الجوهر والعرض :
قال الفتى موضوعنا اليوم الجوهر والعرض .
قال المعلم قل ما عندك
قال الفتى من أقوال الفرق :يجوز أن يخلق الله جوهرا لا أعراض فيه ويرفع الأعراض من الجواهر فتكون لا متحركة ولا ساكنة ولا مجتمعة ولا متفرقة ولا حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا ملونة ولا مطعمة ولا قابلة لشىء من الأعراض وقال بعضهم أن كل نوع من الأعراض الموجودة فى الأجسام لا نهاية لعدده وقال بعضهم يستحيل أن يخلق الله جوهرا لا أعراض فيه فيكون لا متحركا ولا ساكنا ولا مجتمعا ولا متفرقا ولا حارا ولا باردا ولا رطبا ولا يابسا ولا قابلا لشىء من الأعراض وقال بعضهم بجواز خلق الجوهر عن الأعراض .
قال المعلم تنحصر نقط الخلاف فى الجوهر والأعراض فى التالى :
انفصال واتحاد الجوهر والأعراض وعدد الأعراض .
قال الفتى :لنبدأ بالنقطة الأولى
قال المعلم انفصال واتحاد الجوهر والأعراض كانت فيه الأقوال التالية :
-لا جوهر بلا أعراض -يوجد جوهر بلا أعراض .
قال الفتى وما حقيقة الأمر ؟
قال المعلم إن المراد بالجوهر هو الجسم عندهم والأعراض هى حالات يمر بها الجسم ،فالجسم لابد له من أعراض فلا يمكن أن يوجد جسم دون أعراض وإن كانت الجواهر تختلف فى عدد الأعراض الموجودة فيها وهذا فى دنيانا ولابد من أن نقول أن الجسم قد يكون متحرك وساكن فى نفس الوقت فمثلا جسم النائم يكون ساكن من الخارج ومتحرك من الداخل حيث يعمل القلب والشرايين وبعض الأعضاء الأخرى والجسم قد يكون ليس به برودة ولا حرارة وإنما به اعتدال فى الدرجة والجسم قد يكون غير ملون كالهواء والله قادر على أن يخلق جوهرا ليس فيه أعراض .
قال الفتى وما الدليل ؟
قال المعلم قوله تعالى بسورة البقرة "إن الله على كل شىء قدير "فهنا الله قادر على كل أمر مهما كان .
قال المعلم أريد أن أعرف هل يوجد مخلوق يكون مجتمع ومتفرق ؟
قال المعلم شعاع الضوء يكون فى حالة مجتمع فإذا قابل شىء كالزجاج تفرق لأجزاء ومثلا السحاب يتكون من ذرات متفرقة ثم تجتمع ثم تتفرق وهكذا حياة السحاب :
فال الفتى أريد أن أعرف هل يوجد مخلوق ليس رطبا ولا يابسا ؟
قال المعلم عظام الإنسان الحى ليست رطبة ولا يابسة ففيها من الحالتين حيث توجد فيها صلابة اليابس وليونة الرطب .
قال الفتى وما رأيك فى الحرارة والبرودة ؟
قال المعلم إن الحرارة والبرودة مسميات غير محددة لأن الحرارة درجات كثيرة والبرودة درجات وما هو حار لنا قد لا يكون كذلك لمخلوق أخر فمثلا حرارة الصحراء مرتفعة لنا بينما للصبار شىء معتدل وما هو بارد لنا قد لا يكون كذلك لمخلوق أخر فمثلا برودة القارة الجنوبية قارصة عندنا بينما عند طائر البطريق شىء معتدل وجميل .
قال الفتى والرطوبة واليبوسة ما رأيك فيهما ؟
قال المعلم لا أدرى كيف غاب عن القوم أنه هناك مخلوق يتصف بالأمرين فى نفس الوقت وهو الثلج ففى الوقت الذى يتصف بالصلابة وهى صفة اليبوسة يتصف بالرطوبة حيث أنه مكون من أساسها وهو الماء .
قال الفتى وهل يوجد مخلوق ليس له لون ولا طعم ؟
قال المعلم نعم فالهواء ليس له لون نراه وليس له طعم نتذوقه .
قال الفتى يمكننا أن نقول كل حالتين من الأحوال التالية السكون والحركة والرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة بينهما حالة ثالثة .
قال المعلم الواقع يخبرنا بذلك فبين كل حالين متضادين حال وسط والجوهر يعرفونه بأنه الشىء الذى يستحيل إزالته لأن بزواله يزول الكائن وهذا يعنى أن الكائن مهما تغير ففيه شىء ذو دوام هو الذى يعطى له هويته .
قال الفتى هل كنت تقصد أن الجسم ليس جوهرا وإنما النفس هى الجوهر .
قال المعلم ليس الأمر كذلك وإنما أردت أن أقول أن جوهر المخلوق هو صورته .
قال الفتى وما الدليل ؟
قال المعلم قوله تعالى بسورة الإنفطار "فى أى صورة ما شاء ركبك "وقوله بسورة آل عمران "هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء "وصورة الإنسان لا تعنى شكله الخارجى وإنما تشمله كله بمعنى أن الصورة تشمل النفس والجسم .
قال الفتى إذا فجوهر الشىء هو تركيب نفسه وجسمه .
قال المعلم وهذا الجوهر ثابت بمعنى حى وإن كان كل منهما متغير دائما فى حال حياته
قال الفتى وكيف أعرف جوهر الإنسان ؟
قال المعلم إن وسيلة معرفة صورة الإنسان هى التعامل المستمر معها فمثلا أنا أعرف أنك جوهر فلان لأنى تعاملت معك منذ كنت صغيرا حتى أصبحت شابا .
قال الفتى وهل التعامل المستمر لازم للتعرف على الجوهر ؟
قال المعلم نعم .
قال الفتى وما الأسباب ؟
قال المعلم لأن التعامل المتباعد لا يجعلك تعرف أن هذا جوهر فلان
قال الفتى قل لى دليلك على هذا ؟
قال المعلم خذ مثلا اخوة يوسف (ص)لما دخلوا عليه عرفهم وجهلوه والسبب هو أنه ظل يتعامل معهم فى خياله بسبب ما فعلوه فيه وأما هم فلم يعرفوه لأن تعاملهم معه انتهى منذ اللحظة التى رموه فيها فى الجب ،أضف لهذا أن أجسامهم كانت ثابتة الشكل نسبيا بينما هو تغير فى الجسم كثيرا لأنه كان طفلا فأصبح شابا كبيرا وفى هذا قال تعالى بسورة يوسف "وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون "
قال الفتى نعود للنقطة الثانية وهى عدد الأعراض
قال المعلم إن عدد الأعراض غير منتهى والسبب هو أن الحياة مستمرة حتى فى الأخرة ولذا تستمر الأعراض فى الوجود .
قال الفتى وماذا أيضا ؟
قال المعلم وعدد الأعراض معلوم لله لقوله تعالى بسورة القمر "وكل صغير وكبير مستطر "وقوله بسورة النبأ "وكل شىء أحصيناه كتابا ".