكم البلاد بالظلم حيث جعل أهلها شيعا والمراد قسم ناسها فرقا يستضعف طائفة والمراد يستعبد جماعة منهم يذبح أبنائهم أى يقتل أولادهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"يقتلون أبناءكم "ويستحى نساءهم والمراد ويستخدم إناثهم أى يجعلهم خدم أى إماء لقومه إنه كان من المفسدين وهم المجرمين أى المسرفين مصداق لقوله بسورة الدخان "إنه كان عاليا من المسرفين ".
"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون "المعنى ونحب أن ننعم على الذين استذلوا فى البلاد أى نعينهم حكاما أى نجعلهم المالكين أى نحكمهم فى البلاد ونشهد فرعون وهامان وعسكرهما الذى كانوا يخافون،يبين الله لنبيه (ص)أنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا فى الأرض والمراد يحب أن ينعم على الذين ذلوا فى البلاد وهم بنى إسرائيل وفسر هذا بأنه يريد أن يجعلهم الوارثين أى المالكين للأرض المباركة وفسر هذا بأنه يمكن لهم فى الأرض والمراد يحكمهم فى البلاد وهى مشارق ومغارب الأرض المباركة مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها"ويبين له أنه يريد أن يرى والمراد يشهد كل من فرعون وهامان وزيره وجنودهما وهم عسكرهما ما كانوا يحذرون أى الذى كانوا يخافون وهو ما رآه فرعون من زوال ملكه هو وقومه على يد أحد بنى إسرائيل فى الحلم وتفسيره بهذا التفسير .
"وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "المعنى وألقينا إلى والدة موسى (ص)أن اسقيه فإذا خشيت عليه فارميه فى البحر ولا تخشى أى لا تغتمى إنا معيدوه لك ومختاروه من الأنبياء ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أوحى إلى أم موسى (ص)والمراد أنه ألقى إلى والدة موسى وحى قال لها فيه :أرضعيه أى اسقيه لبن ثديك فإذا خفت عليه والمراد فإذا خشيت عليه أذى قوم فرعون فألقيه فى اليم والمراد فضعيه فى صندوق فضعيه فى النهر ولا تخافى أى لا تحزنى أى لا تخشى عليه من أى أذى وهذا تسكين لقلبها إنا رادوه إليك والمراد إنا معيدوه لك وهذا وعد من الله بإرجاع موسى (ص)لها بعد ذهابه وجاعلوه من المرسلين أى ومختاروه من الأنبياء وهذه بشارة لها أن موسى (ص)سيكون نبيا رسولا فى المستقبل ومن ثم فهو لن يموت على أيدى قوم فرعون .
"فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين "المعنى فأخذه قوم فرعون ليصبح لهم كارها وهلاكا إن فرعون وهامان وعسكرهما كانوا مجرمين،يبين الله لنبيه (ص)أن آل وهم قوم فرعون التقطوا أى أمسكوا موسى (ص)ليكون لهم عدوا أى كارها لهم وحزنا أى وسببا فى هلاكهم ،ويبين له أن فرعون ووزيره هامان وجنودهما وهم عسكرهما كانوا خاطئين أى فاسقين أى مجرمين مصداق لقوله بسورة الزخرف"إنهم كانوا قوما فاسقين ".
"وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون "المعنى وقالت زوجة فرعون سكن نفس لى ولك لا تذبحوه عسى أن يفيدنا أو نتبناه ابنا وهم لا يعلمون،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة وهى زوجة فرعون قالت لفرعون :قرة عين أى راحة نفس لى ولك وهذا يعنى أن هذا الولد سيجعل قلوبهم ساكنة بسبب عدم إنجابهما ،وقالت لا تقتلوه أى لا تذبحوه عسى أن ينفعنا أى يفيدنا مستقبلا أو نتخذه ولدا أى نتبناه ابنا،وهذا يعنى أن المرأة نهت فرعون عن ذبح موسى (ص)متعللة بأن هذا الولد إذا كبر سينفعهما عند العجز أو يتبنوه ابنا ليرث ما يملكون وبهذا نفذوا ما كانوا يريدون منعه بأنفسهم وهم لا يشعرون أى وهم لا يعلمون أن هذا الولد هو الذى سيدمر ملكهم
"وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين "المعنى وأصبح قلب والدة موسى قلقا لقد همت أن تكشف أمره لولا أن قيدنا على نفسها لتصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فؤاد أم موسى (ص)والمراد أن قلب والدة موسى (ص)أصبح فارغا أى خاليا من كل شىء سوى القلق على مصير موسى (ص)وهذا القلق دفعها إلى أنها كادت لتبدى به والمراد إلى أنها أرادت أن تكشف سره ولكنها لم تفعل لأن الله ربط قلبها والمراد أسكن نفسها بالوحى حتى تصبح من المؤمنين أى المصدقين به .
"وقالت لأخيه قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون "المعنى وقالت لأخته تتبعيه فنظرت إليه من قرب وهم لا يعلمون ومنعنا عليه المرضعات من قبل فقالت هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم لكم مخلصون،يبين الله لنبيه (ص)أن أم موسى (ص)قالت لبنتها أخت موسى (ص):قصيه أى اتبعيه والمراد اعرفى ما يحدث له،فأطاعت البنت أمها فبصرت به عن جنب أى فنظرت له من ناحية قريبة وقوم فرعون لا يشعرون أى لا يعلمون بها وهذا يعنى أنها أجادت فكرة المراقبة ولم ترتكب خطأ يدلهم على حقيقة الأمر،ويبين له أنه حرم عليه المراضع والمراد منع المرضعات عن موسى (ص)بأن جعله لا يقبل على الرضاعة منهن فكلما اقتربت واحدة منهن لترضعه رفض وبكى وذلك حتى يرجعه لأمه فقالت لهم أخته:هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم والمراد هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم له ناصحون أى مخلصون؟والغرض من السؤال هو أن تعيد الأخت أخيها إلى أحضان أمها وقد استجاب القوم لها فاستدعوا أمها لإرضاع موسى (ص)فرضع منها .
"فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فأعدناه لوالدته كى يسكن قلبها أى لا تخف ولتعرف أن قول الرب صدق ولكن معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه رد أى أعاد موسى (ص)لأمه وهى والدته والأسباب هى أن تقر عينها أى يسكن قلبها والمراد تطمئن نفسها وفسر هذا بأن لا تحزن أى لا تخاف عليه من الأذى وأن تعلم أن وعد الله حق والمراد وأن تعرف أن قول الله لها صدق أى متحقق واقع ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون أى لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون "
"ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين "المعنى ولما وصل قوته ورشد أعطيناه معرفة وهكذا نثيب الصالحين ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما بلغ أشده والمراد لما وصل سن قوته واستوى أى واعتدل والمراد ورشد أتاه الله حكما أى علما والمراد أوحى له وحيا أى معرفة ويبين له أن كذلك أى بوحى الحكم وهو العلم يجزى الله المحسنين والمراد يثيب المصلحين أى الشاكرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسيجزى الله الشاكرين ".
"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين "المعنى وولج البلدة وقت غيبة سكانها فلقى فيها ذكرين يتشاجران هذا من جماعته وهذه من كارهه فاستنجده الذى من جماعته على الذى من كارهه فضربه موسى (ص)فأنهى عليه قال هذا من فعل الهوى إنه كاره كافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دخل المدينة على حين غفلة من أهلها والمراد ولج البلدة فى وقت غيبة سكانها لسبب ما إما النوم أو تجمعهم فى معبد أو محفل وهذا يعنى أنه دخل البلدة فوجد فيها رجلين يقتتلان والمراد فلقى ذكرين يتشاجران كل واحد منهما يريد قتل الآخر وهذان الرجلان أحدهما من شيعته أى من قوم موسى (ص)والآخر من عدوه أى باغضه أى كارهه وهم قوم فرعون فاستغاثه الذى من شيعته والمراد فاستنجد به الذى من جماعته على الذى من عدوه وهو كارهه فاستجاب موسى (ص)له فوكزه والمراد فضرب الذى من قوم فرعون فقضى عليه أى فأنهى عليه أى قتله فلما فكر موسى (ص)فى الأمر وجد نفسه قد ارتكب ذنبا فقال :هذا من عمل الشيطان والمراد هذا من فعل الشهوة أى الهوى الضال فى إنها عدو مضل مبين أى إنها كارهة لنفعى كافرة عظيمة .
"قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "المعنى قال إلهى إنى بخست نفسى فاعفو عنى فعفا عنه إنه هو العفو النافع قال إلهى بما وهبت لى فلن أصبح ناصرا للكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص) دعا الله فقال:رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى والمراد خالقى إنى بخست حق نفسى فاعفو عنى وهذا يعنى إقراره بذنبه وطلبه العفو عنه فكانت النتيجة أن غفر له أى عفا عن ذنبه أى ترك عقابه على جريمته إنه هو الغفور الرحيم والمراد إنه هو النافع المفيد لمن يستغفره ،وقال موسى (ص)رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين والمراد خالقى بالذى وهبت لى من النعم وهو حلف بنعم الله فلن أصبح نصيرا للكافرين وهذا يعنى أنه حلف بنعمة الله على أنه لن ينصر ظالما مهما حدث والقسم بنعم الله يعنى إباحة القسم بالخلق.
"وأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين "المعنى وأقام فى البلدة قلقا ينتظر فإذا الذى استغاثه البارحة يستنصره قال له موسى (ص)إنك لكافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)أصبح فى المدينة خائفا يترقب والمراد بقى فى البلدة قلقا ينتظر مجىء جند فرعون لقتله فإذا الذى استنصره بالأمس والمراد فإذا الرجل الذى استنجد به البارحة يستصرخه أى يناديه لنجدته اليوم أيضا فقال له موسى (ص)إنك لغوى مبين أى كافر عظيم الكفر والسبب فى اتهامه له بالكفر هو تكراره شجاره مع القوم.
"فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين "المعنى فلما أن هم أن يؤذى الذى هو كاره لهما قال يا موسى أتحب أن تذبحنى كما ذبحت إنسانا البارحة إن تحب إلا أن تصبح ظالما فى البلاد وما تحب أن تصبح من العادلين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الهوى وهو الشهوة صور لموسى (ص)أن يقتل أكبر عدد من قوم فرعون مقابل أن يقتلوه أفضل أن يقتل مقابل واحد فقط فأراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما والمراد فهم أن يؤذى الذى هو كاره له وللمستغيث به وهذا يعنى أنه بدأ يتحرك باتجاه الرجل لقتله فقال له الرجل:يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس والمراد هل تحب أن تقضى على كما قضيت على إنسان البارحة ؟إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض والمراد إن تحب إلا أن تصبح مفسدا فى البلاد و فسر هذا قوله بقوله :وما تريد أن تكون من المصلحين أى وما تحب أن تصبح من العادلين المحسنين ،والرجل هنا ذكر موسى (ص)بما نسى وهو أن يكون مصلحا وليس ظالما يفسد فى البلاد وقد استجاب موسى (ص)للنصيحة فترك الرجل دون أن يبطش به .
"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "المعنى وأتى ذكر من أبعد البلدة يجرى قال يا موسى إن القوم يكيدون لك ليذبحوك فاهرب إنى لك من المخلصين،يبين الله لنبيه (ص)أن رجل جاء من أقصى المدينة يسعى والمراد أن إنسانا أتى من أبعد مكان فى البلدة يجرى نحو موسى (ص)فقال له :يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك والمراد إن القوم يجتمعون لك ليذبحوك فاخرج إنى لك من الناصحين والمراد فاهرب إنى لك من المخلصين ،وهذا يعنى أن الرجل من محبى موسى (ص)وأنه بين له أن القوم اجتمعوا لعمل خطة لقتله والواجب عليه هو أن يهرب من البلدة لبلدة أخرى لا يعرف فيها .
"فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل "المعنى فهرب منها قلقا ينتظر قال إلهى أنقذنى من الناس الكافرين ولما ذهب جهة مدين قال عسى إلهى أن يعرفنى خير الطرق،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)خرج من البلدة خائفا يترقب والمراد هرب من مصر قلقا ينتظر مجىء الجند لقتله فى أى لحظة وبعد خروجه منها قال رب نجنى من القوم الظالمين والمراد خالقى أنقذنى من الناس المجرمين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينقذه من أذى قوم فرعون ولما توجه تلقاء مدين والمراد ولما ذهب جهة بلدة مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل والمراد عسى أن يعرفنى إلهى عدل الدين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يعرفه الدين العادل حتى لا ينحرف عنه .
"ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير "المعنى ولما وصل ماء مدين لقى عنده جماعة من البشر يروون ولقى من خلفهم فتاتين تدفعان قال ما شأنكما قالتا لا نروى حتى ينصرف الرعاة ووالدنا شيخ عجوز،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)ورد ماء مدين والمراد وصل عين الماء التى فى بلدة مدين فوجد عليه أمة من الناس يسقون والمراد فلقى عند العين جماعة من البشر يروون أنعامهم ووجد من دونهم امرأتين تذودان والمراد ولقى من قبلهم فى مكان بعيد عنهم فتاتين تقفان مع أنعامهما تدفعانهما عن القوم وأنعامهم فسألهما موسى (ص):ما خطبكما أى ما الذى جعلكما تقفان هكذا دون سقى ؟فقالتا :لا نسقى حتى يصدر الرعاء أى لا نروى حتى ينتهى الرعاة من السقى وأبونا شيخ كبير أى ووالدنا رجل عجوز ،وهذا يعنى أن أسباب وقوفهما تلك الوقفة هى أنهما لا تريدان الإختلاط بالرجال الذين يسقون وإن والدهما شيخ عجوز لا يقدر على العمل .
"فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت على من خير فقير "المعنى فروى لهما ثم انصرف فقال إلهى إنى للذى أعطيت لى من نفع محتاج ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)سقى أى روى لهما عطش الأنعام ثم تولى إلى الظل والمراد ثم انصرف إلى مكان غير مشمس فقال :رب إنى لما أنزلت على من خير فقير أى إلهى إنى مع الذى أعطيت لى من نفع محتاج ،والمراد أنه محتاج إلى رزق أخر من عند الله غير ما أعطاه فى الماضى .
"فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "المعنى فأتته واحدة منهما تسير فى خجل قالت إنى والدى يريدك ليعطيك ثواب ما رويت لنا فلما أتاه وحكى له الحكايات قال لا تخش أنقذت من الناس الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن إحدى البنات جاءته تمشى على استحياء والمراد أتته تسير فى خجل أى خفر فوقفت وقالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا والمراد إن والدى يريدك ليعطيك رزق ما عملت لنا ،وهذا يعنى أن الرجل كان عادلا أراد أن يشكر موسى (ص)على عمله لبنتيه فقام معها موسى (ص)فلما جاءه أى ولما حضر عنده فى البيت وقص عليه القصص والمراد وحكى له الحكايات مع قوم فرعون قال له الرجل:لا تخف نجوت من القوم الظالمين أى لا تخشى أذى القوم هنا فلا سلطان له فى مدين أنقذت من الناس المجرمين .
"قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين "المعنى قالت واحدة منهما يا والدى استعمله إن أفضل من استعملت المتين المخلص،يبين الله لنبيه (ص)أن إحداهما أى واحدة من المرأتين وجدت فى موسى (ص)ما يرفع عن كاهلها وأختها مشقة العمل فقالت لأبيها :استأجره والمراد استعمله إن خير من استأجرت القوى الأمين أى إن أفضل من استعملت القادر المخلص،وهذا يعنى أن الفتاة وجدت فى موسى (ص)رجلا قويا قادرا على العمل لأنها شاهدته وهو يسقى لهما وهو أمين أى صادق مخلص لم يفعل شىء مؤذى لهما .
"قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين "المعنى قال إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن عملت عشرا فمن كرمك وما أحب أن أتعبك ستلقانى إن أراد الله من المحسنين،يبين الله لنبيه (ص)أن الشيخ الكبير قال لموسى (ص)إنى أريد أنكحك إحدى ابنتى هاتين والمراد إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج أى على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن أتممت عشرا فمن عندك والمراد فإن عملت لى عشر سنوات فهذا من كرمك ،وهذا يعنى أن الرجل لما وجد نفسه سيجعل موسى (ص)مقيما فى البيت عنده وجد أنه من الأفضل أن يمنع الضرر الذى قد يقع مستقبلا بين موسى (ص)وإحدى بناته عن طريق تزويجه إحداهن وهذا فى مقابل أن يعمل له ثمانى سنوات فإن زاد سنتين على الثمانى فهو من نبل أخلاقه وقال وما أريد أن أشق عليك والمراد ولا أحب أن أتعبك وهذا يعنى أنه لا يريد أن يسبب الأذى له،وقال ستجدنى إن شاء الله من الصالحين والمراد ستلقانى إن أراد الله من المحسنين وهم الموفين بشروطهم وهذا يعنى أنه سيفى له بالعهد وكلامه دليل على إيمانه بالله .
"قال ذلك بينى وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل "المعنى قال العهد بينى وبينك أيما المدتين أمضيت فلا أذى لى والرب على ما نتعاهد شهيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرجل الكبير قال لموسى (ص)ذلك وهو شروط العهد بينى وبينك ،أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والمراد أى المدتين الثمانى أو العشر سنوات أمضيت معى فلا عدوان على والمراد فلا ضرر ينزل بى والله على ما نقول وكيل والمراد والله على الذى نتحدث شهيد وهذا يعنى أنه اختار الله حاكما بينهما لو اختلفا لأنه هو من علم شروط العهد .
"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله أنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى أنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "المعنى فلما أمضى موسى (ص)المدة وسافر بعائلته شاهد من جوار جبل الطور لهبا قال لعائلته ابقوا هنا إنى رأيت لهبا لعلى أجيئكم منها بنبأ أو قطعة من الوقود لعلكم تستدفئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما قضى الأجل والمراد لما أمضى المدة وهى العشر سنوات من كرمه سار بأهله والمراد رحل بعائلته من مدين حتى وصل سيناء قرب جبل الطور فأنس من جانب الطور نارا والمراد فرأى من جوار جبل الطور لهبا مشتعلا فقال لأهله وهم عائلته وهو زوجته وعياله :امكثوا إنى أنست نارا والمراد ابقوا مكانكم هنا إنى رأيت لهبا مشتعلا وهذا يعنى فى ظنه وجود ناس عند النار وقال لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون والمراد لعلى أجيئكم من عندها بنبأ أى هدى أى خبر يسركم من الناس أو قطعة أى قبس من الوقود لعلكم تستدفئون مصداق لقوله تعالى بسورة طه"لعلى أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "وهذا يعنى أنه سيذهب إما لجلب قطعة نار للإستدفاء وإما ليقول لهم خبر سار بالمبيت عند أهل النار كما يعنى أن رب العائلة مسئول عنها فى المهام الصعبة فى السفر مثل الاستطلاع وتقصى حقائق المكان .
"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين "المعنى فلما جاءها أوحى له من ناحية الوادى الأيمن فى الموضع المقدس حول الشجرة أن يا موسى إنى أنا الرب إله الكل ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما وصل عند الشجرة نودى والمراد أوحى له مصداق لقوله تعالى بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "وكان الوحى آتيا من شاطىء الواد الأيمن والمراد من ناحية المكان الأيمن المقدس طوى فى البقعة المباركة من الشجرة والمراد عند المكان المقدس حول الشجرة وهذا يعنى أن وادى طوى كان بين جبلى الطور فسمع موسى (ص)الوحى التالى :أن يا موسى (ص)إنى أنا الله رب العالمين والمراد إنى أنا الرب خالق الكل وهذا هو تعريف المنادى ومن ثم لابد فى بداية الحديث من أن يعرف السامع من هو المتكلم .
"وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "المعنى وأن ارم عصاك فلما شاهدها تتحرك كأنها ثعبان جرى هاربا ولم يرجع يا موسى (ص)عد ولا تخشى إنك من السالمين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص):ألق أى ارم عصاك فرماها على الأرض فتحركت فلما رآها تهتز كأنها جان والمراد فلما شاهدها تتحرك كأنها حية مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ولى مدبرا ولم يعقب والمراد جرى هاربا ولم يرجع وهذا يعنى أنه خاف من أذى الحية فجرى ولم ينظر خلفه فقال له الله يا موسى (ص)أقبل أى عد لمكان العصا إنك من الآمنين والمراد إنك من السالمين وهم المعصومين من الأذى .
"اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى ضع كفك فى فتحة ثوبك تطلع منيرة من غير ظلمة وضع لك كفك من الخوف فتلك آيتان من إلهك إلى فرعون وقومه إنهم كانوا ناسا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال لموسى (ص)اسلك يدك فى جيبك أى "أدخل يدك فى جيبك"كما قال بسورة النمل أى "اضمم يدك إلى جناحك "كما قال بسورة طه والمراد ضع كفك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير سوء والمراد تطلع منيرة من غير ظلمة فى أى جزء منها وقال واضمم إليك جناحك من الرهب والمراد وضع كفك فى ثوبك من الخوف والمراد إذا فزعت من يدك فضعها بعيدا عن عينك فذانك برهانان من ربك والمراد فهاتان آيتان من خالقك لفرعون وملائه وهم قومه إنهم كانوا قوما فاسقين والمراد كانوا ناسا مجرمين وهذا يعنى أنه أعطاه البراهين ليذهب بها لدعوة فرعون وشعبه للحق .
"قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "المعنى قال إلهى إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون وأخى هارون(ص)هو أبين منى كلاما فإبعثه معى وزيرا يساعدنى إنى أخشى أن يكفروا بى،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لله :رب أى خالقى إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون والمراد إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون مقابله وهذا تعبير عن خوفه من انتقام القوم وهو شىء طبيعى ،وأخى هارون (ص)هو أفصح منى لسانا والمراد هو أحسن منى حديثا فأرسله معى ردءا يصدقنى أى فإبعثه معى شريكا يقوينى ،وهذا يعنى أنه يبين لله عيبه وهو أنه لا يحسن الكلام لوجود عقدة فى لسانه ومن ثم فهو يريد متحدث أفضل منه حديثا وهو أخاه هارون(ص)وهذا المتحدث يكون ردء أى شريك له فى الأمر يصدقه أى يساعده على أداء المهمة ،إنى أخاف أن يكذبون والمراد إنى أخشى أن يكفروا بحديثى وهذا تعبير عن خوفه من تكذيب القوم له مع وجود الأدلة على صدقه معه .
"قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون "المعنى سنقوى نفسك بأخيك ونحدد لكما قوة فلا يقدرون عليكما بمعجزاتنا أنتما ومن أطاعكما المنتصرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص)سنشد عضدك بأخيك والمراد سنقوى نفسك بهارون (ص)وهذا يعنى أن الله استجاب لطلب موسى (ص)بأن يكون هارون (ص)شريكا له فى الرسالة ،وقال ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا والمراد ونقيم لكم حماية فلا يؤذونكما ببراهيننا وهذا يعنى أن الله أمن موسى (ص)وهارون(ص)من الخوف فجعل لهما سلطان أى قوة أى حماية تمنع قوم فرعون من أن يمسوهم بسوء وهذه الحماية وسيلتها هى آيات الله وهى معجزاته وهى العصا واليد وقال أنتما ومن معكما الغالبون والمراد أنتما ومن أطاع قولكما القاهرون،وهذا يعنى أنه أخبره بما سيحدث فى المستقبل وهو انتصارهم على قوم فرعون .
"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين "المعنى فلما أتاهم موسى (ص)ببراهيننا واضحات قالوا ما هذا إلا خداع عظيم وما علمنا بهذا من آباءنا السابقين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما جاءهم بآيات الله بينات والمراد لما أظهر لهم معجزات الله مرئيات كان رد فعلهم هو قولهم :ما هذا إلا سحر مفترى أى خداع معد من قبل والمراد مكر مبين مصداق لقوله بسورة يونس "إن هذا لسحر مبين "وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين والمراد وما عرفنا هذا فى دين آباءنا السابقين وهذا يعنى أنهم لم يعلموا شيئا فى دين الآباء يدل على ما أتى به موسى(ص)من عبادة رب العالمين وترك عبادة ما سواه .
"وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المعنى وقال موسى (ص)إلهى أعرف بمن أتى بالحق من لديه ومن تصبح له مثوبة القيامة إنه لا يفوز الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للقوم ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده والمراد خالقى أدرى بالذى أتى بالعدل من لديه ومن تكون له عاقبة الدار والمراد ومن يدخل جنة القيامة وهى دار السلام مصداق لقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "إنه لا يفلح الظالمون والمراد إنه لا يفوز المجرمون والمراد إنه لا يرحم الكافرون مصداق لقوله بسورة يونس "إنه لا يفلح المجرمون "وهذا الكلام من موسى (ص)هو رد هادىء عليهم فقد ترك لهم فيه حرية الكفر بحجة أنهم سيعرفون هل هو أو هم على الحق فى المستقبل .
"وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين "المعنى وقال فرعون يا أيها الحضور ما عرفت لكم من رب سواى فأشعل لى يا هامان على الطين فابن لى مصعدا لعلى أصعد إلى رب موسى وإنى لأعرفه مفتريا ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:يا أيها الملأ وهم الحاضرين ما علمت لكم من إله غيرى والمراد ما عرفت لكم من رب سواى ،وهذا يعنى أن فرعون ادعى الألوهية وأنه الإله الوحيد ليس معه غيره ،وقال فأوقد لى يا هامان على الطين والمراد فأشعل لى يا هامان النار فى التراب المعجون بالماء فاجعل لى صرحا والمراد فابن لى بالطين المشوى سلما،ومن قوله هذا يتضح أنه ليس إله لأن الإله لا يحتاج للآخرين كما احتاج فرعون لهامان ،وقال لعلى أطلع إلى إله موسى والمراد كى أصعد إلى رب موسى ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله فى مكان هو السماء يصعد إليه عن طريق سلم مبنى وذلك ليقاتله وقال وإنى لأظنه من الكاذبين والمراد وإنى لأعرف موسى من المفترين ،وهذا يعنى أن فرعون يعتقد أن موسى (ص)كذب فى قوله بوجود رب سواه .
"واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون "المعنى وبغى هو وعسكره فى البلاد بغير العدل واعتقدوا أنهم إلينا لا يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استكبر أى بغى أى حكم هو وجنوده وهم عسكره فى الأرض وهى البلاد بغير الحق وهو العدل وهذا يعنى أنه حكم بلاد مصر بغير حكم الله وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون والمراد واعتقدوا أنهم إلى جزاء الله لا يبعثون بعد الموت مصداق لقوله بسورة الجن "كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا "وهذا يعنى كفرهم بالبعث .
"فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتيناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين "المعنى فأهلكناه هو وعسكره أى وأغرقناهم فى الماء فاعلم كيف كان عقاب الكافرين وعيناهم قادة ينادون إلى النار ويوم البعث لا يرحمون وأعطيناهم فى هذه الأولى غضب ويوم البعث هم من المعذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أخذ فرعون وجنوده والمراد أنه أهلك فرعون وعسكره وفسر هذا بأنه نبذهم فى اليم أى أغرقهم فى البحر مصداق لقوله بسورة الدخان"إنهم جند مغرقون"ويطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كان عاقبة الظالمين أى أن يعلم كيف كان عذاب الكافرين ليعتبر بما حدث لهم،ويبين له أنه جعل قوم فرعون أئمة يدعون إلى النار والمراد عينهم قادة ينادون الناس لإتباع الظلم بعملهم الظلم الذى يدخل السعير ويوم القيامة وهو يوم البعث لا ينصرون أى "لا ينظرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لا يرحمون أى لا ينقذون من النار ،ويبين له أنه أتبعهم فى هذه الدنيا لعنة والمراد أعطى لهم فى المعيشة الأولى عقاب أى عذاب ويوم القيامة أى البعث هم من المقبوحين أى "من المحضرين "كما قال بسورة القصص وهم المعذبين فى النار .
"ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .
"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).
"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.