وداعاً للتدخين
وسام فؤاد -باحث في الإعلام الجديد- قرر أن يقلع عن التدخين بطريقته الخاصة فأنشأ مدونة خصيصاً لهذا الغرض أسماها "وداعاً للتدخين".
يقول وسام: عن اسم مدونته وداعاً للتدخين.. أتمنى أن أقول هذه الكلمة
مؤبدة.. فأحياناً وجوديتي تتجاوزني.. وأفعل ما لا أريد.. لكن أملي أن يعلم
الجميع أن الإقلاع عن التدخين ليس فقط سهلاً جداً.. لكنه تجربة ممتعة
كذلك..
والأمر لا يقتصر على مجرد تدوينات يكتبها وسام يحكي فيها عن تجربته في
الإقلاع عن التدخين؛ ولكن حول فؤاد المدونة إلى مشروع إعلامي صحّيّ توعوي
لمحاربة التدخين بكافة أشكاله؛ حيث يدعو المدوّنين والقراء إلى المشاركة
في مكافحة التدخين ونشر مساهماتهم لتتحول المدونة إلى خلاصة تجارب واقعية
بما تتضمنه من آلام وصعوبات ونجاحات للإقلاع عن التدخين.
إشارات الله
يقول وسام عن قراره بالإقلاع عن التدخين: فجأة هي التعبير الأكثر ملاءمة.
فلم أكن أخطط، أو أنتوي، أو تعبان بصورة لافتة، أو تلقيت تحذيراً من
طبيب.. كل هذا لم يحدث؛ لكني أؤمن بإشارات الله التي يضعها لنا. وفي يومي
28 و29-10-2009، تلقيت 4 من هذه الإشارات، وهي:
1 - صبيحة اليوم كنت أحادث زميلة غالية، فحدثتني عن أن السيجارة اللعينة
هي التي اختطفت منها أباها رحمه الله، وكانت الرسالة في غاية القسوة.
2 - في ختام اليوم، دخلت عليّ الغرفة "الآنسة زد" ابنة زميلة وأخت غالية
أخرى، و"زد" صديقتي التي لم تبلغ الخامسة بعد، دخلت عندي مرتين في هذا
اليوم، وفي الثانية أخبرتني أن السجائر تسبب الـ"عيا".
3 - ذهبت لزيارة أخي، واتفق كل من إياد (ابني) وحبيبة (ابنة أخي) على أن يحادثوا أخي لكي يخبرني أن التدخين يسبب السرطان.
4 - في نفس اليوم الثاني جلست أمي تشاهد التلفاز وفتحت على قناتها
المفضلة؛ وإذا بالقناة بها إعلان عن التدخين والسرطان، وكان الصوت عالياً
جدا بسبب جودة صوت القناة. وهذا الصوت العالي جعلني أفيق لأجمع الإشارات
الأربع معاً.
كحة بأثر رجعي
اختار وسام تسميات مميزة وملفتة لتدويناته؛ فقد أطلق على التدوينة
"البوست" التي يحدث بها المدونة كحة بأثر رجعي!! والمواضيع السابقة التي
تتجمع في الأرشيف أسماها بـ الكحات السابقة.
يقول وسام: لا أدري لماذا يصر الناس على تعقيد الأمور على من يريد
الإقلاع. أهم عقدة يكلكع فيها الناس هي عقدة الإرادة. وبمرور الزمن تحولت
هذه الكلكيعة إلى جبل يقف أمامه الراغب في الإقلاع منهزماً كسير الفؤاد.
وبمرور الزمن تحول هذا الهم وذاك الانكسار إلى المصدر الأساسي لكسر همة
المقلعين بدلاً من أن يكون عوناً لهم على تخطي هذه العقبة ذات الرائحة
السيئة.
أريد أن أحكي خبرتي مع هذا الأمر؛ فعندما قلت لنفسي إنني سأكف عن التهام
السجائر وأخواتها كان يأتيني شيطاني ليزيّن لي. وهو خبيث؛ حيث يأتيني
دوماً في لحظات الضعف: عقب تناول الطعام، وفي لحظات الضيق، وفي أوقات
الغضب، وفي زحمة المرور. هل ستصدّقون أني كنت أشتمه فيجري مني. وبدلاً من
أن أشعر بالحنين لهذه العاشقة العاهر؛ كنت استهزئ بها وبشيطانها.
لم أشعر يوماً أن العلاقة بيني وبين ترك السيجارة وأخواتها تتعلق بالإرادة. فقط الانتباه قليلاً.
ويضيف وسام: وبالمناسبة، حتى وأنا وسط بيئة المدخنين، لم أشعر أن التحدي
يوماً تحدي إرادة. ولم أجد وجهاً للمقارنة ما بين حاجتي للإرادة لصوم يوم
من أيام الشهر الفضيل وبين حاجتي للإرادة للإقلاع عن هذه العشيقة اللعوب؛
فصيام الشتاء أصعب كثيرا؛ ناهيك عن صيام الصيف.
صعوبات الفراق
وأدرج فؤاد الصعوبات التي واجهته في بداية الإقلاع عن التدخين؛ حيث يقول:
من بين الصعوبات التي تقابل المدخن في الفترة الأولى لإقلاعه عن التدخين
تلك الخاصة بضغوط رفاق التدخين. وأرجو ألا يعمد أي من القراء لوصفهم بصفات
سلبية؛ فهذه حالة إنسانية.
تخيّل معي لوعة فراق شلة العزاب حين يتزوج أحدهم. ومثيل تلك الحالة عند
مجموعة الأصدقاء الفاسدين عندما ينصلح أحدهم أو الأصدقاء المنضبطين عندما
يفسد أحدهم، ومجموعة الزملاء الجدد في كلية واحدة عندما يقرر أحدهم
التحويل لكلية أخرى.. هي نفس المشاعر.
هذا الأمر يلقي ضغوطاً على المقلع عندما يزورهم؛ أو يزورونه؛ أو عندما
يلتقيهم في أماكن اللقاء المعهودة. وبعضهم يشعر بمشاعرك ويحاول أن يحجم عن
لقائك خشية أن يضعف عزيمتك.
تلك هي الدنيا الجميلة التي نكابد آلامها أحياناً؛ بقدر ما نحيا بدفئها أحياناً أخرى.
التلكيكة التانية!!
وعن بعض المبررات التي يطلقها المدخنون لأنفسهم لتبرير فشلهم في الإقلاع
يدوّن وسام فؤاد: لن أقول الشيطان يزيد مشكلاتك في أيامك الحاسمة الأولى..
ليستدرجك فتعاود إيذاء نفسك وإيذاء من حولك.. ولو أن هذا قد يكون حقيقة.
ومما يدعم هذا أنك تجد مشكلات وملفات قديمة أعيد فتحها برغم أنك قد تكون
حسمتها أو أنهيتها.
لن أقول أيضاً إن المشكلات تضغط على أحدنا ليعود للتدخين. لأن معنى هذا
القول أن التدخين يجعلنا نحلّ المشكلات أو نهرب منها، وليس هذا ولا ذاك
صحيحان بالطبع؛ علاوة على أن التدخين مشكلة ويخلق مجموعة من المشكلات التي
لا يكفي لمواجهتها أن تكون قوي الشخصية وقادراً على فرض خطئك على الآخرين.
هي تلكيكة. نحن نحاول الرجوع لعادة اعتدنا عليها بالاتكال على منطق عدم قدرتنا على ضبط أعصابنا في أوقات المشاكل.
كادت قدمي تزل!!
وبالطبع تعرض وسام لمواقف ضعف أمام التدخين، ويحكي لنا عنها ويقول: ذات
يوم سمعت أخباراً غير طيبة في العمل، نكدتني. وعندما ذهبت لبيتي وجدت حالة
من الوجوم والزهق لا تخيّم بل تهيمن على كل من بالبيت. واجتمعت الهموم
لتصب في النهاية في قرار بالخروج من المنزل، وقبل حلول يوم الجمعة الذي
اعتدنا فيه الخروج.
اتخذت قراراً ما في نفسي، ولم أفصح عنه إلا بعد أن نزلت؛ فأثناء قيام
البواب بكشف السيارة وتنظيفها ذهبت للمتجر واشتريت علبة من الصنف الذي
يريحني لثبات مستواه. وفوجئ الجميع.
وفقني الله ولم أجدها رفيقة السوء في مستواها المعتاد الجيد، ولم أكمل السيجارة؛ مع العلم بأن العودة كان يمكنها التجاوز عن المستوى.
اللهم اكفني الشر وأهله.. قولوا معي ولي.. آمين..
مين قال صعب!!
وبعد تدوينات عديدة وصولات وجولات مع التدخين اكتشف وسام فؤاد من خلال
تجربته أن هناك وهماً كبير اسمه: التوقف عن التدخين صعب. يقول: أنا توقفت
تماماً. لا سجائر ولا سيجار ولا بايب ولا حتى شيشة. وهم الأعراض
الانسحابية مشروع تسويقي لبعض الأطباء أو العشّابين ليتربحوا على حساب رجل
اهترأت صحته بسبب التدخين. السؤال الحقيقي هو: هل تريد الإقلاع أم لا؟
وضع وسام يده على النقطة الجوهرية في الإقلاع عن التدخين واختزله في سؤال واضح ومحدد.. هل تريد الإقلاع أم لا؟
وبالطبع سنترك لك الإجابة على هذا السؤال الذي ستحدد إجابته مصير وشكل حياتك في المستقبل.