كيف أسست إسرائيل دولة فلسطين؟ ترجمة / توفيق أبو شومر
يدعوت28/9/2010 مقال لدانيل فردمان(1)
اجتمع الزعماء العرب بعد حرب 1967 في الخرطوم وأعلنوا اللاءات الثلاثة، لا للمفاوضات مع إسرائيل، ولا للاعتراف بها ، ولا للسلام معها.
ردّتْ إسرائيل على هذه اللاءات بلا للانسحاب إلى ما قبل حدود 1967، ولا للدولة الفلسطينية.
هناك اعتبارات وتحفظات إسرائيلية من إنشاء وتأسيس دولة فلسطينية، على الرغم من بقاء إقامة الدولة أمرا مطروحا كأحد مطالب اليسار.
وعلى الرغم من معارضة إسرائيل العلنية لإقامة الدولة الفلسطينية، إلا أنها في الحقيقة كانت تسعى لإقامتها.
وأبرز العقبات في طريق إنشائها كانت مسألة القدس.
فالمسلمون حكموا القدس أكثر من ألف عام بدون أن يعلنوها عاصمة لهم، وخلال الاحتلال الصليبي، لم تُعلن كعاصمة أيضا، وعندما غزا القائد الكردي القدس واستعادها من الصليبيين، امتنع عن إعلانها عاصمة أيضا.
وهذا الأمر لم يتغير خلال حكم العثمانيين عندما استولوا عليها عام 1517 ، فخلال أربعمائة عام، لم يمنحوا القدس سوى صفة (سنجق) أي مقاطعة مستقلة، تشمل جزءا من إسرائيل.
وكانت حيفا وصفد وطبريا جزءا من سنجق عكا.
وعندما احتلها الإنجليز1917 أعلنوها عاصمة وفق التقاليد المسيحية.
وأحكمت إسرائيل سيطرتها إثر حرب الاستقلال على القدس الغربية، أما الأردن، فحكمت الجزء الشرقي وبقيت عمان هي عاصمة الأردن ، لا القدس.
وأُبرمت معاهدة مع الأردن حول الأماكن المقدسة، ولم تظهر فكرة (القدس عاصمة دولتين).
وبالنسبة للفلسطينيين اليوم، فإن موضوع القدس عاصمة دولة فلسطين، هو أمرٌ غير قابل للمفاوضات.
والعقبة الثانية التي تعترض إنشاء دولة فلسطين، هي حق العودة للاجئين، ويقع هذا الحق ضمن أولويات الفلسطينيين، مما يهدد وجود إسرائيل، وحتى لو وقّعنا اتفاقا مع الفلسطينيين، فإنهم سيظلون متمسكين بحق العودة، وفق قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة، وهو يعني الدمار لإسرائيل .
وإذا حصل الفلسطينيون على دولة، فسوف يضغطون على إسرائيل لاستيعاب عدد من اللاجئين!
ويجب الإشارة أيضا إلى خطة تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح، ففي العادة توافق معظم الدول على تجريد أجزاء من أراضيها من الأسلحة ، فلو بقيت الأردن هي المسيطرة على الضفة لتمكنت من نزع سلاح الفلسطينيين، غير أن الفلسطينيين لو أعلنوا موافقتهم على أن تكون دولتهم منزوعة السلاح، فهناك شك في أنهم سوف يُنفذون ذلك.
موشيه دايان يوحد الفلسطينيين.
ظل الفلسطينيون عام 1948 موزعين بين دول عديدة، الأردن وسوريا ومصر ولبنان، وقسمت أراضيهم بين مصر والأردن.
وقد نجح اندماج الفلسطينيين في الأردن، وحصلوا في إسرائيل على حق المواطنة والاقتراع، ومن سوء الحظ لم ننجح في دمجهم.
وفي حرب الأيام الستة تغيرت كل الأمور، فقد استولت إسرائيل على أربعة أضعاف مساحتها، فلأول مرة يخضع الفلسطينيون لحاكم واحد، على الرغم من أن إسرائيل لم تضم سوى القدس رسميا، وبقي القانون الإسرائيلي غير مطبق في الضفة وغزة، وقام موشيه دايان بفتح المناطق كلها وإخضاعها لسياسة الأمر الواقع، فمُحيتْ الحدود مثلا بين القدس وبيت لحم، ولا يشعر من ينتقل بينهما إلى أن هناك حدودا لدولة إسرائيل.
ولأول مرة يتمكن الفلسطينيون منذ عقود أن يتنقلوا بحرية بين غزة والضفة وإسرائيل، مما عزّز روابطهم الوطنية بالزواج والمصاهرة، وعزز انتماءهم بأنهم شعبٌ واحد، وولّد لديهم الطموح السياسي.
ومن آثار هذا الاندماج الذي حققه دايان للفلسطينيين حالة بدو النقب، فقد حقق لهم نهضة اقتصادية واجتماعية، بشكل أكبر مما هو عند السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتمكنوا من مصاهرة الفلسطينيين في المناطق، لذلك تضاعف عددهم خلال بضعة سنوات.
كما أن إسرائيل اعتادت أن تستعين بالعمالة الفلسطينية الرخيصة، مما أسهم في أن يعرف الفلسطينيون العاملون دولة إسرائيل معرفة وثيقة، وهذا مكّنهم من تنفيذ عمليات إرهابية.
وعقب حرب 1967أدركتْ إسرائيل مخاطر الاندماج مع الفلسطينيين، فاقترح يغآل ألون خطة تقضي بأن تحتفظ إسرائيل بمناطق غير مأهولة بالسكان، وتُبقي المناطق المأهولة مع الأردن، ولم يوافق الملك حسين على ذلك، وفشلت معه المفاوضات.
ولم يتم أيضا تحديد المناطق التي كانت إسرائيل تنوي الاحتفاظ بها، وفقدت الحكومة حماسها للموضوع.
وخلال عيد البيسح 1968 استأجرت مجموعة من المتدينين اليهود فندقا في الخليل، ولم يخلوا الفندق عقب انتهاء العطلة، وكنقيض للإخلاء ولخطة ألوان تم تأسيس مستوطنة كريات أربع في الخليل، في قلب أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان.
وما سبق مثال على كيفية فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض من قبل المستوطنين، الذين تلقوا الدعم من الحكومة.
كما أن حكومة غولدا مائير شرعت في خطة استيطان غزة، وهو يعني عدم رغبة إسرائيل في إعادتها لمصر، وظلت قضية استيطان غزة سؤالا لم تُجب عنه الحكومات في إسرائيل.
أكبر أخطاء إسرائيل الاستراتيجية
لقد أفسدت المستوطنات في المناطق المأهولة أي اتفاق مع الأردن، وأسهمت في تغذية الشعور الوطني الفلسطيني، وظل الفلسطينيون يشعرون بأن إسرائيل تود إزالتهم.
وعندما تسلم اسحق رابين منصبه كرئيس وزراء عام 1974 عقب استقالة غولدا مائير إثر إشكالات حرب يوم الغفران، وبدأ في ذلك الوقت التفكير في عقد اتفاقات مرحلية مع مصر والأردن، وكان من المقرر أن يُعقد مؤتمر للقمة في هذا الوقت في الرباط وأن يُعلن الملك حسين فيه قدرته على عقد اتفاق مع إسرائيل، يقضي بانسحابها من الأراضي المحتلة. وكان هذا الحل المرحلي يقضي بمنح أريحا للأردن، غير أن انشغال رابين بتكوين حكومة وحدة وطنية مع التيار الوطني الديني غيَّر هذا الموقف، لأن التيار الديني كان يرفض أي اتفاق مرحلي، وأي انسحاب من المناطق ، فتم التخلي عن الفكرة، مما أفقد الملك حسين هذه الورقة، وكان هذا سببا لأن يمنح مؤتمرُ القمة منظمة التحرير الفلسطينية الصلاحية المطلقة على الشعب الفلسطيني.
وبعد عام وقعت إسرائيل مع مصر اتفاقا مرحليا يقضي بإعادة نصف سيناء لمصر، وأسقطتْ حكومة رابين مشروح منح أريحا للأردن، وهذا من أكبر الأخطاء الإستراتيجية التاريخية، التي ارتكبتها إسرائيل.
وبعد عشرين عاما في مايو 1994 عندما كان رابين يقضي فترة حكومته الثانية كرئيس وزراء قرر إعادة أريحا للسلطة الفلسطينية.
وبقي سبب تأخير إعادة أريحا للفلسطينيين مدة عشرين عاما أمرا غير مُجابٍ عنه
مأزق غزة
انسحبت إسرائيل من كل سيناء عقب اتفاقية السلام 1979 مع مصر ، واحتفظت إسرائيل بغزة، وكان الرئيس المصري السادات سعيدا بالتخلص منها.
وبعد خمسة وعشرين عاما في صيف 2005 تركت إسرائيل غزة ضمن خطة الانسحاب أحادي الجانب، وبقي السؤال أيضا، لماذا لم تعمل إسرائيل على ضم غزة مصر وفق اتفاق عام 1979 ضمن المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وقامت بدلا من ذلك بتسليم غزة لحركة حماس؟!
وفي عام 1979 أخذت إسرائيل على عاتقها مهمة تأسيس السلطة الفلسطينية في شكل حكم ذاتي، وكان ذلك خطوة لإنشاء دولة فلسطينية.
كانت الأردن جزءا من هذه المفاوضات، غير أن سياسة التوسع الاستيطاني ظلت قائمة، وفي النتيجة فإن موشيه دايان وعيزرا وايزمان استقالا من حكومة بيغن.
وعقب انتخابات 1984 فإن حكومة الوحدة الوطنية المكونة من الليكود والعمل حيث تولى رئاسة الوزراء فيها شمعون بيرس في السنتين الأوليين، وخلفه اسحق شامير سنتين تاليتين، وعمل بيرس وزيرا للخارجية عام 1987 تحت رئاسة شامير،والتقى بالملك حسين ووصلا إلى تفاهم لصيغة مفاوضات بين الجانبين برعاية دولية لمناقشة مستقبل الضفة الغربية، وكان بيرس معنيا بهذه الخطوة، بينما ظل شامير يعارضها، ولم يصل إلى علمنا بأنها أسفرت عن حل نهائي.
الانتفاضة وأوسلو
في ديسمبر 1987 بعد شهور من اتفاقية لندن بين بيرس والملك حسين، وبعد رفض الاتفاقية، اشتعلت الانتفاضة الأولى، واستمرت سنوات، وكان لها مضاعفاتها على إسرائيل والفلسطينيين، وهكذا أحبطنا جهود الملك حسين في سيطرته على الضفة الغربية، بعد أن تحول إلى بؤرة للتطرف الوطني والأصولي، وهذا أغلق نافذة الفرص مع الأردن.
وما سبق قاد رابين إلى توقيع اتفاق أوسلو مع عرفات، أبو الإرهاب الفلسطيني المطرود من الأردن بعد سبتمبر الأسود، ومن لبنان في حربها الأولى، ليعود مع منظمته الإرهابية إلى المسرح من جديد.
ووافقت إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية.
ووصلت إسرائيل إلى قناعة بعدم جدوى الاحتفاظ بالمناطق الفلسطينية المأهولة، بدون أن تمنحهم حقوقا مدنية.
وكان خيار الدولة الفلسطينية هو أسوأ الخيارات الخطيرة على إسرائيل، وهو أصعب الحلول.
وبقي حل الدولة ثنائية القومية حلا مطروحا، وظل الفلسطينيون لا يستعجلون هذا الحل.
إن الوقت الذي مضى منذ 1967 لا يبشر بالخير أبدا على إسرائيل، والوقت من وجهة نظر الفلسطينيين يمر في مصلحتهم، وظلت إسرائيل تواجه حلولا منها مثلا، إبقاء الأمر الواقع السائد!
إن خبرتنا بالأمور التي مرّت بها إسرائيل خلال أربعين عاما تثبت لنا بأن إسرائيل عندما تواجه الاختيارات، فإنها تختار أسوأها.
دعنا نأمل بأن ذلك ليس مؤشرا نهائيا على حدوث ذلك.
(1)((دانيال فردمان، ولد عام 1936 شغل منصب وزير العدل من عام 2007- 2009 في حكومة أولمرت، وهو أستاذ القانون في جامعة تل أبيب ودرس في هارفارد ،حصل على عدة جوائز في المجال القانوني، وكان عضوا في حزب شنوي)) المترجم .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/