بنية اللغة في الخطاب القصصي الجديد
ليلى السيد
تطرح قصص الجيل الجديد مفهوماً جديداً للإبداع، انطلاقاً من رؤيا تثاقفية أسهمت فيها عدة عوامل، فرضتها ساحة الكتابة العالمية، لعل أبرزها التمرد على الواقعية النمطية ومحاولة الرجوع إلى أفضية الفن الذي "يستجيب لبعد اللانهاية ليحقق فكرة الإبداع، الذي هو تعارض، وانقطاع بين الواقع القائم وطموح الذات إلى واقع غير متحقق"1- ولعل الأداة التي آزرت قصص هذا الجيل لتحقيق هذا التحول الفني، هي اللغة بكل مستوياتها على اعتبار أن الإبداع يفترض التقليد وأحادية التعبير، والنظرة إلى اللغة والشكل الفني على أنهما وعاء جاهز، أو مجموعة من المفردات القابلة للتكرار.
أولاً: سيميائية لغة القص
إن اللغة في قاموس كتاب هذه المجموعات القصصية، أو ممن نشروا بعض أعمالهم عبر الجرائد، والمجلات هي الأداة المرتكز الذي يمرر الخطاب "لأن الأنساق الدلالية ما كان لها لتكون أنساقاً سميولوجية أو دالة لولا تدخل اللغة التي تكسبها صفة النسق السيمائياتي2-.
"ففي مجموعة أحبارة لجمال فوغالي، تغدو اللغة مهيمنة، ولا يمكن تصور مكان وجود مدلولات نسق، أو أشياء خارجها كما يرى السيمائيون ففي قصة "اعترافات لامرأة من ضياء3-". تحيلنا اللغة على فضاء سيميائي انزياحي، حيث نجدها تعبر عما هو "الأنقى والأخفى، وعن الغامض والشائع المتداول في آن واحد"4-.
"وتجيئين، الصدر وردة الربيع، المخضل أبداً وتأتين من أقصى الوجود حلماً مباركاً، يعمر في السنا شلالاً من ضياء، ونوراً يسبح القلب مطعم بالعذاب الدافق خجلاً، طروباً في المدى الساجي المتألق"5-.
ولمقاربة هذا النص الذي هو أحد متون قصة من قصص هذا الجيل، يبدو أنه لم يعد ينتمي إلى صاحبه إلا من حيث كونه نصاً أدبياً. أما من حيث أدبيته فإن التركيبة اللغوية التي تشكلت عبر أنسجة متميزة، تعني أن القاص قد استطاع أن يسمو بها فوق مفهوم الدال بتفجيره للطاقة التعبيرية الكامنة في صميم اللغة، بحيث استطاع أن يخرجها من عالمها المعجم إلى حيز الوجود اللغوي "فتكون السمة الأدبية متطابقة مع فكرة الاستعمال اللغوي"6-.
"يتحرك موكب الضياء اللحظة، سادراً أتبعه، فراشة للخلود، وأغرق حتى الهامة الوضيئة في شلاله الخصب أبداً، لا أطلب النجاة، ولا أستصرخ النجدة، أستعذب هذا الانتحار"7-.
إن تحرك موكب الضياء والغرق في شلالة الخصب يعني أن الكاتب يدرك أن اللغة تمده بطاقة لا مثيل لها في العبور بعيداً عن محدودية الدال، فهو يضرب باللغة ثنائية الدال والمدلول، التي أضحت تعانق ذهنية الثبات "فيسعى إلى تمثل فكرة الخرق والتخطي لترسيخ ديناميكية الحركة والصيرورة"8-. حيث يغدو اللفظ انزياحاً، لا يمكن القبض على مفهوم موحد له، وهذا ما يضمن له –كما يذهب إلى ذلك الأسلوبيون- خلق لغة من لغة أي الانطلاقة من لغة موجودة، "فيبعث فيها لغة وليدة هي لغة الأثر الفني9-" ولعل الفكرة نفسها تبدو ماثلة في قصص محمد دحو في مجموعته" عندما ينقشع الغيم" حيث اللغة عنده كائن عضوي يتنفس ويولد ويمتص طاقات الإنسان وعذابه"10-.
".. في الظل كانت الأجسام لوناً ضبابياً لا يستقر له شكل، وحين تأطرت الجهات صار كل شيء يبعث عن النشاز، فهل أدركتم سر هذه المعادلات الصابونية"11-.
إن الكاتب في هذه القصة، وفي قصص أخرى تضمنتها المجموعة يبدو مهووساً بالتجريب لإيمانه بلا قواعدية النص الأدبي، "وأن الخلق الأدبي العظيم، إنما هو تجاوز للقواعد الفنية التقليدية، والتمرد عليها"12-.
إلا أن التمرد هنا لا يعني الضياع في متاهات الشكلانية المتطرفة، إنما هو فك أسر اللغة وجعلها تنطق بأكثر من مدلول، لتشكل خطابها الذي يجب أن تتغلب فيه الوظيفة الشعرية.
"سيجيء على هذه الأمة طوفان يعلمهم، الموت قبل الموت. الواقفون تجهموا، والأعين الحلزونية ترسم من خلف الحدقات الذابلة مراسيم أغنية متعبة"13-.
إن التجريب الذي نصادفه في مستويات المتن القصصي، لا يعني الخروج عن قواعد الممارسة الإبداعية، بل أن دخوله لعبة الاختراق والتجريب كما يظهر، إنما هو من باب إضافة حياة جديدة للغة حتى تبقى أرضاً للتفاهم، إنه لا ينبغي للتجريب أن يلغي مساحة الإصلاح، ولا يلغي حركة الانتظام في تبدلها بل حياة اللغة، وتطورها "حيث تولد القيم من ولادة الدلالات، كما تذهب إلى ذلك يمنى العيد"14-.
فبطل قصة "الصمت آخر ما تبقى" من المجموعة نفسها يظهر بكل ما يحمل من أبعاد إنسانية يتجاوز المسافات الضيقة ليكون موجوداً في الزمن الماضي، والآتي، حيث يضمن له الكاتب هذا البقاء الأزلي، بتخليص الكلمة من قيودها التي يكبلها بها الاستعمال، وتطهيرها كذلك مما يتراكم عليها من ضبابية الممارسة، فكانت الكلمة حية بعد أن كانت ناضبة.
"صدى يتردد في أعماقه المسحوقة، يتلوى يعانده، ثم يقبع كقط مطارد والحيرة تنخر عظامه، وبقايا الصمت الهاربة إلى دمه المسكون بالعطش، تستفزه تبصق في وجهه"15.
إن المتمعن في هذا المقطع القصصي ليدرك أن الخطاب بمفهومه الأسلوبي، لم يعد وصفاً قواعدياً للمفردات المعجمية، أو توليداً لمعان معهودة تبنتها البلاغة التقليدية قديماً، بل أضحى تمرداً على المتن الكلاسيكي.
"ليحقق إضافة بالصياغة على مستوى الدلالات حيث يتشكل في حركة انتظام البنية، فتتولد المعاني، ويصبح القول فضاء حجمه في الدلالات التي يولدها نهوض التعبير في بنية الجنس الأدبي"16-. فالحيرة التي تنخر العظام، وبقايا الصمت الهاربة إلى دم بطله المسكون بالعطش هو فضاء لغوي متكامل، ينتظم في بنية أسلوبية تتحكم فيها الصورة التي هي خيط خفي، نحس أنه هو الذي حدد أدبية هذا الخطاب كلما خرج فيه الكاتب عن القالب المرسوم، وابتعد عن "اللغة التطبيقية للأشكال النحوية الأولية"17- وهو ما يظهر في الآتي:
المجال المفتوح
يشير إلى
الذات المغتربة
-الأعمال المسحوقة
-الحيرة تنخر العظام
-الصمت الهارب
-الدم المسكون بالعطش
لقد غدت اللغة في هذه المؤشرات بعيدة عن كونها مجرد قناة لحمولة الدلالات وإنما هي غاية تستوقفنا لذاتها.
إن الكاتب هنا يكسر نمطية دال/مدلول، ويتمرد على هذه المعادلة التي قيدت حقل الإبداع طويلاً. ويخضع متنه لخطاب انزياحي يعتبره "ريفاتير" خرقاً لقواعد اللغة حيناً، ولجوءاً إلى ما ندر من الصيغ حيناً آخر. إلا أن هذه الصيغ، عند محمد دحو تبدو أنها كانت صادرة عن وعي وإدراك، لأن الصورة لا يمكن لها أن تمد ظلالها الجمالية إلا إذا كان وسيطها اللغة متمثلة بوعي في ذهن المبدع، كما يوضح ذلك الشكل:
مبدع (واع بخصوصيات اللغة)
(اللغة الوسيط)
(صورة ذات أبعاد جمالية)
وباعتبار اللغة كذلك "أوسع من أن تنحصر في حدود الواقع المعطي، فإن فيها بعد الدلالة اللانهائية في مجال التعبير الذي يستجيب لبعد اللانهاية في مجال المعرفة"18-.
"وتغنين، فيجيء صوتك صاعداً من كهوف الأعماق القصية الكسيرة حاملاً دفئه الحار مشتعلاً بالأنين الكاوي"19-.
هكذا تبدو اللغة في هذا المتن القصصي لجمال فوغالي أوسع من أن يحاصرها الواقع. إنها تتمرد عليه مع أنها تبدأ من حيث يبدأ، فقصة "مالياً" لا تضع أمامنا دلالة واضحة بعينها بل تجعلنا نقف أمام حقول من الدلالات هذه اللغة تخلصنا من مماثلة الأسلوب للمضمون وتقربنا من مقولة "مالرو" من أن المصدر الرئيسي للفن ليس هو الحياة، وإنما هو الفن المسبق والمجدد بالبحث الداخلي عن الأسلوب، البحث عن الأسلوب هو حياة الفن الذي نريده هو صنع عالم غريب عن الواقعية"20-.
وبالفعل، فقد استطاع جيل هذا العقد، أن يشكل لنفسه عالماً موحداً، لا ينفي الواقع ولكنه يتجاوزه. فاللغة التي بلوروا بها مثلاً جمالية، أضفوا بها على المتن القصصي طابعاً تجريبياً "تتولد اللغة فيه وتتناسل من جديد وتكتسب أبعاداً ورموزاً عبر الخلق الفني"21-. فكأني بتجربة هذا الجيل، قد التفت فيها إلى اللغة وما فيها من أبعاد فنية، بحيث تتحول اللفظة إلى إشارة" تتخلى عن شطرها الآخر المتمثل في التصور الذهني ليتحقق لها الانعتاق وحرية الحركة مما يمكنها من أحداث الأثر الحر، وتنويعه مع كل قراءة"22-.
ففوغالي في "ماليا" "يقيم حواراً مع اللغة أقرب ما يكون إلى حوار العاشق مع معشوقته"23-. فتصبح شيئاً فشيئاً تبتعد عن دورها الوظيفي القريب من الحياة إلى دور فني جمالي. ولعل "يوسف سعداني" يعمق هذا المفهوم في قصته "عودة المهدي" حيث نجد اللغة بإجراءاتها الأسلوبية قادرة على خلق سياقات خاصة، وبالتالي جاء النص متحركاً وغير قار من الناحية الأسلوبية"24-.
"عند البحر الذي يلف خاصرة المدنية المطعونة بخنجر، كان الأطفال يجلسون على الصخور والرمال يرقبون نقطة اتصال البحر بالسماء، وفي قلوبهم الصغيرة الزئبقية كان الحلم يورق وكان الفارس الذي ينتظرون قادماً مع الريح والموج والسحاب"25-.
إن اللغة في هذا المقطع القصصي ليوسف سعداني تبدو رافضة التموقع في أفق المحدودية تلوك مفرداتها القاموسية، بل أنها دخلت، وبكل جسارة في مجازفة الكشف والتأويل "فتخطت المظهرية الخارجية وسياقات البداهة الجاهزة لتنفذ إلى محصلة العمق، أي لتنضد ماهو جوهري"26-.
فهذه القلوب الزئبقية، والفارس القادم مع الريح والموج والسحاب، والمدينة المطعونة بالخنجر في منظور الأسلوبيين الحداثيين وثبة باللغة، وتجاوز لنمطية المحنط والساكن وحرية لها لرفض التحجر، على اعتبار أن الألفاظ تخلق كما يخلق كل شيء" وهي تكتسب بمرور السنين جموداً يسبغه عليها التكرار، فتفقد معانيها، ويصبح لها معنى واحداً محدوداً يشل عاطفة الأديب ويحول دونه والأدبية"27-.
فإذا فك المبدع أسر اللغة، خرق بها قاعدة الساكن، وهو ما يبدو جلياً عند "يوسف سعداني" الذي نحس أنه أمد متنه القصصي بدم جديد، حيث فجر في لغته قوة الحياة الكامنة، ولم يكتف بقيمة اللفظة في حد ذاتها، بل سعى إلى قيمتها السياقية، حتى لتغدو "ضمة من الأضواء الهاربة تثير في النفس تداعيات تجريدية، أو صوراً لا حد لها"28-.
ولذا لا يمكن لقارئ قصص يوسف سعداني أن يكتفي بجمل مستقطعة ليحصل على ما يسمى بلذة النص، بل عليه أن يراعي ذلك الكل المشع ليقف على تجليات الجمال، أو بتعبير آخر فإن أدبية المتن القصصي عند هذا الكاتب، أو غيره ممن أخضعناهم للدراسة، لا يكمن إلا في هذا التفاعل العضوي هذا الفضاء الذي يتطلب وعياً جمالياً كمعادل موضوعي من المتلقي، ليشارك المبدع هذا التصور التشكيلي، بحيث تكون "اللغة هي الجوهر والوسيلة في آن واحد لا بالعودة إلى المعني الضيق الذي يعني مجموعة من القواعد"29-.
فالإدراك الجمالي يتشكل وفقاً لتشكل اللغة لأنها ترضخ إلى تفاعل عضوي بموجبه تتراوح الألفاظ تبعاً لسياقاتها في الاستعمال عن معانيها الوضعية، "وهذا الإدراك هو تعامل دلالي جديد خرج بالبنى من الدائرة التقليدية المتعارف عليها بين الناس إلى دائرة واسعة ندت عن الدلالة المعجمية الميتة وتولجت في عالم الدلالة الشعرية التي ليس لها حدود"30-. ويتضح ذلك مع الكاتب نفسه وفي القصة ذاتها.
"لحظتها سكن الغضب تقاسيم وجه المدينة وكانت الشمس تصعد مدورة، فوارة مبددة طبقات الجليد، وصقيع تلك الأماني القاسية الوجه… وكان الناس، وكان المهدي يسكب أنشودته المخملية اللحن تسابيح في آذان البحر والأفق الأزرق…"31-.
فبعودة المهدي –هنا- تعود اللغة إلى انزياحها فتتمرد عن كونها مجرد تعبير أفقي إلى لعبة المخيلة، فتمتزج مع مرجعية الكاتب التخييلية لتصبح فيما بعد أداته الفنية الخاصة، فيعمد إلى تفجير الإمكانيات اللانهائية لها من خلال كشف الطواعية الجمالية للكلمات، وامتلاك ناصيتها، "وهي طواعية تنظر إلى هذه الكلمات، أو المفردات اللغوية على أنها كائنات قابلة فنياً لأن تنتظم في سياق من العلاقات الجمالية"32-.
إن هذا التشكيل الجمالي الذي بين معماره يوسف سعداني من خلال هذا المقطع القصصي لا يمكن أن يسكب فينا هذه اللذة الجمالية، لولا براعته في تشكيل هذا الكل الهائل من الألفاظ، ووعيه التام بطرائق التوظيف الفنية، فجاءت جمله القصصية تتجاوز مجرد الوسيلة في الأداء إلى لبنة من لبنات الدلالة في النص حيث تغدو قيمتها في ما توحي به، لا فيما تخبر عنه، وكذلك فيما تولد في النص من أوضاع جديدة لا فيما توضع له في الأصل. فهذا المتن القصصي، ونحن نقرأه مرات، يخضع –حتماً- لإجراءات توليد معان تتجاوز البعد الدلالي الموحد.." ولذا كانت اللغة نسيجاً من الإشارات ذات دلالات متميزة ومتشابكة معاً"33-.
فحين الوقوف قراءة عند قوله: "… كان المهدي يسكب أنشودته المخملية اللحن تسابيح في آذان البحر والأفق الأزرق…"34-.
نحس أننا أمام طاقة لغوية، تذهب بنا بعيداً، بل تأخذ بخيالاتنا إلى فضاء الرمز فيصبح الذهن وقد تفاعل مع هذا السرد السيميائي يغامر في عملية تفكيكية عله يجيب عن تساؤلات الجمالية التي تؤسسها اللغة في هذا التشكيل الإنزياحي، "حيث أضحت وسيلة للإيحاء، ولم تعد أداة لنقل معان محددة، وهنا يكمن الفرق بين المعنى العقلي للكلمات والمعنى التخييلي لها"35-.
لأن المعنى العقلي يحبس الكلمة ويجعلها قيد المعاني المتوارثة، والسياقات التي تعاقبت عليها بينما الأديب الحق" هو من يحرر الكلمة من قيد التصور الذهني ويطلقها حرة معتقة تسبح في خيال المتلقي"36-.
إن التجربة القصصية الجديدة تحاول أن تخترق حركة المحور العمودي للغة، لتولد منها دلالات تسمو فوق مستوى الدلالة الصريحة للنص. ففي مجموعة علال سنقوقة "ليل وحلم ونوارس" تظهر اللغة في وظيفتها الفنية حاملة لهموم الناس كما يحمل الناس هموم اللغة ويتجلى ذلك في القصص: ليل وحلم ونوارس، والصمت لغة أخرى ومواويل امرأة حزينة. ففي القصة الأولى نصادف هذا المقطع: "… النوارس كانت تغني على السطح وتسرق الأسماك، تلعب، تلهو مع السمك والبحر والفصول. النوارس كانت أيضاً تجري باتجاهي تحمل لي الراية البيضاء لأواصل الجري"37- ثم يواصل: "النوارس البيضاء كانت تمارس الحب قريباً مني، وكانت تبحث عن شيء لعله الوطن"38-.
إن الكاتب في هذه القصة يتخطى لغة الوصف إلى لغة الكشف، ووقف الاختناق فيخضعها إلى المنزع الجمالي، وفضاء التخييل، فيتحول صوت الفعل القصصي إلى ابتكار دائم للرمز والتأويلية، فهو أبداً لن يظل –الفعل اللغوي- مقتصراً على دلالات الاصطلاح الذي يقتل روح النص"39- ويحرمه من ظلال المعاني الانزياحية التي تجابه القارئ بتجليات الابتكار المتجدد." … النهار خريف كله… الشمس الخجلي وراء الغيم والعصافير والأشجار والتينات النائمة في الزمن العصيب في هذا الحي المغمور خريف من لا يحتمله
قلب"40-.
إن سنقوقة يساير إيهام اللغة، ويذهب بها إلى حد التماثل، يتركها تلامس المضمون ولا تفصح عنه، بل يحررها لتكشف عن طاقتها. "وحدي أنا في شوارع المدينة، عفواً، كنت رفيق الشمس والغبار… والدنيا النائمة في أهداب امرأة سكيرة"41-.
فالمتن القصصي عند الكاتب يتشكل من تلاحم اللغة وتفاعل أصواتها، بل وانسجام المعنى الجمالي لإبراز الأدبية، لذا فالسمة الأدبية عند هذا الكاتب تشمل الهيكل الكلي للنص حتى يصبح هو نفسه أداة من أدوات التخاطب متميزة عن الأداة اللغوية"42-.
فكيف يمكن لنا اقتناص معنى موحد ذا دلالة ثابتة من هذه الثنائيات كنت رفيق الشمس، الدنيا نائمة في أهداب امرأة سكيرة لا شك في أن التشكيل اللغوي هنا قد ذهب بنا إلى سياق التأويل وإلى تذوق جمالي مكمنه شعرية الخطاب وأدبيته "لأن الذي يميزه هو كثافة الإيحاء وتقلص التصريح"43-.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/