في الذكرى السنوية الـ46 لانطلاقة فتح
تمنيات لصحوة وطن
د. أحمد يوسف
من حمساوي أحب هذا الوطن وعشق نضالات أبنائه
أقول لإخواني في حركة فتح:
تهانينا.. والدمع يملأ مآقينا.
انطلاقات وأحزان
احتفلت الفصائل الفلسطينية هذا العام بانطلاقاتها كلٌّ على طريقته، وارتفعت الرايات بألوانها المختلفة لتغطي سماء الضفة الغربية وقطاع غزة، وأعطت الفصائل الفلسطينية لذكريات انطلاقتها أكثر بكثير من مناسبات وطنية مشهودة في مسيرتنا المعاصرة.. وتجلت هذه الظاهرة –للأسف- بعد الأحداث المأساوية الدامية في يونيو 2007، والتي كرّست القطيعة والانقسام والأحقاد داخل الشارع الفلسطيني بشكل غير مسبوق في تاريخ شعبنا وقضيتنا.
اليوم – الأول من يناير- لن نشاهد الأعلام الصفراء ترفرف في سماء غزة احتفالاً بانطلاقة فتح، وبالأمس (14/12) لم نرَ أثراً لأعلام حماس في سماء الضفة الغربية، وكأن جماهيرية حماس فقط في غزة، وفتح في الضفة الغربية..!!
في ذكرى انطلاقة فتح أو حماس تنشط – وآسفاه - الاستدعاءات والاعتقالات هنا وهناك، لقطع الطريق أمام كوادر هذه الحركة أو تلك من القيام بأية فعاليات تؤكد حضورها واثبات جماهيريتها.
قد لا يختلف اثنان بأن حركتي فتح وحماس هما أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية، حيث تتجاوز نسبة ثقلهما الانتخابي 90% من حجم الناخبين، وهما أكثر تأطيراً وحيوية داخل المؤسسات الوطنية والإسلامية، وهما أصحاب الأرقام القياسية جهة قوائم الشهداء والأسرى والمكلومين والجرحى، وهما إذا جدَّ الجدُّ ملأوا ساحات الوغى بطلاب الشهادة والمدافعين عن الحمى.
سياسة "واحدة بواحدة"
يوم 14 ديسمبر الماضي مرت ذكرى انطلاقة حماس الـ23 وأخذ حشدها مداه في غزة، ولكن قياداتها وجماهيرها وأنصارها في الضفة الغربية كانوا في حالة من الاعتقال المعنوي وحظر التجوال، وذلك لأن مقتضيات الحالة السياسية هناك تتطلب ذلك..!!
الوضع اليوم وفي ذكرى انطلاقة فتح لن يخرج – للأسف - عن نفس السياق القائم في الضفة الغربية، حيث ستخرج جماهير فتح في الضفة لتؤكد حضورها داخل المشهد الفلسطيني، بالزخم الذي يعكس حجم إمكانياتها وقدراتها التنظيمية الواسعة، أما في غزة فلن تنعم ساحة الكتيبة الخضراء أو ملعب فلسطين بأية فعاليات لفتح ولن ترفرف – بالطبع - راياتها الصفراء في سماء غزة..!!
حالة من السريالية التي علينا أن نحاول فهمها، رغم تعقيداتها وبشاعة أبعادها السياسية والمجتمعية والوطنية.. أسئلة كثيرة حائرة تدور على ألسنة الفلسطينيين بشكل عام، تتقدمها بإلحاح التساؤلات والاستفسارات الحزينة التالية:
متى تنتهي هذه الحالة من الانقسام والتشظي، ونعاود إمساك خطام مسارنا الديمقراطي وحماية وحدة أراضينا في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
ومتى يدرك القائمون على أمر هذا الوطن أن السفينة تغرق ويوشك الجميع على الهلاك؟ لماذا لا يتحرك عقلاء هذا الشعب وحكماؤه لتقديم طوق النجاة قبل أن يطغى ضباب السياسة فتنعدم الرؤية ونسبح في فضاء المجهول؟
لماذا غاب الرجل الرشيد الذي يسدد ويقارب من موقع قيادته، ليحمي مشروعه من الانزلاق بعيداً عن متاهة الحالة الوطنية التي تنكبت الطريق، ودفعت الجميع للاستسلام لأجندات إقليمية ودولية؟!
أسئلة وقراءات للحالة الفلسطينية تُبقي الحليم حيراناً، حيث يقلب الواحد منّا الأمر يُمنّة ويُسرة فلا يرى إلى خروجٍ من سبيل..!!
لماذا نُدمّر بإراداتنا نسيجنا الوطني، ويعمل كلٌّ منّا على سحق الأخر وطمس وجوده؟!
هل انفراد حماس في ساحة غزة يجعلها أشد بأساً وأقوى شكيمة في مواجهة المحتل الغاصب؟!!
وهل الاجهاز على حماس في الضفة الغربية أو كسر شوكة حضورها السياسي وفعلها المقاوم يجعل السلطة هناك في موقع سيادي أفضل، يُمكّنها من النجاح في تحقيق حلم الفلسطينيين في دولة حرة ومستقلة؟!
أعتقد أن ما يجري هنا في غزة بالتضييق على حركة فتح – ولو بشكل محدود - لا يخدم مشروعنا الوطني، وأن ما يتم من ملاحقة واعتقال للكوادر الإسلامية في الضفة الغربية وحظر لكافة أنشطة حماس هناك هو محاولة لقتل هذا المشروع والإجهاز عليه في المنظور الاستراتيجي للشعب والقضية.
التغيير المطلوب والإصلاح الواجب
إذا سلمّنا ابتداءً بأن الإجراءات التي تتم هنا وهناك خطأ يرقى– أحياناً - إلى مستوى الخطيئة بحق الوطن والمواطن، فإن علينا التفكير فيما هو مطلوب لتغيير هذا الواقع، واستعادة بوصلة النجاة لتحقيق الإصلاح، الذي يتوجب على الجميع الشروع به في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة.
لاشك بأن على كلّ من السلطتين القائمتين -هنا وهناك– الإعلان بشكل واضح وصريح عن التالي:
1- إن النشاط السياسي لكل من فتح وحماس غير محظور، وأن كافة الفعاليات السلمية مشروعة، وأن السماح بالقيام بها يأتي ضمن ضوابط تحددها الجهات الأمنية صاحبة الاختصاص.
2- إعادة فتح المقرات والمؤسسات التابعة لكل من فتح وحماس، مع التزام الجميع بالتعاطي مع السلطة القائمة واحترام سيادة القانون.
3- إحياء المناسبات الوطنية بتنسيق مشترك بين فصائل العمل الوطني والإسلامي.
4- إيجاد مرجعية وطنية إسلامية عليا لمعالجة كافة القضايا والمشاكل ذات الأبعاد السياسية والأمنية.
5- تنشيط الحياة الديمقراطية، والشروع بإجراء انتخابات بلدية برقابة وطنية في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة.
6- تحريم الاعتقال السياسي، وتجنيب استدعاء المرأة الفلسطينية إلى مقرات الأجهزة الأمنية على خلفيات تنظيمية أو وطنية.
7- وقف التحريض والتشويه الإعلامي الذي يُسئ للمشهد الفلسطيني، ويُضعف حجم التأييد والدعم له عربياً وإسلامياً ودولياً.
8- تشكيل جبهة وفاق وطنية إسلامية من شخصيات فلسطينية وازنة للحفاظ على التوافق الوطني، وكسر حالة التغول الفصائلي، بهدف رأب الصدع والإسهام في جهود تحقيق المصالحة الوطنية.
9- السعي الجاد لإصلاح علاقاتنا الإستراتيجية مع كلٍّ من إخواننا في جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية.
10- التحرك المشترك لاستثمار العلاقة الإيجابية مع كلٍّ من تركيا وإيران – إقليمياً ودولياً- وتوظيفها لخدمة القضية الفلسطينية.
ختاماً.. لإخواننا في حركة فتح في الضفة والقطاع وفي كافة مناطق اللجوء والشتات الفلسطيني مبروك الانطلاقة، وإلى عام قادم يكون فيه الوطن قد تعافى من الشرذمة والأزمة والانقسام.
إن هذه المحنة الوطنية هي – بلا شك - شدّةٌ وستزول إن شاء الله، ونحن مهما حصل بيننا نبقى إخوة وطن وأصحاب قضية واحدة.. أما حالة "نزغ الشيطان" التي نعيشها اليوم فلها مشابهات كثيرة في تاريخ الشعوب المعاصر، وسيعود الشمل ليجتمع، وسنكون – دائماً – عند حسن ظن شعبنا بنا؛ أشدّ شوكةً في وجه العدو المحتل الغاصب وأكثر جمعاً.
المصالحة المتعثرة وغيبة الرجل الرشيد
على الرغم من تراجع ملف المصالحة الفلسطينية مؤخراً، وتعالي لهجة التنديد والاتهام هنا وهناك، إلا أن الفجر بعافيته قادم، وسنطوي سنوات الليل البهيم وصفحاته، لأن لهذا الليل آخر.. ستبقى القدس تُذّكرنا بآذانها ومآذنها، وبأجراس كنائسها، وبخيام المشردين في أحيائها أن هناك عدواً يتربص بنا الدوائر، ويتلاعب بسيف بصائرنا، وأن علينا أن نواجهه كالبنيان المرصوص بوحدة صفنا واجتماع شملنا وحيوية فعلنا المقاوم؛ إعلامياً وسياسياً وعسكرياً.
إن المشهد السياسي والأمني في الأراضي المحتلة هو إبقاء يد إسرائيل طليقة في الضفة الغربية بفرض حقائق الاستيطان والمستوطنين هناك، ووأد خيار حل الدولتين الذي يطالب به المجتمع الدولي، والاستمرار في تدجين الحالة الفلسطينية سياسياً وكسر شوكتها أمنياً، فلا تقوم هناك قائمة لفتح أو حماس، لينتهي الوضع بالحالة الفلسطينية إلى شعب وتنظيمات تبحث عن لقمة العيش تُقيم به أودها، وتحفظ لها بعض عناوينها السياسية والنضالية.
أما في غزة، فالمخطط الإسرائيلي واضح: لا ازدهار، لا تنمية، لا استقرار.. وهذا معناه أيضاً خسارة فادحة على مستوى المشروع الوطني الفلسطيني.
إن رهان كل طرف على إضعاف الآخر أو إلغاء وجوده هي لعبة بالغة الخطورة، وهي في المعادلة السياسية والأمنية حالة إجهاض لمشروعنا الوطني وطموحاتنا الإسلامية ينبغي الحذر من الوقوع أو الشروع فيها.
إن حركة فتح - منذ انطلاقتها قبل 46 عاماً - كانت وراء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي أعطت للقضية حضوراً إقليمياً واعترافاً عالمياً، ومنحت الفلسطينيين هوية وطنية كان بالإمكان إضاعتها ليبقى الشتات واللجوء حالة إنسانية دون عنوان سياسي يحفظ حقوقنا ويحمي ثوابتها.
نعم؛ لقد ارتكبت قيادة فتح الكثير من الأخطاء، ومارس بعض المتنفذين الأمنيين فيها خطايا بحق حركة حماس، ولكن هذه ظاهرة لا يخلو منها فصيل ثوري، والمشاهدات كثيرة في حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وإذا نظرنا لحركة حماس، فهي بلا شك قد أصابها الظلم، وإن كانت وحشة بضاعتها السياسية لم توفر عنصر الأمان لحركة فتح، التي استحوذت على كافة المقاعد الأمامية في مسرح السلطة، الأمر الذي دفع أجهزتها الأمنية - الأشد قلقاً وخوفاً على مستقبلها في ظل حكومة حماس - للتحرش والاستفزاز وتصعيد المواجهة مع "القوة التنفيذية" الذراع العسكري – آنذاك - لحكومة حماس، ثم تفجير الوضع الأمني في حكومة الوحدة الوطنية إلى المستوى الذي أدى إلى مواجهات داميّة شطرت الحالة السياسية إلى منطقتي نفوذ؛ واحدة في الضفة الغربية تقودها حركة فتح، والأخرى في غزة برئاسة السيد إسماعيل هنية، الذي ما زال – حسب القانون- يتمتع بالشرعية الممنوحة له من قبل المجلس التشريعي في فبراير 2007.
في ظل هذه القراءات الخاطئة التي يحملها كلّ طرف تجاه الطرف الأخر، ليس أمامنا إلا القيام بجهد وطني ترعاه جبهة وفاق فلسطيني تتحرك بين الطرفين كقبطان ماهر يفقه لغة البحر الهائج، ويعي إمكانيات السفينة التي تتلاطمها الأمواج، ليخرجنا جميعاً من هذه الورطة الوطنية القاتلة إلى شاطئ الأمان.
أكرر التهنئة إلى إخواني في حركة فتح، وإن كان ما نقوم به تجاه الحالة الفلسطينية وحركة فتح هو أشبه بتهنئة في مأتم عزاء.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/