أبانا الذي في الأرض ..
كتبت : منال خميس *
أيها البعيد بعمق الأرض .. المتغلغل فينا بطول الجرح .. أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى رحيلك ورحيلك مُر ..مُر .. مُر .
أبانا الذي في الأرض.. منذ غيابك .. وان لم تكن تعلم ، فان أبنائك ضلوا من بعدك ، تقاتلوا وتناحروا وقسمونا الى أنصاف، نصف لهم ونصف عليهم ، و نصف لا معهم ولا عليهم ثم نصف فيه مس من جهل بات وأصبح فأضحى من غرق السياسة لا علاقة له بالأمر.
وان لم تكن تدري يا أبانا فان أبنائنا، فلذات كبدك وأكبادنا، تفرقوا في المنافي لا رغبة ولا اشتهاء، لكن ضاقت بهم البلاد بعد أن تلملمنا جميعنا رعايا طائعين ، سامعين ، تحت اسم "شعب الله المحتار" الواقع تحت الخوف وشظف العيش ، وتحت مطارق كل شعوب الأرض ابتداء من الصومال مرورا باليابان وبلاد الفرس والروم والشام وليس انتهاء بالصين..شعبك يتألم ولا يقول الـ "آآآآآآه"... من شدة الايمان يا أبي!!
أبانا الذي في الأرض .. نحن ما زلنا كما تعرفنا ، شعبا انفعاليا طيبا ننسى ثم نغفر لجميع الخطاءين بحقنا ، وتستمر حياتنا هكذا غفران فنسيان فصمت كبير يلجم أفواهنا ليورثنا حياة غريبة طارئة يجرفها الحزن الأقوى نحو موت طبيعي بجلطة أو بسكتة قلبية يثبت التشريح لاحقا أنه ربما عقاب رباني ليس لنا أو لهم أو لكم أو لأي أحد آخر علاقة به.
أيها البعيد في عمق الأرض .. ان ابنائك في غزة المنكوبة بكل ما تعرف من صفات ضاقت بهم االدنيا و ملّوا .. ملّوا التلقين والتكرار، ملّوا المكر واليقين الكاذب، ملّوا جميع الأسماء وأوشكوا أن يعلنوا انكسارهم وبرائتهم من وطن نصفه شك ونصفه الآخر مصدوم.
أبانا الذي في الأرض ... قد تؤاخذنا بما آلت اليه أحوالنا وانفلاتنا من بعدك ولكني سأفترض انك قد تلتمس العذر لنا ، فـان للسياسة خطاياها ، ونحن لنا خطايانا وأنت سيّد العارفين بأن كل انسان خطّاء، وأننا مجبولون على الخير لا الشر، وليس كما قسمتنا الاسماء، نصفنا شر ونصفنا خير..(ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح مَنْ زكاها، وقد خاب من دساها)
أبانا .. أيها المتغلغل فينا بطول الجرح ...وروحك تظللنا بعرض السماء.. أنت تعلم .. أننا شعب أعزل وأن الخالق جل شأنه لا يعبث ولا يلهو ولكن لحكمة لا يعرفها الا هو عزّ وعلا زاد من "جرعة الفتك" في بعضنا حتى أصبحوا وحوشاً طليقة تمارس وظيفتها التي جُبلت عليها،وهي وظيفة "الافتراس" .
ولكن لا تحزن يا أبي .. أبشرك أن الحاكمين لأمرنا سيجتمعون هذه الأيام مرة أخرى حول طاولة واحدة، حفاظاً على سلامة ولحمة شعبنا ، المتفسخ أصلا ولكني أصدقك القول أننا نحن أبنائك "الضالين بعرفهم" نخشى وعدهم الرميم، نخشى أن تستمر اجتماعات هؤلاء الى الأبد والى حين حدوث هذا "الابد" نخشى أن نكون في غزة قد انقرضنا ..ولا يتبقى فيها شعب ليحكموه فيدركوا أنهم سيحكمون أنفسهم فقط ليعودوا إلى نفس الطاولة مرة أخرى للتفاوض على ضمان سلامتهم من بعضهم البعض .صدقاً هذا ما نخشاه..
أبانا.. قُل لساسة شعبك العاقين، أن يلجموا الوحش الذي فيهم، أن يتركوا ضلالاتهم ويقتلوا شيطانهم الذي يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه .. افعل ذلك رحمة بأبنائك المسحوقين أمثالي وحذرهم رحمة بهم.. قبل أن يصبحوا تحت الأرض، حيث لا نافذة ولا ضوء ... فقط سواد ..سواد ..سواد .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/