شنت دائرة اللاجئين التابعة لحماس
هجوماً كاسحاً على وكالة الغوث في قطاع غزة فور تسريب معلومات عن عزم
وكالة الغوث إدراج مسألة المحرقة اليهودية / الهولوكوست ضمن مناهج حقوق
الإنسان المقترحة ..
و في نفس السياق هاجمت منظمة صهيونية
ذات نفوذ واسع , وكالة الغوث و نظمت حملة لجمع التواقيع و المطالبة بإقالة
السيدة المفوض العام لوكالة الغوث كارن أبو زيد , متهمة إياها ب' الناطقة
الرسمية باسم حماس !' و كذلك عزل السيد مدير عمليات الوكالة ' جون قنغ ' !
كما دعت هذه المنظمة و التي تنشط في ولاية
كاليفورنيا إلى وقف التمويل الأمريكي لوكالة الغوث إلى أن يتم تضمين
المنهاج الفلسطيني موضوعة المحرقة اليهودية , والتي تراها المنظمة
الصهيونية ' مقبولة في قلب وروح أية أجندة أو منهاج لحقوق الإنسان ' !
وبين الهجوم الأول من دائرة اللاجئين
في حركة حماس والهجوم الثاني من المنظمة الصهيونية , عقدت السيدة المفوض
العام للأونروا , مع ممثل المفوضية الأوروبية كريستيان بيرغر , وذلك يوم
الاثنين الماضي مؤتمراً صحفياً , نفت فيه قطيعاً أن يكون المنهاج المقترح
لحقوق الإنسان قد تضمن أي شيء عن المحرقة اليهودية / الهولوكوست .! وإلى
جانب نفيها هذا فقد استمعنا إلى تأكيدات عديدة من عدة مؤسسات كالضمير
لحقوق الإنسان –مثلا- وعلى لسان مدير المؤسسة وبعد لقائه مدير عمليات
الوكالة , أن المناهج الفلسطينية لحقوق الإنسان لن تتضمن قضية الهولوكوست
!
وأمام هذه المعادلة التي تستعر
بالتناقضات تقفز إلى الأذهان أسئلة كثيرة .. لماذا نشترك مع منظمة صهيونية
في هجوم موحد على وكالة الغوث ؟! أليس غريباً ومن غير المنطقي أن نستمر في
إدانة وكالة الغوث في الوقت الذي تنفي فيه الأمر على لسان أهم ناطقين
باسمها في المنطقة , وفي نفس الوقت تهاجمها منظمة صهيونية بسبب نفس القضية
وتطالب بوقف التمويل عنها وكلنا يعرف ماذا يعني هذا التمويل لما يقارب
مليون لاجئ في قطاع غزة المنكوب ؟!
ألم نسهم بمواقفنا المتسرعة و المسبقة في
الترويج لثقافة المحرقة اليهودية حيث أصبح العديد من الناس العاديين
البسطاء يتساءلون عن هذا الجدل الدائر و أسبابه .. وبالتالي صرنا جزءً من
الماكينة الإعلامية الصهيونية المروجة لهذه ' الأسطورة التاريخية ' على
الطريقة الإسرائيلية !!!
كان حريٌّ بالجميع , التريث و التروي
حتى نرى بوضوح ما الذي أنتجه فريق العمل ' غير المتخصص ' الذي كلف بإعداد
المنهاج , وحينها لكل حادثٍ حديث ... وإذا كان فعلاً قد تم الإشارة
للمحرقة اليهودية فعلينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذه المسألة المثيرة للجدل
منذ عقود ..
علينا ألا ننزع نحو النكران المطلق
المستند إلى عدمية وغباء تجاه هذه المسألة .. فالمذابح بحق اليهود على
أيدي النازية , حقيقة تاريخية لا يجوز تجاهلها , ويبقى الجدل حول الأرقام
و الإحصائيات و الاستغلال الصهيوني البشع لهذه الوقائع التاريخية حتى
يومنا هذا ... و لا ديننا ولا تراثنا الإنساني يقبلا أن يذبح البشر على
معتقدهم أو رأيهم .. ولكن يجب أن يرتبط ذلك بالإشارة إلى المحرقة
الفلسطينية المستمرة منذ عقودٍ طويلة و للتأكيد على أن الضحية اليهودية في
الهولوكوست على أيدي النازية , هي نفسها المجرم والجلاد في المحرقة
الفلسطينية الآن ...
وليس من العدل أن يدفع الفلسطيني فاتورة
المحرقة اليهودية من أرضه ووحريته ودمه وعلى مدار عقود طويلة أيضاً !!
إننا نتطلع إلى تحرير ثقافة حقوق الإنسان من الغرف المغلقة ومن عقول النخب
و الصفوة المثقفة و نريد أن تصبح مكوناً أساسياً من مكونات ثقافتنا
الإنسانية .. كما ونتطلع فعلاً لأن نكون عضواً فعلاً في الأسرة الكونية
الكبرى ... ولكن الوصول لهذا لا يتحقق إلا بتأصيل الثقافة الوطنية مدخلاً
, ومن ثم الانطلاق نحو ما هو اعمّ وأشمل .. إننا بحاجةٍ لصقل ذاكرةِ
أطفالنا وحمايتها من التشوهِ أو النسيان .. عليهم أن يعوا قضيتهم الوطنية
وتاريخ الاضطهاد الذي مر به أجدادهم وأن نعمل على تشكيلا رواحهم ووجدانهم
على هذه العناصر وبعد ذلك يمكننا الانطلاق بهم نحو التاريخ , ولن نخشى أن
يتعلم أطفالنا حينئذٍ ما هي المحرقة اليهودية / الهولوكوست , وما سبقها من
مجازر ومذابح بحق الإنسانية جمعاء .. وإذا كانت المحرقة اليهودية عارٌ في
تاريخ النازية , فإن المحرقة الفلسطينية وصمة عارٍ في جبين الصهيونية , بل
في جبين العالم أجمع .. اننا لن نعلم اطفالنا التاريخ فقط بل سنمكنهم من
قراءته بالمنهجيه العلميه ايضا ومن لم يتعلم تاريخ الثلاثة آلاف سنةٍ
الأخيرة . فسيبقى في العتمة على حد قول الفيلسوف الألماني ' غوته ' !!