هذه الليلة
علي شكشك
لعلها ليلة القدر, هي التي سترينا وجهنا في المرآة, فهي المضيئة المفعمة بفيض تجاوز الممكنات والغارقة في بهاء ضوءٍ مازال يتوهج منذ خيالات الطفولة طافحاً بواقعية المعجزات, رحمةً تزيح ثقل الواقع المقيم على كاهل التعب الفلسطيني, كأنّ ليلة القدر آلية تطهّرٍ وآية للأمل العظيم وإن ادلهمّت المعاني والاجتهادات, وإن مادت الأرض من تحت أقدامنا ووصلت بنا خطواتنا إلى ما يعرف صغيرنا وكبيرنا أنه سراب العالم الجديد وسخريته من جوهر الحق والحقيقة واستعلاؤه بقوة البطش وباقي أسلحة تفتيت الوعي والشمل ومحاصرة الإرادات,
تجيء لتضيء عتمات الطريق وتبدّدَ عتمات النفس, فما الطريق إلا صورة النفس في عينها, إن انزاحت ظلمتها انزاحت غشاوة الطريق الذي ليس إلا النفس من خارجها, فهي وحدها القدر, وهي الإشارة إلى بدء الملكوت الأخير على الأرض ذلك "إنا أنزلناه في ليلة القدر", وهي الفارقة وهي على علاقةٍ مباشرةٍ بنا, وهي التي حفظت في اللوح في سورة القدر, "وما أدراك ما ليلة القدر", التي تتم فيها النعمة التي ارتضاها الله للإنسان, في ليلةٍ فاصلة في تاريخ الإنسان منذ "فإذا سوّيته ونفختُ فيه من روحي" إلى "يوم يقوم الناس لربِّ العالمين", فهي لذلك تعدلُ كلّ معنى الحياة الإنسانية, وهي لذلك "خيرٌ من ألف شهر",
وهنا حيث يشتبك الإنسان بالآلام وموازين الحق والحقيقة ومكابدات الأنبياء وحكمة الخلق, هنا حيث ينتهي الإسراء وتنفرج الأرض والروح ويحطّ كلُّ الأنبياء, هنا حيث بيت المقدس وحيث الأقصى, الأقصى المسجد, والأقصى من عالم الشهادة تعرج بعده إلى السماء, هنا يشتبك الأقصى منا بالقدر وأبواب السماوات إلى "الأفق الأعلى ثم دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى", هنا يشتبك القدْرُ مع المصير, في ليلة الإنزال العظيم, "إنا أنزلناه في ليلة القدر", ليكون هنا ما يلخص فكرة الإنسان, وتاريخه المطلق في الأرض, هنا الكلُّ والناموس الأخير, وهنا بداية بشارات الأنبياء, وهنا ترجمات نبوءات المرسلين السابقة على بدء التنزيل, وهنا نهاية العدّ, وهنا نهاية دور الذين قدّموا للنبي الأخير وكفروا به وقد كانوا به يستفتحون, هنا "تنزَّلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلِّ أمر",
هذه الليلة, لعلها ليلة القدر, ولعلها هي التي سترينا وجهنا في المرآة, ولعلها هي التي ستضيءُ لنا دروب أرواحنا وبصائرنا, فهي ذاتها الدروب التي نتلمسها خارجنا بعتمة أبصارنا, ونوغل فيها فلا ترانا دروبنا ولا نراها, نذهب إليها وكبيرنا وصغيرنا وقريبنا وبعيدنا يعرف أنها لن تفضي إلينا ولن نفضي إليها وأننا لن نصل إليها ولن نصل إلينا, بينما هي هنا, فينا, والأمر هنا فيها, في ليلة القدر, فهي السلام, و "سلامٌ هي حتى مطلع الفجر", مطلع الفجر, ... الفجر.
--
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/