الشهيد : ابراهيم ابو علبة

رحل أبا نضال 'إبراهيم أبو علبة' ، ابن الجبهة الديمقراطية الأكثر بروزاً
وشهرة بالطاقية الملونة بالنجمة الحمراء التي ستظل رمزاً قويا لقوة
وعنفوان حاملها كما القادة العظام أمثال عمر القاسم وأبو جهاد وأبو على
مصطفى والشيخ احمد ياسين والشقاقى ، هؤلاء القادة الذين نفتقدهم اليوم إلا
أننا نتحدث عن مناضل وقائد وطني وحدوي في داخل السجون الإسرائيلية أو في
الانتفاضة الأولى وفى الانتفاضة الثانية كما في كافة المحطات و المراحل
حيث شهد له الجميع بطيبة القلب والتسامح ودماثة الخلق.



لا نكتب هنا عن احد مقاتلي الانتفاضة والقائد في كتائب المقاومة الوطنية
الذراع العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فقط، لكنني أتحدث عن شاب
فلسطيني لم يتجاوز عمره (45) عاما يحمل على كتفه 'نجمة' تمنحه لقب ملازم
في الأمن الوطني الفلسطيني، وإلى أن حمل النجمة كان هناك قصة كفاح من أمه
وأبيه، فهو من عائلة مثل معظم عائلاتنا الفقيرة والمتوسطة التي حلمت
بابنها طالبا لكن لضيق الحال لم يتمكن إبراهيم من إكمال دراسته.

ويبدو أن الشهيد أبو نضال لأنه أسير سابق واحد كوادر الانتفاضة الأولى
بعملها الجماهيري والعسكري ، بدأ حياته كبقية الكادحين من أبناء شعبنا فهو
ابن لعائلة فلسطينية لاجئة من قرية بيت جرجا في أراضى 1948 مكافحة تعيش في
مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة. قد لا يعرفه البعض ، رحمه الله، لكن من
المؤكد أنه نموذج كريم للشباب الفلسطيني في شجاعته وشهامته، وكل ما فعله
أنه كان مخلصا صادقا في عمله وأداء واجبه كفلسطيني ورجل مناضل طارد جنود
الاحتلال فطارده الاحتلال إلى أن استشهد رحمه الله.

الإخلاص والرجولة ليست عملة نادرة في مجتمعنا وشبابه العاملون في كل
المجالات، لكن لهذه النماذج واجب في رقابنا، أقله الوفاء والتقدير
والاحترام. فربما قرأ الكثيرون في الصحف خبر استشهاد أبو نضال ومطاردته من
قبل الاحتلال ، وربما اعتبروه خبرا عاديا، لكن الحكاية تمتد إلى حياة شاب
وعائلته وأهله، وقبل هذا فهو قدوة ونموذج يستحق أن نقدمه لشبابنا في وقت
نشكو فيه من ممارسات سلبية لفئات من شبابنا ولا مبالاة وانشغال بما لا
يفيد.

وحين نُعلّم أبناءنا وبناتنا في المدارس و المؤسسات التعليمية 'التربية
الوطنية'، ونحاول بناء الانتماء والإخلاص، فمثل هذه النماذج من الشباب هم
عنوان هذه التربية. الانتماء ليس أغنية أو خطابا، بل شاب شهيد مثل إبراهيم
أبو علبة، وواحد من العمال الكادحين الذين يسعون إلى رزقهم وقوت يومهم قبل
أن يصبح جنديا في الأمن الوطني الفلسطيني ، وآخر لا يتناقص منسوب إخلاصه
لوطنه حسب وجوده أو مغادرته لمكتب الحكومة وسيارتها، فكل هذا منظومة
متكاملة تجسد الإخلاص والانتماء والمواطنة السليمة.

أحيانا يمارس الكثيرون منا إخراج أقلامنا وألسنتنا من أغمادها لنمدح
مسئولا أو صاحب جاه، لكن من يستحق التقدير هم الجنود المجهولون من أصحاب
الانتماء الفطري ، وليسوا ممن يتعاملون مع أوطانهم على أساس الربح
والخسارة، أو أنه مشروع وظيفة أو موقع أو شبكة علاقات ومصالح. لهذا
فالكتابة عن الأوفياء سواء أكانوا كبارا في مواقعهم أو من عامة
الفلسطينيين جزء من بناء ثقافة إيجابية.

أبو نضال أبو علبة واحد من الفلسطينيين الذين يستحقون الإكرام والتكريم،
لسبب أساسي أنه امتلك في داخله ما دفعه لأن يفعل كل ما يستطيع لحماية شعبه
مع إخوانه في الأجنحة العسكرية المقاتلة لبقية الفصائل الفلسطينية في شمال
غزة وقت الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة ، وهذا المضمون الداخلي هو الذي
نبحث عنه ونجده في مواطن بسيط يتألم كثيرا إذا رأى طفلا مريضا يبكى من شدة
المرض ولا يقدر أن يفعل له شيئا ليخفف من آلامه بسبب الحصار المفروض على
شعبنا.ونراها في موظف في مكتب في وزارة أو دائرة يحرص من قلبه على أن يعطي
لكل مواطن حقه دون مماطلة أو تأجيل أو تعقيد.

وكما نطالب كل فلسطيني بأن يحمل في داخله انتماء صادقا فطريا، فمن حق كل
نموذج إيجابي أن يجد التكريم والاحترام من كل الفلسطينيين وفي مقدمتهم
السلطة الوطنية، وأن يشعر هؤلاء الكرام أو عائلاتهم أن الصدق يقابل
بالاعتراف بالخير. فكما يقال فلا يعرف الفضل لأهله إلا أولو الفضل،
والتكريم لهؤلاء بكل أشكاله تعزيز لأخلاق المواطنة الحقيقية، وكما تعطي
السلطة حفاوة وتكريما وامتيازات، لمن لم يقدموا شيئا مذكورا. فعلى الأقل
أن يكون الرجال والنساء الصادقون من الفلسطينيين على رأس قائمة الإكرام
والتقدير.

قد لا يعرف البعض الشهيد أبو نضال وعائلته الكريمة، لكنني والكثيرين أيضا
نعرف حسن فعله ورجولته، فقد قدم روحه في مرات عديدة في عمليات المقاومة
وإنقاذ الجرحى والمصابين بسيارته الخاصة. ويحكى عنه انه اقتحم إحدى
الحافلات الصغيرة وهى مشتعلة التي تقل تلاميذ المدارس بعد قصفها من قبل
جيش الاحتلال كي ينقذ بعض التلميذات ، لهذا نعرف أنه نموذج فلسطيني صادق
يستحق - من الجميع- أن نذكره بكل خير، وأن نوفيه بعض حقه، ونذكر معه كل
إخوانه الشهداء، ليس فقط من الأجنحة المقاومة ، بل كل موظف وعامل يمارس
أخلاق الشهداء وسلوك الرجال وهو يرعى مصالح الناس في عمله ووظيفته سواء
أكان في أدنى درجة وظيفية أو في أعلى مراتبها.



رحم الله الشهيد إبراهيم أبو علبة، وكل التقدير لتلك الأسرة التي رعته
وكان حلمها، وإذا كان الموت قدرا مكتوبا في الساعة والمكان ، فان الشهادة
أمنية كل إنسان حر شريف ، فإننا كبشر أعطانا الله تعالى أن نختار أخلاقنا
وسلوكنا، لهذا اختار أبو نضال أن يموت رجلا وأن يقدم للشباب الفلسطيني
نموذجا كريماً, ولك منا السلام.

مشكور كتير صلاح



تقبل مرووورري بلطف