تقرير لجنة صلاح شحادة يؤكد عدم أهلية سلطات الاحتلال للتحقيق في انتهاكاتها
مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي بإعادة الاعتبار لتوصيات تقرير لجنة غولدستون
أنهت لجنة تحقيق حكومية إسرائيلية في جريمة اغتيال صلاح شحادة، قائد الجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي كان شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، تحقيقاتها ورفعت تقريرها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد الموافق 27 شباط (فبراير) 2011. وكان أولمرت شكل هذه اللجنة عقب الاستئناف الذي قدمته حركة "يوجد حد" والناشط اليساري الإسرائيلي "يواف هاس".
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت عند منتصف ليلة الاثنين الموافق 22 تموز (يوليو) 2002، على اغتيال[1] صلاح شحادة مرتكبة مجزرة راح ضحيتها (13) فلسطينياً من بينهم (
أطفال ورضيعة لم تتجاوز الشهر الثاني من عمرها، ووالدتين، في حين بلغ عدد المصابين 150 مصاباً، وبلغ عدد المنازل السكنية التي تعرضت للتدمير (69) منزلاً.
وجاء في خلاصة تقرير اللجنة أنه لا يجب تحميل المسئولين، سياسيون أم عسكريون، في إسرائيل المسئولية عن الآثار الناجمة عن عملية الاغتيال التي راح ضحيتها مدنيين وأطفال. وأوضحت اللجنة أن هذه النتائج (سقوط ضحايا مدنيين) لم تكن مقصودة ولا مرغوب فيها كما أنها لم تكن متوقعة. وهي في كل الأحوال لم تنجم عن إهمال أو عدم اكتراث بالحياة الإنسانية.[2]
ويبرر تقرير اللجنة الهجوم الجوي الذي استهدف شحادة بالادعاء "أن قتله كان ضرورةً ملحةً بسبب الزيادة الكبيرة والتصعيد المتواصل بما وصفه "الاعتداءات الإرهابية" منذ عام 2000 بطريقة أدت إلى حدوث ما يمكن تصنيفه كحالة نزاع مسلح".[3]
وأشار التقرير إلى أن جميع من اشتركوا في العملية علموا باحتمال وقوع إصابات بين المدنيين، مع الحرص على أن تكون الإصابات بين المدنيين في أدنى حد ممكن. ويوضح التقرير أن الفجوة بين ما هو معلن من حرص على تجنب إصابة المدنيين، وبين هذا العدد الكبير من الضحايا والخسائر تعود إلى خلل في المعلومات الاستخبارية المتعلقة بوجود مدنيين في المنازل المحيطة بمنزل شحادة، حيث أن المعلومات التي قدمها جهاز المخابرات لم تكُ كاملة أو دقيقة أو مركزة أو مترابطة. وتؤكد في استخلاصاتها أنه تم منح كثير من التركيز على قتل شحادة، فيما تم منح احتمال سقوط ضحايا مدنيين غير متورطين كنتيجة للهجوم قليل من التركيز. هذا ولم توصِ اللجنة باتخاذ إجراءات شخصية بحق أي شخص من الذين اشتركوا في الهجوم أو اتخذوا القرار بتنفيذه. كما بررت توصيتها بعدم تقديم أي مسئولين للمحاسبة بأنه قد مر زمن طويل على تنفيذ الهجوم، بحيث يعمل الآن مخططوه ومن أمروا به في مناصب في الكنيست والحكومة، وأن من شأن إجراء التحقيق أن يشكل خطوة ضرورية بالنسبة لصناع القرار بمن فيهم رئيس جهاز الأمن العام (شين بيت) ورئيس هيئة الأركان ليوفوا بواجباتهم في المستقبل.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يشعر أنه يجب التذكير بجملة من الحقائق التي يتجاهلها التقرير، في استمرار لنهج المسئولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل إثر تنفيذ الهجوم مباشرة، حيث شددوا على عدم معرفتهم المسبقة بوجود مدنيين في منزل الشيخ صلاح شحادة أو المنازل المحيطة. وفي هذا الصدد يشير مركز الميزان إلى الآتي:
1. استهدفت العملية منطقة مكتظة بالسكان، وقوات الاحتلال تعرف ذلك جيداً، إذ أنها تحتفظ بخرائط تنظيم للمدن الفلسطينية كافة بفعل احتلالها لقطاع غزة لعشرات السنوات. كما أن دقة الإصابة تؤكد أن قوات الاحتلال تعرف التفاصيل الجغرافية للمنطقة عبر طائرات المراقبة التي تكاد لا تبارح سماء قطاع غزة. إن من يمتلك المعلومات بوجود صلاح شحادة في المنزل المستهدف، لديه معلومات عن وجود مدنيين في منازلهم، وهم جميعاً مدرجون في السجللا المدني الذي تمتلكه إسرائيل.
2. استخدمت قوات الاحتلال طائرة حربية نفاثة، وأطلقت قنبلة ذات قدرة تدميرية عالية تبلغ زنتها طن واحد، وفقاً للمصادر الإسرائيلية، الأمر الذي يؤكده حجم الدمار الكبير، الذي لحق بالمنطقة. وكان باحثو مركز الميزان رصدوا تدمير (
منازل تدميراً كلياً، و(61) منزلاً لحقت بها أضرار جزئية. إن اختيار وسيلة الهجوم من قبل عسكريين يعلمون مدى الضرر الذي تحدثه هذه الوسيلة، كما يعلمون ديموغرافيا المنطقة وسكانها، يؤكد أن تلك قوات الاحتلال لم تكترث بحياة السكان المدنيين. إن إدعاء إسرائيل بأنها استهدفت صلاح شحادة، لا يمكنه أن يبرر إلقاء قنبلة تزن طناً على منطقة سكنية مكتظة لقتله.
3. جاء توقيت الغارة الجوية في منتصف ليلة الاثنين، وهو توقيت من البديهي أن يخلد فيه الناس للنوم، ما يعني أن سكان المنطقة بما فيهم أفراد أسرة شحادة، يكونون في منازلهم في هذا التوقيت، وهو ما يسهل التوقع بقتل وجرح عدد كبير جداً من المدنيين، ويؤكد عدم اكتراث قوات الاحتلال بحياتهم.
4. إن جريمة الاغتيال خارج نطاق القانون هي جريمة حرب لا تسقط بالتقادم ولا بخروج من نفذوها أو أمروا بتنفيذها من الخدمة.
مركز الميزان إذ يؤكد أن تقرير اللجنة لم يخرج عن إطار الرواية الرسمية الإسرائيلية في حينه، والتي حاولت أن تتحلل من المسئولية القانونية والأخلاقية عن ارتكاب هذه الجريمة بادعاء الجهل بطبيعة المنطقة وكثافتها السكانية العالية، في محاولة لتجنب الاستنتاج بأن هذه الاعتداء حدث بطريقة تخالف مبادئ أساسية وقواعد آمرة للقانون الدولي يتحمل مرتكبوه ومن أمروا به مسئولية جنائية تجاهها. وإذ يؤكد أن تقرير لجنة التحقيق ما هو إلا محاولة ممجوجة لتلفيق أكاذيب مجافية للحقيقة، الأمر الذي يعزز إدعاءات المركز من أن التضليل أصبح يشكل نهجاً للمستويات السياسية والحربية كافة في إسرائيل؛ وأن دولة الاحتلال وخاصة المستويات العسكرية فيها غير مؤهلة لإجراء تحقيقات مهنية ونزيهة في أي شبهة حول ارتكاب قواتها لجرائم حرب.
والمركز يؤكد أن كل تحقيق جديد تفتحه سلطات الاحتلال يغلق بالوصول إلى ذات النتائج من عد مسئولية أحد عن الجرائم، والتذرع بنقص المعلومات وغيرها من الذرائع كما حدث في إغلاقها التحقيقات في جرائم استهداف المدنيين وممتلكاتهم بشكل متعمد، واتخاذ المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وذلك بالرغم من تطابق روايات الضحايا الفلسطينيين مع روايات الجنود الإسرائيليين التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وعليه فإن المركز يدعو المجتمع الدولي لإعادة الاعتبار إلى توصيات لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ريتشارد جولدستون القاضية بضرورة إجراء تحقيقات نزيهة، وموضوعية، وذات مصداقية في ارتكاب قوات الاحتلال لانتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إن التحقيقات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي أو لجان حكومية منقوصة الصلاحيات لا يمكن لها أن ترقى إلى التحقيقات التي يتطلبها القانون الدولي في مثل هذه الحالات، ولذلك، وفي ظل إصرار إسرائيل على عدم الالتزام بالقانون الدولي وإجراء تحقيقات تلتزم بقواعده، يدعو المركز المجتمع الدولي للعمل على ضمان ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب باستخدام وسائل وآليات العدالة الدولية، بما في ذلك تحويل ملفات الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
والمركز يرى في تقرير لجنة شحادة مدعاة للتمسك بملاحقة مجرمي الحرب واستمرار العمل على هذا الملف، حتى لا تشكل هذه التقارير غطاء لجرائم الحرب ولا رخصة لارتكاب جرائم جديدة في المستقبل.
انتهى