زحمة يا دنيا زحمة.

زحمة يا دنيا زحمة... بالرغم من طرافته الا أن تعريف المغترب التالي صحيح لدرجة كبيرة إذ يقول" المغترب هو كائن محسود ماديا، مجهول عائليا، مقهور إعلاميا، مرهق جسديا، مدمر نفسيا، يتصل أسبوعيا، مشتت فكريا و قريبا ربما يصبح مختلا عقليا" فعندما تكثر في شوارعنا سيارات الدفع الرباعي و السيارات التي ترى أولها و لا ترى آخرها و لا سائقها، و يكثر الإنفاق، و ترتفع الأسعار، و تتحرك السوق الراكدة، و تزيد الحفلات و الولائم و المهرجانات ،اعلم أيها المواطن أنك في فصل الصيف، و أن المغتربين قد نزلوا بلادهم في إجازة أصبحت على الأغلب طويلة و ممتدة و ليست من باب (زر غبا تزدد حبا) و لا (الزيارة غارة) كناية عن القصر و السرعة و نحن نختلف في تعاملنا مع المغتربين بين الترحيب و النفور و خصوصا بعد موسم شتوي يقارب عند بعض المقيمين سبات الدببة فلا حركة و لا كلام إلا في الحدود الدنيا، فهناك من ينتظرهم على أحر من الجمر إذا كان الغائب أبنا أو ابنة أو زوجا أو أبا، و يعد الأيام بالثواني الى أن تكتحل العين برؤية أحبابها و من الناس من يطفش من البلد و يخليها لهم، و بالذات إذا كانت الحالة المادية تعين على معالجة أسباب الطفش و الهروب و غيرهم يهاب الصيف بمناسباته الاجتماعية التي لا يعلم من أين سيوفر مصاريفها، و هو لا يملك أكثر من راتب حكومي أو راتب العمل في مؤسسات خاصة أصبحت هي و الرواتب الحكومية في الهم شرق و في القلة توأم و كذلك المغتربين أحوال و أنواع فمنهم من يستحق أن يُنتظر، و تبكي العيون لأجله، و تحترق القلوب شوقا له ذلك الذي يجعل إجازته برأ بوالدين، و صلة لرحم، و وفاء لأصدقاء طفولة و شباب، و منفعة للوطن، و تعويضا لما فاته أثناء السنة و العمل من عبادة و قراءة اتباعا لقوله تعالى "فإذا فرغت فانصب" و منهم من قد تكره رؤيته في الصيف و الشتاء و الفصول الأربعة، ذلك الذي يجعل من الإجازة فرصة لاستعراض الغنى و المقدرات في نفسه و عائلته على شعب رقيق الحال و منتوف الريش لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يرد الهدية لا بمثلها و لا أحسن و لا أقل منها!! مثل هؤلاء يصبح حضورهم عبأ اجتماعيا و اقتصاديا، و غيابهم عبأ عاطفيا، و نحن لا سعيدون بغيابهم و لا فرحى بوجودهم نبحث فيهم عن أطياف الذكريات الجميلة قبل طفرة غناهم و امتلاءهم و برودهم يوما كان الأب حنونا و الصديق أخا و الجار عائلة و الخبز و الملح دليل العشرة و المودة و كانت بصلة المحب خاروفا، و الهدية علامة حب و ليست قرضة أو دينا!!! عندما ترى المغترب تظن أنك ستصل ما انقطع و كأن الأيام لم تنقضي فتجده يريد أن يتابع ما فاته من أخبار و أحداث السنة، و قد أصبحت الدنيا أكبر اهتماماته كما أصبح المال و ما يتبعه من بيت و سيارة و مزرعة و استثمار مبلغ علمه، و بعض المقيمين قد يمتلىء غيرة و حسدا على ما يراه بعينه البصيرة و يده القصيرة و نفسه الكسيرة الحسيرة و ما أكثر الغيبة و النميمة و الهمز و اللمز في مجالس الصيف، و قلة يعرفون إثمها و أثرها السلبي على الفرد و الأمة، و هو ما بينه يوما الشيخ الجيلاني عندما خطب بالمسلمين بعد هزيمتهم و اجتياح الصليبيين لبلاد الشام فقال:" لا تعترضوا على الحق سبحانه و تعالى عند نزول الأقدار لأن أقدار الله التي نزلت بكم تناسب قدر إيمانكم و ضعف نفوسكم! ملائكتكم تتعجب من وقاحتكم، و تتعجب من كذبكم في توحيدكم،كل حديثكم في الغلاء و الرخص، و أحوال السلاطين و الأغنياء، أكل فلان، لبس فلان، تزوج فلان، استغنى فلان، افتقر فلان.." و هل زيارات الصيف على الأغلب الا تشكيلة مما انتقده الإمام؟ أين المغتربون من أمثال الصحابي عبيد الله الذي قال عنه الخليفة عمر بن عبد العزيز: لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا و ما فيها، و الله إني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار فوالله إني لأعود برأيه و نصيحته و هدايته على بيت مال المسلمين بألوف و ألوف، إن في المحادثة لمثله تلقيحا للعقل، و ترويحا للقلب، و تسريحا للهم، و تنقيحا للأدب لقد كانت الغربة محمودة في القدم فقال فيها الشاعر: تغرب عن الأوطان في طلب العلا و سافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم و اكتساب معيشة و علم و آداب و صحبة ماجد فهل نلمس هذه الفوائد في المغتربين أم أن بضاعة الترف هي كل كسبهم و خفي حنين يقود خطاهم؟ أيها المغتربون قد نحتمل لأجلكم ما لا نطيق في باقي أيام السنة فهل نجد فيكم العوض؟ قالوا: بيت الضيق يسع من الحبايب ألف صديق.. من الحبايب ...فقط د.ديمة طارق طهبوب