متطلبات مرحلة الدعوة الحالية

متطلبات مرحلة الدعوة الحالية 



 

تمر الدعوة الإسلامية على المستوى العالمي بمرحلة هامة ودقيقة من عمرها .. مرحلة نهوض من كبوة، ويقظة من غفوة، بل مرحلة إنشاء وإرساء لقواعد بنيان متين لدولة إسلامية عالمية تهدي البشرية الضالة وتقيم أعظم حضارة عرفها التاريخ بعد أن أفلست كل النظم البشرية .

 

ومتطلبات هذه المرحلة من المسلمين المعاصرين لها غير تلك المتطلبات الواجبة في ظل دولة إسلامية قائمة بالفعل ولا شك أن مرحلة التأسيس وإرساء القواعد شاقة وصعبة ... تحتاج إلى إيمان عميق وصبر ومصابرة وتكوين دقيق وثبات ومجالدة وعمل متواصل لا يعرف الملل ... كيف لا والمؤمنون العاملون قليلوا العدد ، ضعيفوا القدرة ، يواجهون باطلا مستأسدا متمكنا ... ليس لديهم إلا سلاح الإيمان ... وللأستاذ البنا رحمه الله في هذا المعنى عبارة دقيقة رائعة إذ يقول:

" إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:"

إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ... ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر ... وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ... ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والإنحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره "."

 

ولثقل المهمة وعظيم المسئولية وضخامة البناء الذي نريد تشييده ، يدفعنا إلى إن نقدر أهمية إعداد الأفراد المسلمين أو رجال الدعوة الخلصاء الجديرين بحمل الامانة وأدائها على الوجه الاكمل خاصة إذا علمنا أن بناء الرجال أهم – وفي نفس الوقت – أصعب من بناء المصانع .

إن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من أحاط بها من كل جوانبها، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته، ولا ينشأ عنده الجد والكد والجهد إلا إذا اخذت الدعوة عليه لبه والتحمت مع روحه وقلبه وكان متحمسا لتحقيقها في واقع الأمر ، فالإيمان العميق بالدعوة أول اصولها .

إن الميدان الأول للتكوين والتغيير يبدأ من داخل النفس أولا وصدق الله العظيم إذا يقول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) .

نحن نريد الأخ المسلم الصادق ، سليم العقيدة ، صحيح العبادة، متين الخلق، مثقف الفكر، قوي الجسد، قادرا على الكسب، نافعا لغيره، مجاهدا لنفسه، حريصا على وقته، منظما في شئونه .....

إن إعداد هذا النموذج وتلك النوعية يحتاج إلى جهد ومثابرة، وإلى صبر ومصابرة، إذ أن هذا الفرد المسلم هو الذي سيقيم البيت المسلم الفاضل، وهو الذي سيتحرك ويعمل ليقيم المجتمع المسلم فيتهيأ الراي العام الإسلامي وتتكون القاعدة المتينة التي تقوم عليها الحركة المسلمة كنواة للدولة الإسلامية إن شاء الله تعالى . 

إن رجل العقيدة لا بد أن يكون على درجة عالية من فهمه لدينه ، وأن يكون على درجة كبيرة من الإخلاص ليكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة، وأن يكون ممن يؤثرون العمل على القول بعد أن عرف الطريق وأخلص النية ، وأن يتجرد لدعوته من كل ما سواها من المبادئ والاشخاص ، وان يظل مجاهدا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين ... إما النصر أو الشهادة .

ومطلوب من رجل العقيدة وجندي الدعوة أن يروض نفسه ويلزمها بامتثال الأمر وإنفاذه في العسر واليسر والمنشط والمكره ، حيث أن طريق الدعوة جهاد لا هوادة فيه وعمل متواصل في سبيل الوصل إلى الغاية ، وامتحان وبلاء لا يصبر عليه إلا الصادقون ، ولا يكفل النجاح إلا كمال الطاعة، والإخوة الصادقة القائمة على الحب بينه وبين إخوانه ... وأقل الحب سلامة الصدر وأعلاه الإيثار .