عزاء إلى وطني
وطني كان يحمل في طيات ثيابه الأنيقة الجميلة عبق الأصالة والعراقة
يعيش في وداعة وهدوء بين سفوح جبال خضراء وهضاب تتلألأ بحبات الزيتون المباركة
ينهل من عذوبة ماء نهره الخالد الذي جرت على ضفافة الفضية أروع معارك الكرامة والانتصارات ..
ويستريح على شواطيء بحره الزرقاء ينظر إلى تلك الأمواج التي تأتي له بالخير مرة وتجود على أبنائه بالرزق والعطاء مرات...
يستيقظ كل صباح على ترنيمة محبة وعبير ورده وضحكة طفل وينام على حكاية مجد ونسمة حرية...
كان أجمل وطن وأقدس أرض وأروع بقعة من بقاع الكون وفجأة أحاطت به أعاصير الشر فحولت جماله إلى قبح وهدوءه إلى صخب....
واقتلعت أشجاره ووروده ونثرتها في أرجاء الكون وأصبحت مياه نهره مكدرة تمتزج بها سموم الحقد والعداء والموت وأمواج بحره هائجة ثائرة لاتعرف السكون والهدوء ...
انقلب كل شيء وتبعثرنا كأوراق الخريف وأصبح وطننا في مهب الريح الشريرة التي عاثت به دماراً وفساداً وتحطيماً ....
لكن لوطني شعب لم يعرف التاريخ له مثيلاً يأبى الهوان والذل ويعشق الأرض وحبات الرمال يبذل روحه فداءً للمجد والكرامة نهض من بين حطام وطنه ووقف في وجه ذلك الإعصار الرهيب صامداً شامخاً يحمل بيده البندقية ويلف جبينه بكوفيته عنوان وطنيته وحريته وحول أجساد شيوخه ورجاله ونسائه وأطفاله إلى عاصفة من نار ولهيب أفزعت العدو وأقلقت الدنيا وفجرت عناقيد الغضب وزلزلت الكون بالثورة الأبية..
الثورة التي أعادت له بريق مجده وجعلته يرقى بها إلى أعلى قمم الشموخ, بها كنا نسمو إلى العلا ومنها كانت لكلماتنا أصداء فرضناها فرضاً
ودفعنا من أجلها أرواحاً نقية عظيمة جليلة ونفوساً كريمة أضاءت لنا الدرب بدمائها الزكية الطاهرة العزيزة لنكمل مشوار التحرير والعودة ...
لم نكن نعلم ونحن في خضم استعداداتنا أن ذلك العدو الذي طالما خضنا معه حروب النصر والهزيمة التف على وجودنا وصمودنا وثورتنا وحاصرنا _مع عملاؤه ومن كانت مصلحته الخاصة في فنائنا وزوالنا_ بسحب سوداء سامة ونثر في أرضنا بذور الفرقة والخلافات والعصبيات ..
التي سرعان ماتحولت إلى سياج شائك أحاط بطموحاتنا وبمستقبلنا وبوطننا فأصبحنا أعداء لبعضنا البعض ونسينا عدونا الحقيقي وتحجرت قلوبنا وعقولنا وبتنا نتقاذف الاتهامات ونلصق الأباطيل ونبث السموم والحمم الكلامية دون تفكير ووعي بما جرى ويجري ويحاك ضدنا
أصبحنا أمراء طوائف نخوض معارك قاسية وأليمة وكريهة من أجل الفوز بكرسي حكم وهمي غرسوا سرابه في عقل وفكر البعض ليسخروا منا ويجعلونا سخرية للآخرين
فأي عرش هذا الذي ندفع ثمن أن يعتليه من ليسوا به جديرين من أجساد أطفالنا ودموع أمهاتنا وقيد أسرانا ؟
وأي سباق محموم نحو من أحق بالوطن والذين نتعارك من أجلهم لايملكون قرار مجيئهم وذهابهم وبقائهم ورحيلهم ؟
أي مهزلة أوصلونا إليها ؟وإلى أي مصير يقودوننا ؟
ذهب قادتنا ورموزنا الذين كان لهم القوة وكنا بهم أقوياء وجاء زمن الأتباع والمنتفعين الفاسدين الذين لاهم لهم سوى مصالحهم الشخصية الوهمية نعم الوهمية فالتآمر على الوطن والشعب وتركه في مرمى سموم الحقد والكراهية يجوع ويعرى ويقتل ويشوه ويحطم هو قمة الغفلة والوهم فمن باع يُباع ومن خان لاثقة فيه من شعبه وعدوه ومن فرّ من أرض المعركة حيث يجب أن يكون لاقيادة له ومن يحاور كي يكون هو صاحب القرار على نفق ومعبر بدل أن يخوض حرباً ليصبح سيداً في وطنه لابقاء له ولاسيادة ..
وبعد هذا من يعزينا في وطننا ؟ من يعزي مدننا وقرانا ؟ ودموعنا وآلامنا ؟من يعزي أحلامنا التي تذبح كل يوم على طاولات الحوار ؟ من يعزي ذكريات قُيدت بالرجعية والفكر المتحجر والأوهام ؟من يعزي الأحرار والثوار والشرفاء والشهداء والأيتام ؟
من يعزي الوطن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟