وادي غزة مصدر تلوث يدركه "المسئولون" ولا يحركون ساكناً
جثث الحيوانات النافقة تسد مجراه الضحل، وتلكَ الحية تأكل الحشائش من أطرافه القذرة، بينما تنتشر بيوت الشَعر وأخرى حجرية على جنباته متحديةً تلال القمامة المتراكمة على ضفتيه. الرائحة القذرة المنبعثة من هذه المكرهة الصحية كانت بداية خيط دفعنا للبحث عن أسباب تلوث وادي غزة.
وادي غزة هو تيار من مياه سطحية تتدفق شتاء بعد هطول الأمطار على جبال الخليل ومرتفعات النقب، بطول كلي يصل إلى 105كم وبمساحة 3500كم2 مخترقا قطاع غزة بطول 9 كم وبمساحة 60 كم2.
رافدا الوادي الرئيسيان هما وادي الشريعة الذي ينبع من جبال الخليل، ووادي الشلالة الذي ينبع من مرتفعات النقب الشمالي ويلتقيان عند نقطة تبعد حوالي 2 كم شرق الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة، وبذلك يبدأ من خط الهدنة شرق القطاع حتى الساحل حيث مكان تصريف مياهه الى البحر، وموقعه هذا يجعله غني ومتنوع بالحيوانات الفقارية واللافقارية، فهو جزء لا يتجزأ من الحياة الطبيعية في فلسطين المثيرة للاهتمام والغنية بالنباتات.
فالوادي هو الأكبر في فلسطين وكان ذات يوم المحمية الطبيعية الأبرز في قطاع غزة، ويفصل بين مدينة غزة ومحافظات المنطقة الوسطى، تحوّلَ بفِعل النهب المستمر لمياهه من قبل الإسرائيليين عن طريق بنائهم للسدود الحاجزة لها في أوائل العام 1970، والضخ المتواصل للمياه العادمة والنفايات الصلبة من قبل البلديات والمواطنين في قطاع غزة إلى مكرهة صحية كبيرة يشكو منها أهالي القطاع بصورة دائمة.
حجم التلوث الذي رصدناه في رحلة بحثٍ استمرت عام وثلاثة أشهر – من بداية فبراير 2011 أثبتَ أن الدعوات الحكومية والأهلية لتنظيف الوادي لم تجد لها صدىً على أرض الواقع.
سكان الوادي، المقدّر عددهم رسمياً بـ 16 ألف نسمة، يشتكون إصابتهم بأنواع مختلفة من الحساسية والطفح الجلدي والفطريات، إلا أنهم يجهلون سبب تلك الأمراض، تبعاً لاستطلاع رأي أجريناه لسكان المنطقة. ولدى تحليل عينات من مياه وتربة الوادي مخبرياً في معهد المياه والتربة التابع لجامعة الأزهر في غزة، تأكد أن نسبة البكتيريا البرازية والكولوموفورمية والمواد العضوية فيهما عالية جداً- تصل إلى ملايين الخلايا، وبالتالي يُحظر السكن في تلك المنطقة أو زراعتها، بحسب تحذير وزير البيئة الفلسطيني يوسف أبو صفية. كذلك أظهرَ التحليل أن نسبة الأكسجين منخفضة، مما لا يُؤهل الوادي وضفتيه لأي نشاط استجمامي وزراعي ومعيشي.
توصل هذا التحقيق إلى أن ست بلديات - من ضمنها بلدية غزة - تضخ مياهها العادمة صوب الوادي كما تحرق وتدفن نفاياتها في مجراه وعلى جانبيه. ورصدت كاميرا كاتب التحقيق تدفق المياه العادمة من المحافظة الوسطى ومدينتي غزة والزهراء. وأكد هذه المعلومات رؤساء بلديات ومختصون فيها، والذي حمّلَ كُلٌ منهم الآخر مسؤولية تدمير الحياة في الوادي، رغم اعترافهم جميعاً بضخهم للمياه العادمة في مجراه.
مؤثرات صحّية..
الحاج ابراهيم طوطح، من أقرب سكان الوادي لمجراه، يعاني أحفاده وأبنائه من طفحٍ جلدي يغطي بشكلٍ واضح كافة أجسادهم ناتج عن الحشرات التي تنتشر بسبب الوادي كالبعوض، مما يؤثّر على حياتهم اليومية سواء بالنهار أو الليل، وذلك ما تأكّدنا منه من خلال تصويرهم وكذلك الأدوية التي يتعاطونها.
رغم ذلك يُجهّز الحاج إبراهيم لخط صرف صحي لبيته ومجموعة من بيوت أقاربه يصب في وادي غزة كبديل عن الحفر الامتصاصية القريبة من بيته رغمَ استيائه من رائحة الوادي وحجم التلوث الكبير في مجراه.
فني المختبر في مركز صحي منطقة (المغراقة) الواقعة على جانبي الوادي جمعة المنيراوي، استنتج أن التلوث أدى الى انتشار العديد من الأمراض بين السكان القاطنين على جانبي الوادي مثل التيفوئيد والكبد الوبائي. إذ "يصاب أربعة أو خمسة أشخاص شهرياً من المغراقة بهذين المرضين، إضافةً لانتشار مرض ارتفاع كريات الدم البيضاء بما ينتج عنه من التهابات في اللوز، الإنفلونزا والسعال وكذلك تنتشر الأمراض الجلدية المختلفة"، بحسب سجلات المركز.
ذلك ما أكده أخصائي التحاليل الطبية في مستوصف الزهراء والمخيّم الغربي والمغراقة ومختبر النصيرات المركزي الخاص بشير عبد الواحد، اذ يقول "اكتشفت بعض الأمراض والطفيليات لدى سكان الوادي، فالمجتمع الفلسطيني المحافظ من المفترض أن تكون قد اندثرت لديه بعض الطفيليات، لكنني تفاجأت أنها موجودة، كدودة الإسكارس والشريطية والجارديا والأميبيا، والتي لها فترة كبيرة ليست موجودة في مدينة غزة، ولكنها موجودة عند سكان الوادي".
مُضيفاً "والاستنجوليتس، هي دودة ليست سهلة تُصيب العضلات وتؤثر على الانسان، لي عشر سنوات أعمل لم أجدها، لكنني وجدتها منذ شهرين وأنا أعمل بالوادي".
ويُؤكد عبد الواحد أن أهالي الوادي لديهم فقر دم، إذ أن الوادي ينشر أمراضاً معدية، وبالتالي يُصاب الإنسان بالديدان التي تنزل الى الدم بشكل حتمي..
الميكروبولجي المسئول عن تحليل مياه الشرب الصحية في مختبر عيادة صبحة الحرازين في حي الشجاعية في غزة، ياسر البيومي أكدَ أن وزارة الصحة الفلسطينية تفتقر لتقارير صحيحة وثابتة عن أنواع الأمراض التي تنقلها مياه الصرف الصحي في غزة للسكان القريبين منها، كحال وادي غزة.
ويقول "الدراسات التي تشير إلى هذه الأمراض هي أبحاث جامعية. تحليل الوزارة المخبري للمياه يؤكد تسببها بالأمراض المعوية كالتيفوئيد والكوليرا، و الجلدية حال ملامستها البشرة، إضافة لتسببها بالتهاب الأذن الوسطى".
تجولنا في وادي غزة ومحيطه بدءاً بنقطة الحدود بينَ إسرائيل وغزة شرقاً وحتى مصبه في البحر المتوسط غرباً على طول تسعة كيلو مترات داخل القطاع. تجمّعت على أطرافه الكثير من النفايات المنزلية والصلبة التي "نتج عنها تدهور في بيئته وأرضه الرطبة ومياهه الجوفية والبيئة البحرية كذلك" وفقَ دراسة لم تنشر للصليب الأحمر عام 2011 تُبيّن كيفَ تحول الوادي إلى مكب للنفايات بطريقة غير قانونية.
اعترف مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية مخيم النصيرات - وهو المخيّم الملاصق للوادي والأكبر في المحافظة الوسطى- م.إبراهيم أبو سلطان بأن بلديته بدأت بضخ المياه العادمة غير المعالجة إلى وادي غزة مع بداية عام 1999 تقريباً، وازدادت الكميات بعد إنشاء شبكات صرف صحي كبيرة في العام 2002م، وذلكَ لأن عدداً كبيراً من المواطنين استغنى عن الحفر الامتصاصية.
"المياه العادمة في مدينة دير البلح ومخيم المغازي والزوايدة والبريج والنصيرات ومدينة الزهراء، والبالغ مجموع سكانها 240 ألف نسمة تُصرّف إلى وادي غزة مباشرة دون معالجتها، ناهيكَ عن المياه التي تدّعي بلدية غزة أنها معالجة وتضخها إلى الوادي" وفقَ ما صرّحَ أبو سلطان.
وتأكيداً لازدياد كمية المياه العادمة التي تصب في الوادي أشار القائم بأعمال مدير عام الإدارة العامة للسياسات والتخطيط البيئي في سلطة جودة البيئة بهاء الأغا إلى "أنه ما بين عام 1999 إلى2000 كان يُضخ إلى الوادي من المياه الرمادية –مياه المطبخ والحمام والشطف والخالية من الملوثات البرازية- القادمة من المخيمات الوسطى حوالي 1500 متر مكعب، أما الآن 2012 فيُضخ مياه عادمة خام أكثر من 60 ألف متر مكعب يومياً".
وقد فاقم الوضع خطورة توقف محطات المعالجة عن العمل لفترات متفاوتة بسبب انقطاع التيار الكهربائي حسب ما ورد في كتاب "أثر الانتهاكات الإسرائيلية في العام 2008على قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على حماية حقوق الانسان" والصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، والذي أشار الى أن محطات معالجة المياه العادمة توقفت تماماً عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء وما ترتب عليه ضخ 77 مليون لتر من مياه الصرف الصحي يومياً في البحر دون معالجة ما سبب تلوثاً بيئياً خطيراً للبحر.
من جهتها رفضت سلطة جودة البيئة-وزارة البيئة سابقاً- التي تعتبر الجهة المشرفة على الوادي، على لسان رئيسها إبراهيم أبو يوسف تزويدنا بأية تقارير تثبت تلوث وادي غزة، رغم وجودها-باعتراف المؤسسات الأخرى كالبلديات ومصلحة مياه بلديات الساحل والصليب الأحمر.
لكن أبو يوسف، دافع عن البلديات ومنحياً باللائمة على إسرائيل ووكالة الأونروا.
"تصوّر نفسك رئيس بلدية ولديك كمية مياه عادمة تقدّر بـ15 إلى 20 ألف لتر مكعب فيما الطاقة الاستيعابية لمحطة المعالجة في المدينة تتراوح بين خمسة وعشرة آلاف لتر مكعب, أين ستذهب بالباقي؟"يجادل أبو يوسف، مضيفاً أن "الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة منعَ استكمال بناء محطة معالجة المياه العادمة في المنطقة الوسطى مما اضطر بلديات تلك المنطقة إلى ضخ المياه العادمة إلى وادي غزة".
أما مسؤولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" من وجهة نظر أبو يوسف فتتمثل في عدم إنشائها لشبكات صرف صحي. وقد أثبتت الاستبانة التي وزعها كاتب التحقيق على عينة بلغت مائة شخص من سكان الوادي أن أكثر من 95% من العينة لا توجد لديهم شبكات للصرف الصحي، ويعتمدون في تصريف مياههم العادمة على حفر امتصاصية داخل بيوتهم، يتم تصريف مياهها في نهاية الأمر الى الوادي.
الأنروا رفضت من جهتها التعليق على هذه الاتهامات.
في محطة الشيخ عجلين لمعالجة المياه العادمة التابعة لبلدية غزة تأكد لنا أن كمية المياه العادمة الواصلة إلى المحطة من مدينة غزة لوحدها تتراوح ما بين 55 إلى 60 ألف متر مكعب يومياً إضافةً إلى عشرين ألف متر مكعب غير معالج نهائياً من محافظة الوسطى.
بينما تم تصميم المحطة لمعالجة 32 ألف متر مكعب فقط حسب تأكيد رئيس وحدة إعادة الاستخدام في المحطة م.عمران الدحدوح.
يؤكد الدحدوح أن "المياه المدخلة إلى محطة المعالجة تُصنّف بالنسبة للمواصفات العالمية بالقوية والشديدة التلوثـ تُضخ في الوادي أو البحر مباشرةً، فيما يُستخدم جزء منها في مشروع البرك الزراعية".
بحسب الدحدوح، "لا يوجد لدى المحطة عملية تعقيم ما يؤدي لترسب الملوثات والممرضات والكائنات الحية في المياه. رغم أن التقارير الشهرية للطب الوقائي بوزارة الصحة إيجابية، و تنفي تواجد فيروسات خطيرة كالإيدز والكبد الوبائي وغيرها"، وفي تقرير صدر عن محطة المعالجة يؤكد أن البكتيريا القولونية تزيد في المياه العادمة في غزة عن 20 مليون مستعمرة في كل مائة مليمتر من الماء، في حين يجب أن لا تزيد حسب المواصفات القياسية والعالمية عن 2000مستعمرة لكل 100 مليمتر".
خطر على الثروة السمكية..
وحسب التحليل المخبري لمياه الوادي الذي أجريناه تبيّنَ أن أعداد البكتيريا عالية جداً في مياه الوادي وذلكَ ما يؤكد عليه انخفاض نسبة الأكسجين الذائب في الماء.
ويُعتبر الوادي حسب دراسة للصليب الأحمر -التي استندنا إلى جزء منها في تحقيقنا- بؤرة لتفريغ المياه العادمة التي تفيض بالمواد الكيميائية والسموم والمواد العضوية الذائبة والبكتيريا والفيروسات والطفيليات والديدان، التي لا تُؤثّر على البيئة الزراعية فحسب وإنما البحرية بما تحويه من ثروات سمكية.
دراسة الصليب الاحمر..
قبل عام 2004 كانت تغطي تلك الأراضي 10,14 هكتار من مساحة الوادي (1250 دونم).
حالياً لم يتبق من تلك المساحة سوى 20-30 ٪، ودُمّر الباقي من خلال دفن النفايات الصلبة فيها وتحويل بعضها إلى أماكن سكنية.
تحول الوادي الى تيار من المياه العادمة لمسافة خمسة كيلومترات هي مساحة الجزء الغربي حيث يتم تصريف قرابة 50 ألف متر مكعب من المياه العادمة المتدفقة من مدينة غزة والبلديات الوسطى.
يلتقي المصدران على بعد 2,5 كم شرق البحر ويصبان على شاطئه.
ويؤكد المسئول في الإدارة العامة للثورة السمكية جهاد صلاح أن "المياه العادمة بقطاع غزة تتدفق إلى البحر بكميات كبيرة تصل إلى حوالي 50 ألف متر مكعب، ولها تأثير سلبي على المخزون السمكي على المدى البعيد حاصةً وأن غالبية أنواع الأسماك تضع بيوضها في المنطقة الشاطئية التي تتعرض للتلوث".
خطر على المياه الجوفية..
مياه غزة تُصنّف بالمالحة بحسب دراسة الصليب الأحمر، نتيجة تسرب مياه البحر والمياه العادمة إلى الخزان الجوفي. فقد أظهرت الوثائق التي حصلنا عليها لنتائج فحوصات المياه الجوفية لأحد عشر بئراً ممتدةً على طول الوادي أن تركيزات المواد الصلبة الذائبة في الجزء الغربي-الأخير- منه والذي يبلغ طوله 4.5 كم وعرضه 400 متر والممتد من البحر إلى طريق صلاح الدين الرئيسي تبدأ من1810 وتنتهي بـ4450 ملغم/ لتر.
وفوق ذلك تترتفع نسبة الملوحة في الآبار الزراعية الخاصة في محيط الوادي للأسباب السابقة وفق الدراسة ذاتها، حيث تُظهر نتائج فحوصات أن اثنين من الآبار الواقعة في الجزء الغربي من الوادي تتركز فيهما الملوحة حيث وصلت نسبتها في الاثنين 1800 و 1300ملغم/لتر على الترتيب، بالإضافة إلى تلوّث المياه الجوفية قرب مصبه في البحر بالقولونيات البرازية بشكل كبير جداً، حيث وصل تلوث بئرين زراعيين خاصين الى 147 و 174 مل Cell/100 على التوالي، وهذا يعني عدم صلاحيتها للاستعمال الآدمي مع التحفظ على استعمالها لأغراض زراعية.
وحسب دراسة الصليب الأحمر فإن المياه الجوفية عند المصب ملوثة بالنترات فهي تفوق بكثير الـ1000 % من نسبة المعايير الدولية. أما الآبار الزراعية الخاصة فهي ملوثة بشكل طفيف بين 22 إلى 34 ملغم / لتر. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية ينبغي أن لا يتعدى تركيز النترات في مياه الشرب 50 ملغم / لتر حيث أن هذه النسبة يتم تجاوزها في منطقة المصب وغيرها من المواقع حسب الدراسة والمعايير الدولية المعمول بها.
والتنقيب المستمر وغير المشروع عن الحصى في مجرى الوادي، بحسب مشاهداتنا أثناء زياراتنا المتعددة له أدى إلى تسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفي خاصة وأن الحصى يُعد الطبقة الرئيسية التي تفصل بين مياهه الملوثة ومياه الخزان الجوفي القريبة جداً من السطح، حسب دراسة الصليب الأحمر.
التسرّب السابق- وفق الدراسة- رفع معدل معادن الرصاص والكادميوم والزنك في المياه الجوفية والتي وُجدت أصلاً نتيجة دفن النفايات الصلبة كالبطاريات والأجهزة الإلكترونية في تربة الوادي، فوصل تركيز الرصاص في بئرين متتالين عند المصب الى 0.228 و0.37 ملغم/لتر، ونفس البئرين المذكورين هما ملوثين بمعدني الكادميوم والزنك.
وحسب الباحث في مجال البيئة الدكتور زهيد قريقع فان "ارتفاع نسبة الرصاص على وجه الخصوص يسبب الإصابة بالأنيميا ونقص هيموجلوبين الدم، وإتلاف للكلى والكبد، المخ، الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المحيطي، ناهيكَ عن المغص الكلوي، النقرس، التهاب الكلى المزمن والفشل الكلوي. وقد يتسبب أيضاً في إلتهاب كبدي قد يتطور إلى تليف ودوالي في المريء ثم ارتفاع في حموضة المعدة والإثنى عشر".
الأستاذ المشارك في علم الأحياء الدقيقة بالجامعة الإسلامية عبد الرؤوف المناعمة أكد من خلال اطّلاعه على أبحاث وفحوص لطلبة ماجستير على "وجود ملوثات عضوية بكثرة في الخزان الجوفي على امتداد الوادي".
تتصف الملوثات العضوية بحسب الباحثين قريقع والمناعمة "بخاصية التراكم الحيوي أي أنها تدخل إلى الكائنات الحية عن طريق طعامها أو مائها أو عن طريق الاحتكاك المباشر بها أو استنشاقها. ثم تبقى داخل أجسامها. وهذه الملوثات تتحلل ببطء شديد، وتستمر عالقة في البيئة أو الأنسجة البشرية لسنين طويلة".
"وسمّيتها بنسب عالية وبسيطة على حد سواء تؤثر على ذكاء الإنسان وتعطل الغدد الصماء في جسم الإنسان وتؤثر على الأجنة"
ونظراً لأن ارتفاع الملوثات العضوية يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي وارتفاع نسبة كريات الدم البيضاء حسب فني المختبر في مركز صحي المغراقة جمعة المنيراوي، ولأن سكان الوادي هم على تلامس مباشر مع مسببات الأمراض، فإن حوالي 16 ألف نسمة منهم -حسب الجهاز المركزي للإحصاء- عُرضةً للكثير من الأمراض الناتجة عن ضعف المناعة التي تسببها الملوثات.
وحسب تصريحات المنيراوي بالإضافة إلى عينات بعض السجلات اليومية التي زودنا بها، فإن عشرات الحالات تُصاب بتلك الأمراض شهرياً بحيث تصل إلى أكثر من 200 حالة، بزيادة مضطردة يومياً لا تقل عن 2%.
خطر على التربة..
وقال قريقع الذي أجرى العديد من الأبحاث في مجال البيئة وخاصة وادي غزة عن تلوث التربة في الوادي "من يعيش في منطقة الوادي سيُصاب بالأمراض لو بعد خمسين عاماً، لأن في منطقة الوادي يستخدمون المبيدات الحشرية -دي دي تي- بكثرة، التي تبقى في الأرض لخمسين سنة".
وأضاف مؤكداً نتائج فحوصاتنا أنه "حتى تسكن في محيط الوادي يجب عليك أن تزيل المخلفات الآدمية والحيوانية وطبقة كبيرة من التربة، عدا عن أن مياه وادي غزة ملوثة تلوث كيميائي، وترتفع درجة ملوحتها وتزيد فيها أملاح الكلورايد عما هو مسموح به عالمياً في مياه الشرب، وللأسف عندما تأخذ عينة وتحلل تجد أن نسبة الملوحة في المياه تزيد بصورة كبيرة بحيث لا تصلح للاستخدام الحيواني أو الانساني".
نظراً لشح الأبحاث العلمية حول الأثر الصحي لتلوث الوادي إضافةً لعدم توفّر المعلومات في وزارة الصحة والمؤسسات المعنية، وزّع كاتب التحقيق استبانه رأي عشوائية على سكان منطقة ضفتي وادي غزة لجمع المعلومات عن سكان الوادي.
نتائج الاستبانة كشفت أن 85% من سكان ضفتي الوادي يزورون العيادات البعيدة للعلاج مرة في الشهر على الأقل، أي نحو 13 ألف نسمة من عدد سكان جانبي الوادي الاجمالي 16 الف نسمة، وأكدت النتائج أن 70% من العينة يزرعون خضروات داخل بيوتهم رغم ما أثبتته الفحوصات من أن التربة غير صالحة للزراعة.
تلويث مياه البحر..
وفق دراسة الصليب الأحمر فان مستشفى شهداء الأقصى في المنطقة الوسطى سجّل خلال صيف 2011 ما بين 20 إلى 46 حالة لمرض التهاب السحايا. الأسباب الرئيسية لهذا المرض بحسب الدراسة هو السباحة في المياه الملوثة المشابهة لتلك الموجودة في نقطة مصب الوادي بالبحر، ناهيك عن شهادات بعض السكان المحليين بالعثور على الديدان أثناء تنظيف الأسماك التي تم اصطيادها من البحر قبالة نقطة التخلص من المياه العادمة من الوادي.
نتائج الاستبانة..
100% من العينة تنتشر في بيوتهم القوارض والحشرات، مثل البعوض،الجرذان والصراصير، والثعابين، مما يؤدي وحسب الاستبانة الى انتشار الحساسيات والطفح الجلدي والفطريات والحكات بين 90% سكان ضفتي الوادي.
70% من سكان الوادي يرون أن التلوث في الوادي وانتشار البعوض تسبب في تراجع تحصيل أبنائهم العلمي، و95% من سكان ضفتي الوادي يقولون بأن البعوض والروائح الكريهة وانتشار الحشرات والقوارض هي أكثر الأسباب التي تضايقهم نتيجة قرب منازلهم لوادي غزة.
ويستخدم 80% من سكان ضفتي الوادي أدوية المضادات الحيوية للأمراض، وأكثر من 95% منهم يقولون بأن الحكومة لا تهتم بهم صحيا.
35% من سكان الوادي يشربون من آبار حفروها بأنفسهم في بيوتهم بجوار الوادي مع ما بها من ملوثات براز آدمي وغيره يتسرب عن طريق الحفر الامتصاصية، وبنفس الوقت يعتقدون بأنها غير نظيفة نهائيا، و 65% لا يشربون منها.
وأكثر من 95% من سكان ضفتي الوادي يتهمون بلدية غزة وبلدية البريج والنصيرات بمسئوليتهم عن تلوث الوادي.
الطبيب العام في مركز صحي المغراقة عبد الزهار أكد أن "التلوث سبب رئيسي لانتشار حالات الإصابة بالأميبيا كوباء في المنطقة، إضافةً إلى الإصابة بديدان الجارديا و انتشار التيفوئيد الذي يتسبب بوفاة المواطنين" .
كما أثبت الأستاذ المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية عبدالرءوف المناعمة أن البحر "أصبح غير قادر على التطهير الذاتي وقتل الفيروسات جهة المصب نتيجة تدفق المياه العادمة بشكل مستمر".
من خلال دراساته وتجاربه يشرح المناعمة كيف تم اكتشاف بكتيريا السالمونيا التي تسبب الاضطرابات المعوية والإسهال بشكل عام، إضافة للطفيليات كالجارديا والأميبا.
تلك الممرضات كان يمكن أن يتخلص منها البحر لو كانت بكميات قليلة، ولكن نسبتها مرتفعة جداً، بحيث يمكن اكتشافها فيه حية حسب المناعمة.
وفي بحث أجراه مدير دائرة التوعية البيئية في وزارة البيئة والباحث في معهد المياه والتربة في جامعة الأزهر بغزة أ.أحمد حلس على مياه بحر غزة وخاصة عند مصب وادي غزة، أكدَ أن 48% من مياه البحر ملوثة.
وقال " أخذنا 156 عينة من رمال ومياه شاطئ بحر غزة ووجدنا أن الدودة الدبوسية والأنتمبيبا والاسكارس تنتشر فيها، وجميعها طفيليات ممرضة تسبب مشاكل صحية كثيرة".
ضخ غير محسوب للأمراض، وانتهاكات صريحة بحق البيئة الفلسطينية والمواطنين، تتغاضى عنه الحكومة و يتقاذف المسئولون الاتهامات بشأنه في ظل غياب مشروع فعلي للتخلص من المياه العادمة بشكل صحي ينجو فيه الوادي وسكانه من الأخطار البيئية التي تهدد حياتهم.