هلال شوال والتفسخ العربي الإسلامي
د. أسامة محمد أبو نحل
منسق برنامج ماجستير دراسات الشرق الأوسط
جامعة الأزهر – غزة
osamabunahel@hotmail.com
سبحان الله ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم. إلى أي أمةٍ نحن ننتسب؟ هل ننتسب إلى أمة الماو ماو أو الهوتو؟ أو إلى أي أمة لا تاريخ ولا حضارة لها؟. أن يختلف العرب سياسياً؛ فذلك أمر اعتدناه على مضض؛ وأن يتخلّف العرب حضارياً ويتخلفون عن ركب شعوب الأرض في التقدم والرقي؛ فذلك أمر قلنا لا بأس به؛ فقد كان لنا يوماً حضارة زاهرة، لكن أن يصل الأمر إلى حد التخلف الفقهي؛ فذاك أمر لا يُحتمل ولا يمكن بحالٍ من الأحوال السكوت عنه.
فلقد بلغ التخلّف الفقهي الإسلامي حداً تجاوز كل الأعراف الشرعية، ولا توجد أمة على وجه البسيطة تستطيع مضاهاة المسلمين في تخلفهم هذا. كنا في الماضي نقبل بأن تناكف دولة أو دولتان عربيتان أو إسلاميتان بقية الدول العربية والإسلامية، فتختار لنفسها موعداً آخر لإعلان مولد هلال الشهر الهجري، خاصة في الأشهر المفصلية في تاريخ المسلمين كرمضان وشوال وذو الحجة، لكن أن يصل الأمر كما حدث في شهرنا هذا وعامنا هذا، إلى موضة جديدة من التقاليع الشاذة عن أعرافنا الفقهية؛ فذلك أمر لا يحتمل. قد يقول قائل إن الاختلاف أحياناً ظاهرة صحية للتخفيف عن العباد، ولا ضير من أن يخفف أولياء الأمر الشرعيين عن مواطنيهم.
نعم التخفيف جائز في أمور فقهية بعينها كقصر الصلاة أو جمعها؛ لغرض السفر، أو أكل المحرمات لضرورةٍ ما كاستثناء بحيث لا تصبح قاعدة عامة، لكن في حالة الصيام وعيد الفطر لا استثناء هنا، خاصةً في زمنٍ أصبحت فيه سبل الاتصالات المتعددة متوفرة للجميع. ولمَّا كان القمر الذي نراه في السماء واحداً في كل الدنيا، ولمَّا كانت معظم الدول العربية والإسلامية تشترك في كل أو جزء من الليل؛ فبالتالي إن ظهر الهلال في دولةٍ؛ فالأمر ينطبق على غيرها من الدول إلاَّ ما ندر.
لكن هلال شهر شوال في عامنا هذا كان له مذاقٌ آخر؛ فكان مختلفاً وشاذاً على ما يبدو في مختلف الدول الإسلامية؛ فعلى ما يبدو تمَّ استنساخ عدة أهلة، بحيث تختار كل دولة زمن ميلاد الهلال حسب مقاييسها السياسية، وبحيث لا تبدو تابعةً فقهياً لدولةٍ أخرى؛ فهلال شوال في عامنا هذا ظهر في سماء السعودية والإمارات العربية وقطر وفلسطين وغيرها من الدول بعد مغرب ليلة 29 رمضان الموافق 29 أيلول (سبتمبر)، بينما ظهر في سماء مصر والأردن وسوريا وبعض الدول الأخرى ليلة 30 رمضان الموافق 30 أيلول. إن كان الأمر كذلك فلا بأس، لكن أن يظهر هلالاً جديداً في سماء العراق وإيران وأوروبا وأمريكا الشمالية في 31 رمضان الموافق الفاتح من تشرين أول (أكتوبر)؛ فذاك أمراً عجباً؛ فلأول مرة في تاريخ الإسلام منذ كتب الله الصيام على المسلمين إلى يومنا هذا، نجد أن الشهر الهجري أصبح 31 يوماً حتى ولو كان هناك اختلافاً في رؤية الهلال. أإلى هذا الحد وصل التشرذم الفقهي بين المسلمين؟ أإلى هذا الحد ربط المسلمون قضاياهم الفقهية بالانقسامات السياسية فيما بينهم؟؛ فبالأمس الموافق 2 تشرين أول (أكتوبر) لاحظت بأم عيني وبالعين المجردة الهلال في سماء غزة كبيراً لا يقل عمره عن أربعة أيام، ولا أدري كيف لم يراه من اعتمدوا ظهور الهلال بعد 29 رمضان؟ الله أعلم وله في خلقه شؤون.
ومع ذلك كله يخرج علينا الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي السيد إحسان أوغلو ليبرر لنا ما حدث من اختلاف بين الدول التي تتبع منظمته في تقرير ظهور أول شهر شوال بقوله: إن الخلاف حول رؤية عيد الفطر لا يعكس وحدة الأمة، بل يمثل التشرذم والتشتت. أي وحدة للأمة الإسلامية يتحدث عنها السيد أوغلو؟ فما التشرذم والتشتت إلاَّ نتيجة منطقية وطبيعية لاختلاف الأمة؛ ولو كانت الأمة موحدة بالفعل لِما ظهر بينها هذا الشقاق الفقهي، الذي أضحى مضرباً للمثل في تخلفنا ليس سياسياً فحسب بل وفقهياً، وفي أمرٍ لا يجوز أن تختلف فيه دولتان وليس دول؛ فعلى ما يبدو أن دولنا الإسلامية استمرأت لعبة خالف تُعرف ولو كان على حساب العباد ومشاعرهم.
إن المطلوب من المجالس الفقهية ودور الإفتاء الرسمية في العالم الإسلامي أن توحد رؤية هلال الأشهر الهجرية فيما بينها عبر الاتصالات الهاتفية، بعيداً عن المناكفات السياسية؛ فالوحدة الفقهية أسمى وأرقى من الوحدة السياسية؛ بل قد تكون طريقاً لتعبيد الوحدة السياسية بين تلك الدول. أن يضحك العالم على تخلفنا السياسي أمراً قد نقبله في ظل الهوان الذي نحياه، لكن من غير المسموح بأي حالٍ من الأحوال أن ندع ذلك العالم يشاهد تخلفنا الفقهي بالصوت والصورة؛ حتى لا نصبح قدوة سيئة لمن أراد أن يعتنق ديننا السمح، وألاَّ نُفقد إسلامنا مزاياه الحسنة التي تكفل بها رب العباد إلى يوم الدين.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/