العنوان الأصـلي: المرتزقة في العراق
العنوان الفرعـي: المتعاقدين الأمنيين في العراق والقانون الدولي
الإعــــداد: رائد الحامد
جـهة الإصـدار: مركز بغداد للدراسات والاستشارات
تاريـخ الإصدار: الأول من كانون الثاني 2011
عـدد الصفحات:
مركز بغداد للدراسات والاستشارات
مركز بحثي الكتروني غير ممول يمارس نشاطا مجانيا إسهاما في الجهد المقاوم
Email: raedalhamed@gmail.com Web: www.wrpen.net Tel: 00963932788118
جدول المحتويات
صفحة الغلاف 1
هذا البحث 1
صفحة الغلاف 1
صفحة الغلاف 1
صفحة الغلاف 1
اكتب عنوان الفصل (المستوى 3) 3
اكتب عنوان الفصل (المستوى 1) 4
اكتب عنوان الفصل (المستوى 2) 5
اكتب عنوان الفصل (المستوى 3) 6
هذا البحث
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المتعاقدين الأمنيين الذي سيخلفون القوات الأمريكية المزمع سحبها نهاية العام 2011، وعن حقيقة مهامهم المستقبلية في عراق ما بعد أمريكا كشكل من أشكال الاحتلال الخفي، ونحاول في هذا البحث تسليط الضوء على الجوانب القانونية المتعلقة بهم، وتوصيفهم ومحاولة كلّ من الولايات المتحدة ومالكي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إضفاء الشرعية على نشاطاتهم وتمييزهم عن المرتزقة الذين يقاتلون فيَقتِلون ويُقتَلون لأجل المال خدمة لغايات وسياسات تلك الشركات والدول المتعاقدة معها، وسنلقي الضوء على الجوانب المتعلقة بنشاطاتهم في العراق وموقف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني منهم، والقرارات والأوامر الجائرة لإفلاتهم من العقاب، كما يحاول البحث كشف تجاوزات الولايات المتحدة وانتهاكها للقانون الدولي في مسألة تعاقدها مع المرتزقة تحت غطاء الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
مقدمة تاريخية وتوصيف
موظفو الشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة، شركات الحماية الأمنية، المتعاقدون، المتعهدون أو المقاولون الأمنيون، جنود ظل، بنادق مأجورة، جيش خفي، أيّاً كانت تسمياتهم، ومهما حاولت بعض الدول أو الشركات المستفيدة من هذا المجال الربحي الدعوة للفصل أو التمييز بين المرتزقة الذين يسعون للقتل من أجل الغرض المادي البحت، وبين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تعنى بمهام الحماية والدفاع عن الجهات الدافعة، وهذه الجهات عادة هي جهات شرعية كحكومات ذات سيادة أو جيوش نظامية ترتبط بدول وتخضع لقوانينها، أو شركات مسجلة تمارس نشاطاتها في إطار القانون، إلاّ أنّ واقع حال وممارسات أولئك الموظفون لا يدلّل على سمةٍ جامعة تجمعهم لتنأى بهم بعيداً عن توصيف عناصر الإرتزاق أو المرتزقة، أفراداً كانوا أم مجاميع.
تفشت ظاهرة المرتزقة بوضوح في الثلث الأخير من القرن الماضي كظاهرة فرضت نفسها على واقع الكثير من الدول، وكمهنة احترافية اجتذبت مئات الآلاف من الطامحين بالثروات أو الراغبين بتلبية نزعاتهم الإجرامية من المغامرين والعسكريين أو الأمنيين المتقاعدين (من الضباط وضباط الصف المتقاعدين في الجيش والشرطة) ، أو من المجرمين المحترفين القادمين من عصابات الجريمة الدولية المنظمة اللاهثين وراء الكسب المادي بأيّة وسيلة، خاصّة من الدول الأفريقية التي غادرها الاستعمار الفرنسي أو البريطاني، أو من دول أمريكا اللاتينية.
يمتد تاريخ عناصر الارتزاق الحقيقي إلى (الأيام التي سبقت الثورة الفرنسية 1789م، إذْ كانت المطاعم والفنادق عادةً ما تعلّق لوحات تحمل كتابات مثل ـ يمنع دخول الساقطات والكلاب ـ في إشارة إلى المرتزقة، ذلك أنّ سلوك الجنود المرتزقة وممارساتهم غير المقبولة وغير المسؤولة جعلت منهم عنصراً مرفوضاً من المجتمعات الأوربية بصورة عامة) ، بل إنّ البعض قد أرّخ لظهورهم إلى (إمبراطور اليونان كوزينوفون الذي جنّد عشرة آلاف يونانياً للمحاربة في بلاد فارس مقابل مال) .
كانت الحاجة إلى حماية الشركات النفطية ومناجم الماس في النصف الثاني من القرن العشرين في بعض الدول الأفريقية المستعمَرة آنذاك، قد ساهمت في شيوع ظاهرة استخدام المرتزقة لإثارة النزاعات والحروب الأهلية عبر أشكالٍ متعددة من العنف المُدبَّر الذي يهدف إلى إشغال مواطني تلك البلدان ولفت انتباههم عن عمليات نهب ثرواتهم التي تقوم بها الشركات النفطية دون حسيب أو رقيب، كما حدث في موزمبيق والكونغو، وحدث ويحدث في العراق منذ غزوّه في 9 نيسان 2009، ولم يقتصر أمر إثارة النزاعات والحروب الأهلية على البلدان الأفريقية، بلْ أنّ بلداناً عدّة في أمريكا اللاتينية شهدت حروباً مماثلة، وفي العراق أيضاً حيث تَمَّ استغلال حالة الفوضى التي تسبَّبَ بها غزوّ العراق من قبل شركات المرتزقة في المزيد من عمليات الإثراء المصحوبة بالقتل بذريعة توفير الحماية الأمنية للبنى التحتية والشخصيات المهمة.
خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ومع ازدياد مساحة انتشار القوات الأمريكية في منطقة الخليج العربي بعد حرب الخليج الثانية ثُمَّ غزوّ العراق واحتلاله في نيسان 2003 وما أعقبه من واقع فقدان القوات النظامية العراقية الجديدة وقوات الاحتلال قدرتهما على الإمساك بالأمن والنظام في عموم العراق، وفقدانها السيطرة على مدن المقاومة المعروفة بالمناطق الساخنة، أدى هذا إلى ازدياد الحاجة لاستخدام المرتزقة للقيام بمهام الخدمات والتدريب والحماية والحراسة الأمنية وتأمين الدعم اللوجستي لتتفرغ تلك القوات النظامية لمهامها القتالية الروتينية، فيما تناط بالمرتزقة مهمات أخرى كالعمليات القذرة والأخرى التي تحمل طابعاً جرمياً ترى فيها الجيوش النظامية ضرورةً لازمةً لانجاز المهمة في ذات الوقت الذي تجنِّب نفسها المساءلة القانونية، وما يترتب عليها من عواقب إجرائية سياسية أو مادية أو أخلاقية.
لقد اشتهرت مجاميع المرتزقة بأدوار منافية لقيم المجتمعات الإنسانيّة مقابل أجر دون أنْ تكون لهم قضية يقاتلون من أجلها فيَقتِلونَ ويُقتَلون، والمقتولون منهم لا يتم تعويض ذويهم من قبل الحكومات التي تستخدمهم بموجب عقود مبرمة معها ، لذلك تحاول الشركات التي يعملون فيها إلقاء التبعات القانونية على حكومات الدول التي استقدمتهم، أما وليم اولتمان فانه يصف المرتزقة بأنهم (يمارسون أعمالاً لا تخطر على بال، وأخطر بكثير مما يفعله الجنود النظاميون، ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على البشر، لأنهم بلا مشاعر أو ضمائر، ومن أين تأتي الضمائر لبشر مهنتهم القتل مقابل المال) ، وإنْ كنّا قد أطلقنا صفة المرتزق على العديد من الأسماء المتداولة كتسميات رسمية تتعامل بها الدول والشركات، إلاّ أنّ تسمية المرتزق حقيقةً ليست كذلك، وإنْ كانت هي الأكثر واقعية ودلالة على صفة وفعل العنصر الذي يتقاضى أجراً مقابل فعله.
إنَّ تعدد المسميات هي محاولة للهروب من التسمية الحقيقية الدالة على الفعل والفاعل وأثرها على المرتزق، وأنّ إطلاق صفة (متعاقد) مثلا على المرتزق (تساعد في عملية مسح الخوف وإزالة ما تهدد به المعطيات الجديدة، لأنّ التعبير الأدق هو قولنا: القوات شبه العسكرية) ، ولا يقتصر خطرهم على الدول التي يمارسون نشاطاتهم الإجرامية فيها، بل إن هؤلاء يشكلون مصدر قلق مستقبلي على الولايات المتحدة ذاتها، وبالتالي (المفترض ألاّ تكون قوات من هذا النوع متواجدة داخل الولايات المتحدة، وبما أنهم يعيشون بيننا فإننا نعيش تهديداً خطيراً لكلِّ القيم الديمقراطية الأمريكية، إذ لو أنَّ الولايات المتحدة في حال تعرضها لهجوم كارثي جديد يضاهي ما وقع في 9/11، فسوف تعيش اضطراباً اقتصادياً يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية آلية) .
يُعرِّف الملحق الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1949 المرتزق الذي تنطبق عليه هذه الصفة، كلّ مَنْ: (يجرى تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاعٍ مسلح، أو يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، أو تحفزه أساساً الرغبة في تحقيق مغنم شخصي إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابةً عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم) ، ويتقاضى موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عدة أضعاف ما يتقاضاه أقرانهم في الجيوش النظامية من رواتب وأجور تضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية كمرتزقة بموجب التعريف الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 الصادرة في 4 كانون الثاني 1990.
تضمنت الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 الصادرة في 4 كانون الثاني 1990، تعريفاً يحدّد المرتزق بأنَّه (أيّ شخص: أ ـ يُجنَّد خصيصاً أو في الخارج في نزاع مسلح، ب ـ ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي) ، أما أستاذ القانون الدولي في جامعة نانتير الفرنسية ألن بيليه، فانه يعرِّف عنصر المرتزقة بأنّه (ذلك الشخص الذي يدخل طرفاً في نزاع بدافع الربح، وهو عمل يمنعه القانون الدولي) ، فيما يعّرف ميثاق جنيف المرتزقة بأنهم (أشخاص جندوا في نزاع مسلح في دولة غير موطنهم الأصلي ودافعهم هو الربح المادي المحض، وعملهم محرَّم تبعاً لذلك) .
غالباً ما يكون المرتزقة من العسكريّين المتقاعدين الذين سبق وعملوا رسمياً كأفراد حماية لمسؤولين في دولهم الأصلية، أو حماية الأثرياء والمشاهير وغيرهم، والمرتزق عادةً ما يكون (محترفاً حياة الجندية التي يكتسب منها قدرة قتالية وكفاءة عالية لا تتوفّر لمن لا يعيش حياة الجندية بصورة دائمة) ، ومقابل الربح المادي يمكن استغلال المرتزقة من قبل أنظمة أو دول أو جيوش أو شركات أو شخصيات لتنفيذ سياساتها وتحقيق غاياتها بوسائل يحددونها، وهي في عمومها وسائل لا أخلاقية، كما إنّ الكثير من المتعاقدين للعمل في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة يتم إبرام عقودهم لمهام غير قتالية كالحراسة على المنشآت أو الأعمال الخدمية كالطبخ والتنظيف وغيرهما من الأعمال المدنية، إلاّ أنهم يجدون أنفسهم بعد مباشرتهم عملهم الفعلي بأنهم متورطون بنشاطات قتالية تضعهم في تصنيف المرتزقة ، وهذا لا يعفيهم من المسؤولية القانونية عن الجرائم التي يرتكبونها في بلدان أخرى، كالعراق مثلاً.
وفي العراق فإنّ ثمّة (مرتزقة محليون) لم يتم تعريفهم مسبقاً أو الإشارة إليهم، فهم يشتركون مع المرتزقة الأجانب في الكثير من الصفات والسلوكيات الإجرامية ضدّ مواطنيهم مقابل مكاسب مادية، إلاّ أنّهم يختلفون عن المرتزقة الأجانب الباحثون عن المال فقط، في أنّ (المرتزقة المحليون) يسعون أيضاً لحصاد مكاسب سياسية ونفوذ اجتماعي، وهما أمران لا يعنيان المرتزقة الأجانب الذين يسعون للحصول على المال ليس إلاّ .
التمييز بين المرتزقة وموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
يحاول القائمون على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التمييز بين مهام موظفيهم ومهام عناصر المرتزقة، إذ أنهم يحاربون (إلى جانب الحكومات الشرعية ذات السيادة ومن ثم فإن لها معايير أخلاقية تحكم وتتحكم في عملها واشتراكها في النزاعات، خلافا للمرتزقة الذين يهدفون إلي الكسب المادي من تدخلهم) ، ويتجه العالم نحو نبذ نشاطات المرتزقة وعدم التعاقد معهم، واستبدالهم بشكل أكثر قبولاً وتنظيماً بزيادة الإقبال على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، (فقد أوجد تطوير الشركات العسكرية والأمنية الخاصة نوعاً جديداً من حراس الأمن والجنود الخاصين ممن يعملون في مناطق الحروب والمناطق المعرضة لمخاطر كبيرة في ظلِّ تقييدات قانونية غامضة جداً، وقد حلّت هذه الطرائق الجديدة إلى حدٍّ ما، محل استخدام أفراد المرتزقة التقليديين) ، ويرى البعض ضرورة التمييز بين مهام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وبين مهام عناصر المرتزقة، لأنّ استخدام المرتزقة حسب وجهة نظرهم (أمر محظور حسب اتفاقيات جنيف، ولكن وجهة النظر المناقضة ترى بأنّ عمل هؤلاء لا يختلف كثيراً عن عمل المرتزقة، وإنّ الفرق الوحيد بين ما تفعله هذه الشركات وما يفعله المرتزقة، هو كون هذه الشركات تحظى بمباركة الحكومة لأفعالها، بل وتعتبر أداة لتنفيذ أهداف محددة، ولم يوجه أحد أيّ اتهامات بخرق البنتاغون لاتفاقيات جنيف حين منح أكثر من ثلاثة عقود عمل لهذه الشركات الأمنية الخاصّة، مع العلم التام بأنّها لا تخضع لقواعد الحرب وقوانينها) .
المرتزقة والانسحاب الأمريكي من العراق
غياب الدور الأساسي الذي قامت عليه الأمم المتحدة كالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كما ورد في ميثاقها ، وازدواجية المعايير التي تحكم تعاملها مع القضايا الدولية، والهيمنة الأمريكية على سياساتها وقراراتها، والأهم غيابها كرادع مفترض يحول دون تفشي الصراعات المحلية والدولية، وإطفاء بؤر النزاعات الدولية كأسس أخلاقية وإنسانية بَنَت عليها الأمم والشعوب آمالاً في العيش الآمن والسلم والسلام، ذلك الغياب الأممي مضافا إليه الضعف العربي والإسلامي والصراع الدولي على ثروات المنطقة، خاصة في الثلث الأخير من القرن العشرين، ونزوع الكثير من شعوب الدول العربية والأفريقية نحو رفض التبعية والعبودية للمستعمِر الغربي ونيلها حريتها واستقلالها، وتشكُّل وعي جديد يتمسك به تيار شعبي عريض رافض للاستعمار والتبعية بالمطلق تقريباً، كلُّ هذا أدى بالمستعمر القديم إلى ابتكار وسائل استعمارية جديدة تؤمِّن له غاياته وتحقق له أطماعه بعيداً عن الزيّ العسكري الظاهر المعلن، ومن أهم تلك الأساليب الاستعانة بالطاقات القادرة على التواجد الجغرافي البديل بالإنابة، أيْ وفق مبدأ الانسحاب مع البقاء، أي الانسحاب الظاهري المعلن مع البقاء الخفي بصور متعددة، منها التواجد على شكل شركات عسكرية وأمنية خاصة (مرتزقة)، وتعيّين حكومات تبدو وطنية رافضة للاستعمار في ظاهرها وأمام شعوبها، فيما هي لا تعدو بصفة أدنى أو أعلى أكثر من مجموعة من الموظفين التنفيذيين (المرتزقة المحليون) الذين يُغلِّبون مصالح الرعاة على مصالح شعوبهم مقابل البقاء لأطول مدة ممكنة في مواقع السلطة المتقدمة وغض النظر عن انتهاكاتهم ضد أبناء شعوبهم.
تعتمد الدول الاستعمارية المغادِرة علناً لمستعمَراتها وسائل أخرى لتحقيق مبدأ الانسحاب مع البقاء عبر إثارة النزاعات المحلية والحروب الأهلية والصراعات على السلطة بين أبناء البلد الواحد، مما يعني استمرار الحاجة إلى الأجنبي للحماية الأمنية والبقاء في السلطة، ومن أهم أدواتها الحديثة والمعاصرة النامية بقوة هي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، أو المرتزقة للمشاركة في تلك النزاعات والحروب والصراعات الأهلية، وهو أسلوب جديد أو نوع من أنواع شيوع ثقافات العولمة أو الهيمنة أو غيرها من المفردات التي سادت العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسيادة سياسة القطب الأمريكي الواحد على العالم، واتجاهها نحو تقليص عدد جنودها والاعتماد أكثر على الوسائل الالكترونية في الحروب بما لا يقلّل من كفاءة القوات الأمريكية وقدرتها على الانتشار السريع وكسب الحروب، (كما حدث في انجولا وزائير ثم انتقلت الفكرة إلى أمريكا وبدءوا في تأسيس شركات أمن خاصة كانت أهمها (كي بي آر) المملوكة لـ(هليبورتون) منذ عام 1962م، ثُمّ نوَّعت نشاطها منذ عام 1980م، وقد تطور هذا السوق وتلك التجارة من خلال إقامة علاقات بأجهزة المخابرات البريطانية والأميركية، خاصة وزارة الدفاع الأميركية) ، وهي ليست أكثر من تحقيق غايات الدول الكبرى الطامعة بأساليب أخرى أقل كلفة وأقل إجراماً معلناً، أيْ بمعنى شنّ الحرب بأدواتٍ محليةٍ (مرتزقة محليون) بالإنابة عن تلك الدول.
أعلن الرئيس الأمريكي باراك اُوباما عن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق بحلول نهاية عام 2011، ولم تحقّق الولايات المتحدة أيَّ هدف من أهداف الغزوّ المعلنة، مثل:
• نشر الديمقراطية في المنطقة وقد أعطت الولايات المتحدة صورة مغايرة لطموحاتها المنشودة
• النفط الذي لم تستفيد منه إلا بحدود بعض الشركات النفطية التي يديرها المحافظون الجدد
• أمن إسرائيل الذي حتى وإنْ غاب العراق كمصدر تهديد حقيقي له، إلاّ أنّ مفهوم أمن إسرائيل تراجع كثيراً إلى الحدّ الذي أعلن قادة إسرائيل أنفسهم تراجعهم عن حلم إسرائيل الكبرى وقبولهم بحل الدولتين واستئناف المفاوضات غير المباشرة مع سوريا
• القضاء على ما يسمونه الإرهاب (الإسلام)، وهو ما لم يتحقق، بل على العكس من هذا حيث بدأت شريحة واسعة من الشباب العربي المسلم تؤمن به كخيار وحيد للانعتاق من العبودية الأمريكية والإسرائيلية ومحاولاتها في الهيمنة على ثروات ومقدرات الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية السابقة السيدة كونداليزا رايس، وهي ذاتها التي أعلنت فشله قبل استلام الديمقراطيون إدارة البيت الأبيض
• الفشل الذريع في إثبات حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل
• الفشل في إثبات العلاقة بين نظام الحكم السابق وتنظيم القاعدة
وفي مقابل ذلك أنفقت الولايات المتحدة مئات المليارات على بناء وتوسيع العديد من القواعد العسكرية في العراق، وخسارتها أكثر من 4400 جندي مع مئات الآلاف من المعاقين نفسيا وأكثر من 32000 جريح، حسب وزارة الدفاع الأمريكية نهاية آب 2010، وما يترتب على هذا العدد من أكلاف قد تستمر إلى عشرات السنين، من نفقات الضمان المعيشي والتأهيل البدني والنفسي، وغيرها مما يثقل كاهل كلّ من دافع الضرائب والميزانية المنهكة أصلا بخسارة ما يزيد على 700 مليار في الأزمة المالية الأخيرة وإشهار إفلاس أكثر من 100 مصرف أمريكي وإغلاقها حتى نهاية 2009، إضافة إلى 700 مليار دولار أخرى نفقات حربها في العراق وأفغانستان، ومجمل خسائر قدرتها بعض التقارير الرسمية الأمريكية بأكثر من ثلاثة ترليونات دولار.
واقع عراق اليوم يشير إلى قلق يتزايد يوما بعد يوم على مستقبل البلد بعد إعلان الرئيس الأمريكي اُوباما نيته سحب قواته من العراق بعد أنْ عبث بنسيجه الاجتماعي وأسس لمعالم التقسيم على أسس عرقية وطائفية، وتركه الحبل على الغارب لكل من هبَّ ودبَّ من دول العالم صغيرها وكبيرها ليكون لها نفوذاً في الداخل العراقي ظاهراً أو باطناً، واستقدامه المزيد من المرتزقة مع غياب أي إشارة معلنة لمصير ما هو موجود أصلاً من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة (المرتزقة) ومستقبلها على الأرض العراقية، وهو الذي يحدده قرار الحكومة الأمريكية المسؤولة مباشرة عن تلك الشركات التي تتلقى الأوامر منها بصفتها الطرف الثاني في عقود استقدامهم إلى العراق لأداء بعض المهام في العراق منذ حرب الخليج الثانية من خلال (لجوء الولايات المتحدة إلى تجنيد حوالي 1% من مجموع قواتها في صفوف المرتزقة الجدد) ، فيما تحولت هذه النسبة المتدنية لخصخصة قواتها إلى ظاهرة ملموسة بعد غزوّ العراق عام 2003 على طريق خصخصة المزيد من القوات النظامية وتحويل خدمات أفرادها إلى نطاق الشركات العسكرية والأمنية الخاصة المعروفة بـ (المرتزقة) لقتال المقاومة العراقية في مخالفة صارخة للاتفاقيات الدولية التي تحرِّم تجنيد المرتزقة أو تمويلهم أو تدريبهم لهذا الغرض .
المتعاقدين الأمنيين جيوش الحرب بالإنابة
أعلنت الولايات المتحدة عن تفكيك مئات القواعد المؤقتة والمعسكرات والمقرات العسكرية الصغيرة قبل 31 آب 2010، مع الإبقاء على خمسين ألف جندي يتمركزون في قواعد كبرى لحين انتهاء مهمتهم في العراق نهاية عام 2011، إضافة إلى أعداد كبيرة من المتعاقدين الأمنيين (المرتزقة) الذين تتراوح مهامهم من توفير الحماية الأمنية إلى القيام بالمهمات القتالية وما بينهما من مهام شتى، رغم عدم وجود رقم دقيق لأعدادهم في العراق وأفغانستان إلاّ من مصادر القوات الأمريكية في العراق .
يتسلّح المرتزقة في العراق (بأحدث التجهيزات العسكريّة إضافة إلى المركبات المصفحة رباعية الدفع، وطائرات مروحية، وأجهزة كومبيوتر متطورة جداً، وكذلك تسخير الأقمار الصناعيّة في خدمة تحركاتهم وإرشادهم نحو أهدافهم، وهذه في حقيقتها مهام تناط بالجيوش النظامية وليس بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة وعناصرها المرتزقة، مما يزيل الحدود بين ما هو مدني وما هو حربي في عمل هذه الشركات) ، وهو ما يجعلها قادرة على خوض معارك قتالية متكاملة مع فصائل المقاومة في العراق كبديلٍ مؤهلٍ عن الجيوش النظامية، وهي سياسة أمريكية اعتُمدت بعد نهاية الحرب الباردة، بسبب حاجة المشروع الأمريكي الكوني إلى نشر قوات عسكرية بحجم يفوق الإمكانيات المتوفرة، مما سيزيد من الحاجة لاستعانة القوات الأمريكية بالمرتزقة على نطاق واسع مستقبلاً.
إضافة إلى تلك المهام الموكلة بالمرتزقة، تحتاج القوات الأمريكية بعد انسحابها إلى خدمات المرتزقة أكثر من حاجتها إليها قبل الانسحاب، فهي بحاجة إلى تأمين حماية المؤسسات الاقتصادية الأمريكية كالاستثمارات في مجالات النفط والإعمار وغيرها، وحماية المنشآت المدنية والسياسيّة كالسفارة الأمريكية والقنصليات التابعة لها من استهداف المقاومة لها، أو حتى من ميليشيات الأحزاب السياسيّة وفق أجندات الجهات الراعية، إضافة إلى مهام إثارة الفوضى الداخلية ساعة ترى الولايات المتحدة ما يخدم مصالحها من إشاعتها، والاستمرار في الحرب على الإرهاب دون الحاجة إلى وجود قوات عسكرية نظامية من حيث العدد والقدرات التسليحية، إذْ أنّ تلك (الشركات تمتلك أسطولاً من طائرات الهليكوبتر، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز في 20/4/2004، وأنّ لهذه الشركات تحالفات مع بعض العشائر المحلية، وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من عشرين ألف مرتزق في العراق عام 2004 تزايد إلى مئة وعشرين ألف عام 2006، وتضيف الصحيفة، أنّ وجودهم الآن أصبح واضحاً في العراق حيث يتجولون بعربات مدرّعة، وكثير منهم مدجَّجٌ بأسلحة قتال بالغة التقدّم، وقد شَكَّلت بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة قوات للردِّ السريع، بل ووحدات مخابرات خاصّة بها تصدر يومياً تقاريرها الاستخبارية التي تعتمد فيها على خريطة تواجدها في المناطق الساخنة) ، وقد طوَّرت قوات الاحتلال مهام المرتزقة في العراق بشكل لا سابق له في عمل الشركات العسكرية والأمنيّة الخاصة، وفي الجيش الأمريكي على حدٍّ سواء.
إنَّ وجود أعداد كبيرة من المتعاقدين الأمنيين سيحلون محل القوات الأمريكية المغادرة يقيمون في قواعد عمل ثابتة ، تتوفر لهم فيها مساكن ومحلات ترفيه وأسواق للتبضع أشبه ما تكون بمدن صغيرة، تثير الخشية من تحولها إلى شكلٍ من أشكال الاستعمار الاستيطاني، خاصةً بعد الخروج النهائي والاعتماد الكلي عليهم في مجالات حماية الشخصيات الأجنبية والشركات الاقتصادية والمنشآت المدنية الأخرى، وحاجة الشركات الأجنبية إلى تعيين عدد كبير من الموظفين العاديين في المجالات الإدارية والفنية، ومع احتمالات عدم الاستقرار الأمني في العراق لأمدٍ طويل، فإنّ هذه الشركات الربحية لابد لها أنْ تستعين بموظفين فنييِّنَ أو عاديين بالتعاون مع شركات استجلاب المتعاقدين الأمنيين، ومع الخروج الأمريكي، فأنّ هؤلاء سيكونون بمثابة عصابات منظّمة ستأخذ على عاتقها مَهمَّة الحفاظ على المصالح الأمريكية، والحلول البديل كوكلاء عن المستفيدين الأمريكيين في تلك المجالات الربحية.
إنّ ذلك التداخل سيؤدي إلى مزيد من الفوضى بما يعنيه من اختلاط في الوسط الاجتماعي وتَشَكُّل علاقات متداخلة في جوانب اقتصادية تعمِّقها مصالح ليس من اليسير تفكيكها أو إرغامهم على التنازل عنها، مما يدفع باتجاه التمسك بها وتطويرها، بلْ والقتال دفاعاً عنها مع عدم وجود قوات عراقية تضاهي قوتهم وتسليحهم المتطور قياساً إلى تسليح القوات العراقية، بما فيه الجيش العراقي الجديد الذي سيقتصر تسليحه على سدِّ الحاجة الأمريكية في المواجهة مع الإرهاب ومهمات أخرى، باستثناء حماية سيادة العراق من التدخلات الأجنبية، وعلى العكس من الاهتمام بتدريب وتسليح القوات الأمنيّة وقوات العمليات الخاصة العراقية لمهام أمريكية في الحرب على الإرهاب، لمْ تُبدِ القوات الأمريكية اهتماماً كافياً بتسليح مدرّع أو قوات جويّة او بريَّة قادرة على صدِّ العدوان الخارجي ، أو الدفاع عن البلد في مواجهة التهديدات المعلنة لأيِّ هجومٍ عسكري احتلالي لملء الفراغ مستقبلاً ، والقرار الأمريكي غير المعلن في الإبقاء على وجود جيش متدني القوّة يعكس رغبات إيرانية وخليجية وإسرائيلية، بل رغبةً كرديةً عراقيةً في المقام الأول
المرتزقة والقانون الدولي الإنساني
تعارفت الأمم على أنّ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان هما (مجموعتان من القوانين المتميزة ولكنها متكاملة. ويسعى كل من القانونين إلى حماية الأفراد من الأعمال التعسفية والإساءة. فحقوق الإنسان ملازمة للطبيعة البشرية وتحمي الفرد في كل الأوقات، أوقات الحرب وأوقات السلم. أما القانون الدولي الإنساني فيطبق في حالات النزاع المسلح فقط. ومن ثم فإن قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني يطبقان بطريقة متكاملة في حالات النزاع المسلح) .
تعرِّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانون الدولي الإنساني بأنه (مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف، والمخصصة بالتحديد لحل المشاكل ذات الصفة الإنسانية الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، والتي تحد ـ لاعتبارات إنسانية ـ من حق أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب أو وسائل للقتال، وتحمي الأشخاص والممتلكات) .
يشكِّل القانون الدولي الإنساني جزءاً من القانون الدولي الأساسي، الذي هو مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، وبنود القانون الدولي الإنساني متضَمَّنَة في الاتفاقيات الموقعة بين الدول سواء أكانت اتفاقيات أو معاهدات، وكذلك في القواعد العامة والقوانين العرفية والتي تُصبح ملزِمة قانوناً بحكم ممارسة الدول لها.
إنّ القانون الدولي يفرض على الدول احترام القانون الدولي الإنساني ومساندة العمل الإنساني أثناء الحروب والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية، على اعتبار إن القواعد والمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني هي (مجموعة من القيم التي يقبلها المجتمع الدولي في جميع أنحاء العالم) ، وقد تعزّزت تلك المفاهيم بصورة خاصة بعد القرار الذي اتخذه المؤتمر البرلماني الدولي السادس والسبعون في بوينس آيرس في 11 تشرين الأول 1986 بشأن إسهام المجالس النيابية في تطبيق القانون الدولي الإنساني.
من وجهة النظر القانونيّة، فإنّ المرتزقة يخرجون عن نطاق التعريف الوارد في البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف وغيرها من المعاهدات ذات الصلة حول تعريف المقاتلين وتمييزهم عن غيرهم من المرتزقة، ويُحرمون من التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب، كما نصت عليه اتفاقيات جنيف في 12 آب 1949 بالمادة 47 من ملحق البروتوكول الأول الإضافي المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة ، وتؤكد اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر على (جواز ملاحقتهم قضائياً في حالة ارتكابهم جرائم تنمّ عن عدم احترامهم القانون الدولي أثناء النزاعات المسلّحة).
يفتقر المرتزقة في حقيقة الأمر لأيّة شرعية قانونية أو حق مكفول بممارسة عملهم الذي تغلب عليه صفة الإجرام، مما ينفي أية ذريعة أو صفة قانونية تسوغ نشاطاتهم باستثناء الأمر الإداري رقم 17 الذي أصدره الحاكم المدني لسلطة الائتلاف السفير بول بريمر، منتهكاً بذلك معاهدة جنيف الدولية حول النزاعات المسلحة التي تعتبر المتعاقد الأمني فاقداً لأيّة شرعية تؤهله حمل السلاح وممارسة مهام أمنية في أرضٍ تحتلها دولة أخرى، وهو ما يصنَّفهم ضمن المرتزقة (كمقاتلين غير شرعيين لا ينتمون لأية قوات نظامية عسكرية أو أمنية، وهؤلاء لا تسري عليهم الواجبات ولا يتمتعون بالحقوق التي تمنح للقوات النظامية في حالات وقوعهم في الأسر أو قتل أحد رعايا الدولة المحتلَة، وهي جريمة قتل يُحاسَب عليها طبقاً للقوانين الدولية، كما أفاد قائد القوات الخاصة الأسترالي ومستشار قائد القوات الخاصة الفرنسي) .
الجدل الدائر حول المرتزقة وطبيعة مهامهم والأعمال التي يقومون بتنفيذها لصالح هذه الشركة أو تلك الحكومة، إنما ينحصر في مدى امتثالهم للقانون الدولي الإنساني وعدم عرقلتهم العمل الإنساني في المنازعات المسلحة، التي يشكّل المدنيون أغلب ضحايا تلك النزاعات المسلحة بين قوات الاحتلال وأبناء البلد المحتل، وهؤلاء يمارسون نشاطاتهم المسلحة وغير المسلحة بالاستناد إلى حقهم المشروع في الدفاع عن النفس ومقاومة تلك القوات المعتدية التي انتهكت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بارتكابها جريمة الاعتداء العسكري على حياة مواطني البلد المحتل وممتلكاتهم ومدنهم وقراهم وثرواتهم وحقهم المشروع في الحياة والعيش بأمان.
كفل ميثاق الأمم المتحدة في المادة 51 (الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة) ، وألزم مجلس الأمن (اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه) كأحد مقاصد الأمم المتحدة، كما ألزمت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته أشخاص محميون مسؤول عن المعاملة التي يلقونها من وكلائه) ، والولايات المتحدة مسؤولة قانونياً بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1546 وولايتها على العراق عن حفظ الأمن والاستقرار في العراق وحماية المدنيين العراقيين من انتهاكات الأفراد العاملين في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تعاقدت معها للعمل في العراق ، وهؤلاء يمارسون مهام أمنية في أراضٍ محتلة ويحملون السلاح بصفة غير شرعية، لذا يتم تصنيفهم كعناصر مرتزقة تتحمل الولايات المتحدة كإحدى الدول المتعاقدة معهم بصفتها دولة احتلال مسؤولية الانتهاكات المرتكبة في العراق .
يشوب القانون الدولي غموض واضح بخصوص مسؤولية المرتزقة أو الدول التي تستعملهم لتحقيق غاياتها وأهدافها عن التجاوزات والانتهاكات التي يرتكبونها، وإمكانية مثولهم أمام القضاء في الدول التي ارتكبوا فيها تجاوزاتهم وانتهاكاتهم، كما أنّ النظام القضائي في مناطق النزاعات عادة يكون متردياً إنْ لمْ يكنْ غائباً، وهو ما يثير قلق المواطن الضحية والجمعيات الحقوقية والقانونية، وكذلك المنظمات والهيئات التي تهتم بحقوق الإنسان وتحرص عليها، بخصوص تواطؤ الدول المتعاقدة مع المرتزقة كالولايات المتحدة والحكومة العراقية لإفلات الجناة من العقاب ، وكذلك لصعوبة معرفة سلوك المرتزقة نتيجة التعمد في عدم تقديم الشركات التي يعملون فيها تقارير مفصلة ووافية إلى الحكومات أو المنظمات الإنسانية في بلدانهم الأصلية أو التي يعملون فيها.
أوجب القانون الدولي الإنساني على الدول التي تستقدم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مسؤولية احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة هذا الاحترام، وكذلك على الدول التي أنشأت تلك الشركات على أراضيها أو تعمل فيها، وبإمكان هذه الدول الضغط على الشركات باتجاه (حظر أنشطة معينة، كالاشتراك المباشر في العمليات العدائية ما لم تكن الشركة مدمجة في القوات المسلّحة، وفرض حصولها على ترخيص بممارسة نشاطها استناداً إلى الوفاء بمعايير منها تلبية شروط معينة كتدريب الموظفين في مجال القانون الدولي الإنساني، والحصول على تصريح لكلّ عقد وفقاً لطبيعة الأنشطة المقترحة والوضع القائم في البلد الذي سوف تعمل فيه الشركة، مع تحديد عقوبات ضدّ من ينتهك هذه الشروط، أو ليس لديه تصريح .
من أجل ضمان احترام موظفي الشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة للقانون الدولي الإنساني، وحسب روح القانون فإنّه يتعيّن عليهم احترامه ومواجهة المسؤولية الجنائية عن أيّ انتهاكات يرتكبونها، ويسري ذلك سواء أكانوا مستخدمين من قبل دولة أو منظمات دوليّة أو شركات خاصّة أو غيرها، ويتوجب (إجراءات للتدقيق في تعيين الموظفين وتوفير التدريب المناسب في مجال القانون الدولي الإنساني، وإتباع إجراءات العمل الموحدة، وقواعد الاشتباك المطابقة للقانون الدولي الإنساني مع اتخاذ تدابير تأديبية داخلية) ، وهم يشكلون خطرا يهدد سلام الشعوب وأمنها وحقها في تقرير المصير وعقبة تعوق تمتع الشعوب بحقوق الإنسان بصرف النظر عن طريقة استخدامهم أو الشكل الذي يتخذونه لاكتساب بعض مظاهر الشرعية، فاستخدام المرتزقة وتجنيدهم وتمويلهم وتدريبهم (أمور تثير قلقا شديدا لدى جميع الدول وتشكل انتهاكا للمقاصد والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة) .
على الرغم من أن اتفاقيات جنيف الخاصة بتحريم التعامل مع المرتزقة باعتبارهم عصابات تحترف الجريمة من أجل المال، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية أبرمت عقوداً غير خاضعة لقانون حرية المعلومات الأمريكية مع العديد من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، مثل شركة (داني كورب) الأمريكية المتورطة في فضائح التعذيب وتجارة الرقيق والتي تولت مهمة جلب المرتزقة ونقلهم إلى منطقة البلقان في البوسنة عام 1998، حيث ارتكب هؤلاء جرائم إبادة جماعية ضد مسلمي البوسنة تَمّ اتهام الصرب بها دون دليل، وهذه الجرائم إحدى الأسباب التي مهدت لتقسيم يوغسلافيا في نهاية المطاف إلى جمهوريات صغيرة، وهو ما يخشى تكراره في العراق مع استمرار القتل اليومي بأساليب يكتنفها غموض حول الجهة التي تقف وراءه، إذْ أنّ استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني يوفر لتلك الشركات مجالاً رحباً لجني المزيد من الأرباح الخيالية لها وللمسؤولين في حكومة الولايات المتحدة والحكومة العراقية على شكل عمولات سرية تدفعها لهم الشركات الفائزة بالعقود، وهو يعني المزيد من الحرص على إطالة حالة انعدام الاستقرار الأمني لأطول أمد زمني ممكن.
في العراق، تَمّ منح الحصانة لكافة (المرتزقة) المتعاقدين مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة العاملين لحساب القوة المتعددة الجنسيات، حسب قرار سلطة الائتلاف بالأمر الإداري رقم 17 الذي لا يعطي القانون العراقي حقّ إخضاعهم لأيّة ملاحقات قضائية بشأن تصرفاتهم وانتهاكاتهم وجرائمهم، وهو القرار الذي أصدره الحاكم المدني السفير بول بريمر في 26 حزيران 2004 قبل موعد نقل السيادة للعراقيين في 28 حزيران 2004 والتي كان مقرراً لها أن تكون في 30 حزيران 2004، والذي تَمّ بموجبه تجريد الحكومة العراقية من أيّة سلطة على أفراد قوات الاحتلال أو أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ومنحهم الحصانة ضد المثول أمام القضاء العراقي فيما يحق للقوة المتعددة الجنسيات احتجازهم أو اعتقالهم.
الأمر الإداري رقم 17 الذي سبق وأن أشرنا إليه، أعطى الحصانة القانونية لقوات الاحتلال والموظفين الدبلوماسيين والمقاولين العاملين لديها أو لدى البعثة الدبلوماسية، وهو من الإجراءات المعطلة لسيادة العراق واستقلالية القانون الجنائي العراقي العريق، في ذات الوقت برأ ساحة الحكومات العراقية التي عينتها قوات الاحتلال من الحقوق المكفولة إنسانياً وقانونياً للمواطنين العراقيين الأبرياء الذين سقطوا ضحايا إجرام تلك الحكومات، لأسباب تتعلق بممارستهم حقهم المشروع أممياً في رفض الاحتلال الأجنبي ومقاومة قواته المعتدية التي تحتل بلدهم، أو لأسباب تتعلق بالسياسات التي تحكم سلوك تلك الحكومات باستهداف أرواح وممتلكات ومناطق الآخرين على أسس الهوية الطائفية والعرقية، وفيما تعدُّ قوات الاحتلال صاحبة القرار والسلطة الأمنية في العراق، فأن المسؤولية القانونية تقع أيضا على الحكومة العراقية التي استقدمت تلك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وهي مسؤولة (مسؤولية مباشرة عن سلوك تلك الشركات كأيِّ بلد من البلدان التي تلجأ إلى خدمات القطاع الخاص في المجال الأمني) .
على الرغم من أنّ جنوداً نظاميين مثلوا أمام محاكم عسكرية أمريكية أو بريطانية لمقاضاتهم بشأن الجرائم التي ارتكبوها في العراق، نؤكد أنّ لا أحد من المرتزقة خضع لأيّ شكل من أشكال الملاحقات القضائيّة ، في حين يتوجب أنْ يترك الأمر إلى القضاء العراقي، وفي كلّ الأحوال فإنّ عدم ملاحقتهم قضائيا كفيل بإزالة أيّ تردد يردعهم عن ارتكاب المزيد من جرائم القتل التي هي أصلا استجابة لنزعة القتل المتجذرة في دواخلهم كمجرمين محترفين، وبكلام آخر فإن أمر السفير بول بريمر هو دعوة للقتل العلني دون عقاب، وهذه الدعوة كفيلة بإزالة حالة الحذر والخشية لدى عنصر الإرتزاق من العواقب التي يمكن أن تترتب عليه جراءَ تجاوزاته وانتهاكاته وجرائمه في حال عدم منحه الحصانة القضائية أو تجريده منها، أو على الأقل عدم إعفائه والدول التي استأجرته من التزاماتها في ظل القانون الدولي الإنساني التي قبلت به الشركات التي يعمل فيها، وهي مسؤولة عن تعريف المرتزقة بمضمون القانون الدولي الإنساني وتطبيقه ، كما هي مسؤولة عن منع كل ما من شأنه أن يشجعهم على ارتكاب المزيد من التجاوزات على حقوق الإنسان طالما أنها استخدمتهم كمتعاقدين من القطاع الخاص لتنفيذ مهمات عسكرية أو أمنية .
أقرّت اتفاقية جنيف الرابعة حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب أو في حالات ممارسة الشعوب لحقها المكفول في تقرير مصيرها، كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي ، والمواطنون العراقيون محميون بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949 بمادتها 29 المتعلقة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والتي تنص على أن (طرف النزاع الذي يكون تحت سلطته أشخاص محميون مسؤول عن المعاملة التي يلقونها من وكلائه دون المساس بالمسؤوليات الفردية التي يمكن التعرض لها) .
إنّ حكومة الولايات المتحدة التي انتهكت القانون الدولي بقيادتها القوات المتحالفة التي غزت العراق واحتلاله دون تفويض أممي، مسؤولة عن الإسهام في حفظ الأمن في العراق وحمايته، كما جاء في رسالة السيد كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن في 5 حزيران 2004، (استجابة لطلب حكومة العراق استمرار وجود القوة المتعددة الجنسيات في العراق، وفي أعقاب المشاورات مع رئيس وزراء الحكومة العراقية المؤقتة إياد علاوي، اكتب إليكم لأُؤكد أن القوات المتعددة الجنسيات مستعدة تحت قيادة موحدة أن تواصل الإسهام في حفظ الأمن في العراق، بما في ذلك عن طريق منع الإرهاب وردعه، وحماية إقليم العراق)، وكان السيد إياد علاوي رئيس وزراء الحكومة العراقية الانتقالية المعيَّن حينها قد ضمَّن طلب حكومته المؤقتة تجديد ولاية القوة المتعددة الجنسيات في رسالة بعث بها إلى رئيس مجلس الأمن في 5 حزيران 2004 أيضا جاء فيها:
(إننا نطلب قرارا جديدا بشأن ولاية القوة المتعددة الجنسيات يسهم في حفظ الأمن في العراق، وتطلب الحكومة أن يستعرض مجلس الأمن ولاية القوة المتعددة الجنسيات، بطلب من الحكومة الانتقالية للعراق) ، وبناءً على ما ورد اتخذ مجلس الأمن القرار 1546 في 8 حزيران 2004 الذي استجاب للطلب العراقي بتجديد ولاية عمل القوة المتعددة الجنسيات ملزما إياها بالعمل على صون الأمن وحماية العراق، ومشددا على الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي الإنساني، (وإذ يحيط علما بالتزام جميع القوات العاملة على صون الأمن والاستقرار في العراق بالتصرف وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك الالتزامات المقررة بموجب القانون الإنساني الدولي) ، معتبراً إن وجود القوة المتعددة الجنسيات في العراق بناءً على طلب الحكومة المؤقتة، مما يعني مسؤولية الحكومة العراقية رسمياً عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها تلك القوات.
بموجب القانون الدولي الإنساني، يشير مجلس الأمن في قراره (إلى أنّ وجود القوة المتعددة الجنسيات في العراق هو بناءً على طلب الحكومة المؤقتة المقبلة للعراق، ولذا فانه يعيد تأكيد التفويض الممنوح للقوة المتعددة الجنسيات المنشاة تحت قيادة موحدة بموجب القرار 1511 لعام 2003 ) ، كما منح القرار القوة المتعددة الجنسيات (سلطة اتخاذ جميع التدابير اللازمة للمساهمة في صون الأمن والاستقرار في العراق وفقا للرسالتين المرفقتين بهذا القرار اللتين تتضمنان في جملة أمور، الإعراب عن طلب العراق استمرار وجود القوة المتعددة الجنسيات وتبيان مهامها، بما في ذلك عن طريق منع الإرهاب وردعه) .
قد يكون من الصعب محاكمة المرتزقة أو عناصر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كون مسرح جرائمهم يقع خارج أراضي الدول التي تمّ تسجيل الشركات فيها، وبالتالي فإنّ محاكم أغلب هذه الدول لا تمتلك اختصاصات خارج حدودها الإقليمية، وبموجب القانون الدولي الإنساني، فإنّ عناصر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة يفقدون حمايتهم قانونياً في حال (قيامهم بأعمال تعدّ بمثابة اشتراك مباشر في العمليات العدائية ، أمّا إذا وقعوا في الأسر فلا يحقّ لهم التمتع بالوضع القانوني كأسرى حرب، وتجوز محاكمتهم لمجرد مشاركتهم في العمليات العدائية حتّى لو لم يكونوا قد ارتكبوا أيّ انتهاكات للقانون الدولي الإنساني) ، هذا ما يقوله القانون الدولي الإنساني، وهو خلاف واقع العلاقات بين القوات النظامية في العراق وبين المرتزقة، حيث لا يسأل المرتزقة عن جرائمهم ضد العراقيين، مما يستدعي التفكير الجاد في إيجاد هيئة أو منظمة دولية متخصصة ترتبط بإحدى المنظمات الدولية الاعتبارية المحترمة، أو بمحكمة العدل الدولية، وتكون تلك الهيئة أو المنظمة ذات صبغة إنسانية قانونية تصدر أحكاما وعقوبات ملزمة لجميع دول العالم، ومن دون استثناء الدول التي ترفض التوقيع على الكثير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاكم جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة البشرية، وتناط بها أيضا مهمة الرقابة والتدقيق في سجلات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وتتمتع بصلاحيات تمكنّها من مقاضاة أي مرتزق يرتكب انتهاكا ضد المدنيين في أي مكان في العالم، وإيجاد آليات سحب تراخيص الشركات التي يعملون فيها وفق ضوابط يتم تحديدها، من بينها تكرار انتهاكات عناصرها، وبكلام آخر، يمكن أن يتم مؤقتا تكليف إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة تشكيل محكمة دولية مستقلة تختص بمحاكمة المرتزقة أو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على انتهاكاتهم للقانون الدولي الإنساني.
تلزم اتفاقيات جنيف الجيوش أثناء الحروب التمسّك بالقانون الدولي من قبل الجيوش المتحاربة، وحماية المدنيين العزّل، وفي حال وقوع إحدى الدول المتحاربة تحت الإحتلال فإنّ المسؤولية الأمنية في الأراضي المحتلة تقع على عاتق القوات النظامية لقوات الإحتلال وحدها، وتتحمّل هذه القوات تبعات الاستعانة بالشركات الخاصّة لحماية الأمن، وإنّ إقدام أيّ مسلّح من هذه الشركات على قتل أيّ مواطن يعتبر جريمة يحاسب عليها طبقاً للقوانين الدوليّة، وهو ما يجب العمل بـه في العراق حالياً، إن معاهدة جنيف حول الحروب تحمل جيش الإحتلال وحده حماية الأمن في الأراضي المحتلة وتعتبر المرتزقة مقاتلين غير شرعيين لا تسري عليهم الواجبات أو تمنحهم الحقوق المنصوص عليها للأفراد في الجيوش النظامية، وفي العراق فان الأمر الإداري رقم 17 لسلطة الائتلاف أعطى المرتزق صفة اعتبارية تجعله فوق القانون، وهو يستغل هذه الصفة لتنفيذ ما يخدم سياسات الجهات التي تستعمله، فيما يزيل الأمر الإداري الضمانات القانونية التي تكفل حقوق ضحايا جرائم المرتزقة.
ترجح اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر الدولي استمرار تواجد الشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة في مناطق النزاع حول العالم، أو قد يشهد تزايدها في المستقبل بدافع الحاجة إلى وضع تدابير ضابطة لمثل هذا التواجد، وقد أجرت اللجنة حوارات حول مهام الشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة مع بعض الدول، خاصّة تلك التي لديها شركات عاملة مسجّلة على أراضيها، أو تلك التي تستقدم هذه الشركات، وتنشد هذه الحوارات هدفين أساسيين هما (كفالة ممارسة الدول لمسؤوليتها إزاء عمل الشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة، وتشجيعها على اتخاذ تدابير ملائمة لضمان احترام القانون الدولي الإنساني) .
لطالما أشارت المحكمة الفيدرالية الأمريكيّة إلى عدم وجود ما يخولها قانونياً مساءلة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على جرائم عناصرها أو التحقق من قانونية الثروات الطائلة التي تجنيها هذه الشركات ومشروعيتها ومصادرها والتحقق من مدى تجاوزها للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف الخاصة بلاقانونية التعامل مع المرتزقة كمجر
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/